زحام وباعة جائلون وشوارع مفروشة بالبضائع، الضوضاء سيدة الموقف والفوضى تسيطر على كل شىء، بداية من الملابس المتراصة على طول الشوارع وصولا إلى أغانى المهرجانات المنبعثة من السماعات فى كل مكان.. هذا هو حال وكالة البلح الآن، أحد أبرز الأسواق الشعبية فى مصر، ولكن وسط الزحام يستقر معلمو الزمن الجميل، من عاشوا حكاية وكالة البلح لأكثر من "70 عاما"، داخل عيونهم يمكن أن تقرأ مشاهد أخرى لهذا المكان، تشعر وكأنهم يعيشون فى عالم آخر بعيداً عن الزحام بكل تفاصيله، عالم انتقلنا له معهم لنعيش حكاية "وكالة البلح" فى أكثر من 70 عاما.
وكالة البلح
داخل محل عتيق فى وكالة البلح يجلس عم "حليم حكيم"، الذى يبلغ من العمر 70 عاما، وبجانبه "الشيشة"، يقول إن عدد سنوات حياته بالكامل بدأها هنا، فى هذا المحل لبيع الأقمشة، تربى بجوار والده، ورث عنه المهنة ويحافظ عليها حتى اليوم، يعرف كل تفاصيل وحكاية هذا المكان قائلا، "الوكالة كانت عبارة عن ميناء فى القاهرة، تأتى إليها البواخر لاستقبال البلح من الصعيد من منطقة تسمى "الأغا" بمحافظة أسيوط، لذا سميت بوكالة البلح".
حركة البيع والشراء فى وكالة البلح
ويواصل عم حكيم روايته، فى ثلاثينيات القرن الماضى كان يأتى إلى الوكالة اثنين من الصعيد هما أول من عمل بها، وكانا يسافران الشام لاستيراد البضائع ويعودان لعرضها فى الشوارع دون أن يمتلكا محلا، حتى شكلا نقطة البداية لهذا المكان الذى أصبح عامل جذب للشراء وشجعا المزيد من التجار على الانضمام لهما.
محررة اليوم السابع مع سمير سيداروس
ويتذكر عم "سمير سيداروس" سنوات عمره الـ68 التى قضاها بالكامل هنا أيضا، ورث محل الأقمشة عن والده، قائلا، إأن الوكالة فى البداية كانت عبارة عن شارع واحد وبدأت تتوسع يوما بعد الآخر، وكبار النجوم كانوا يأتون لها ليشتروا بضائعهم، الشوارع كانت منظمة ومرتبة ولا يمكن لتاجر أن يتجاوز مع أى أحد، فقانون السوق وقواعده واضحة والمعلمين الكبار لا يتركون أى خطأ يمر.
عم سمير
"كل شيء تغير الآن".. هكذا وصف عم سمير حال الوكالة، والزحام والفوضى التى سيطرت كل شىء، قائلا، "حتى مصادر استيراد الأقمشة والملابس تغيرت، قديما كنا نستورد الملابس والأقمشة من أرقى بلدان العالم، ولكن الآن لم يعد الحال نفس الحال".
أحد أقدم باعة الأقمشة فى وكالة البلح
تفاصيل دقيقة يرصدها الرجل فى علاقة أبناء الوكالة ببعضهم، فهم يملكون لغة خاصة، فكما تقول الأمثال "الحاجة" أم الاختراع، ولحاجة تجار الوكالة للغة تعينهم على التعامل دون أن يعرف أحد من الزبائن المنتشرين فى كل مكان، صنعوا لغتهم الخاصة أو ما يمكن أن نطلق عليه "سين" خاص بهم، فالعملة لها سين، كالعشرة جنيهات تسمى عصارة، والـ25 جنيها بـ"حلوم"، و50 جنيها حميشة صفر، ومسميات أخرى كالمرأة بشر والرجل دفش، ويتابعون أنه عندما يعجبهم الزبون يطلقون عليه "يافيت" وعندما يكون كثير الفصال يطلقون عليه "صاد".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة