أراضٍ زراعية شاسعة المساحة تتراص على جانبى الطريق المؤدى لمحافظة الشرقية، حياة ريفية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وعناية خاصة من الفلاحين بأراضيهم بمنظر السواقى التى تدور فتوزع المياه على الأرض التى تجلب الخير لهم.
فتلك المناظر للساقية بين كل أرض زراعية تعيد للأذهان المشاهد الكلاسيكية للماشية التى تدور بالساقية الحديدية أو المصنوعة من الخشب، وهو المشهد الذى اعتدنا عليه فى الأراضى الزراعية، لينقل الواقع أن حتى تلك الحياة الريفية لم تعد كما يعتقد البعض، بل طالها التطوير بداية من طرق الزراعة، وحتى طرق الرى التى تتضح من خلال تصميم الساقية.
فداخل واحدة من أقدم ورش الخراطة بمنطقة الصوفية بمحافظة الشرقية، وقف "علاء محمود" صاحب الـ58 عاما خلف المخرطة الخاصة به منهمكًا فى تشكيل أجزاء الساقية التى يعمل فيها منذ أكثر من 30 عاما، يتطاير شرر صهر الحديد حوله فيحتمى بالقناع الخاص به، ويتحدث لـ"اليوم السابع"، حول مهنته قائلًا إنها مهنة تاريخية ذات جذور أصيلة عرفها أبًا عن جد، ولا يعرف سواها منذ نعومة أظافره.
وعن تصنيع سواقى الرى يقول علاء إنه يختلف باختلاف حجمها، حيث تتوقف على مساحة الأرض، لكن بشكل عام تتطلب أسبوعا من العمل المتواصل بأيادى 5 صنايعية يصممونها فى مكان تركيبها بالأرض الزراعية، فبعد أن يتم تشكيلها فى ورشة الخراطة تحمل أجزائها، ويتم وضع اللمسات الأخيرة عليها وتركيبها، فثمة صعوبات كثيرة تواجه العمال أثناء صنع الساقية، حيث أجزائها الكبيرة والعمل فى درجة حرارة عالية فى تشكيل وخراطة الحديد، ما يتطلب تركيز ودقة عالية وتعامل مع أدوات حادة وخطرة لتقطيع الحديد.
مهنة تطورت كثيرًا فى السنوات الأخيرة بعد أن كانت السواقى خشبية قديمًا تحرك بواسطة الماشية، أصبحت حديدية تدار بالكهرباء والتروس التى يتم تركيبها لتوزيع المياه على الأرض الزراعية، فبحسب ما يقول علاء إن هناك بعض الفلاحين الذين تتجاور أراضيهم يتشاركون فى تكاليف الساقية الواحدة كبيرة الحجم والتى تصل تكلفتها لـ25 ألف جنيه فى بعض الأحيان.
وقت كبير ومجهود توفره تلك السواقى للفلاح الذى يمكنه تشغيلها والانصراف عنها لقضاء الكثير من الأعمال حتى تنتهى الساقية من رى الأرض التى تصل مساحتها لـ100 فدان أحيانًا، فحسب ما يقول علاء فإن هناك 6 ورش فى محافظة الشرقية تعمل فى تصنيع سواقى الرى وهى المهنة التى يراها تطور من نفسها وتتماشى مع الطرق الحديثة للزراعة، بجانب توفير الوقت للفلاح.
"بنقل الحرفة لأولادى ولازم يتعلموا ويبقى معاهم صنعة" كلمات عبر بها علاء عما يتبعه من أطفاله بخصوص حرفته، حيث يهتم بتعليمهم حتى المراحل الأولى، لكن أن يمتلك كل منهم حرفة أو صنعة هو أكبر ما يشغله حتى يتمكنون من الحفاظ على صنعة عائلاتهم ، والتمكن من إيجاد دخل مضمون دون إنتظار الوظيفة.