دخل الوالد غرفة ابنه الصغير وهو يحمل فى يده زجاجة صغيرة بداخلها ثمرة برتقال كبيرة، تعجب الطفل وهو يحاول إخراج البرتقالة من الزجاجة، وسأل أباه مندهشاً كيف دخلت البرتقالة فى هذه الزجاجة ذات الفوهة الصغيرة؟!
أخذ الوالد ابنه إلى حديقة المنزل، وجاء بزجاجة فارغة، وربطها بغصن شجرة برتقال حديثة الثمار، ثم أدخل فى الزجاجة إحدى الثمار الصغيرة وتركها، ومرت الأيام وإذا بالبرتقالة تنمو وتكبر حتى استعصى خروجها من الزجاجة ، حينها عرف الطفل السر وزالت عنه علامات التعجب ، فقال له والده: يا بنى سوف تصادف فى حياتك الكثير من الناس، ورغم ما ستراه من مستوى تعليمهم وثقافتهم؛ إلا أنهم يسلكون طرقاً لا تتفق وهذا التعليم وتلك الثقافة، فهم يمارسون عادات لا تناسب أخلاق مجتمعهم وقيمه، لأن تلك العادات غُرست فى نفوسهم صغاراً ونمت فيهم كباراً وتعذر تخلصهم منها مثلما يتعذر إخراج البرتقالة الكبيرة من فوهة الزجاجة الصغيرة.
إننا فى تربيتنا لأطفالنا علينا أن نُعد التربة الصالحة للزراعة والإنبات ، وعلى الزُّراع أن يستجيدوا البذور، ويستكملوا الوسائل حتى يحصدوا غراسهم كما شاء الله له نقاءً وجمالاً. وعلينا أن ننتبه لكل تشويه يعترض الفطرة السوية، فهو بمثابة اعوجاج ينبغى أن يشذَّب ويهذَّب، لا أن يترك ويسكت عليه، فالمعلولون من أبنائنا، وذوو الأفكار المختلة هم فى الواقع ضحايا النشأة المعوجة، إنهم كالثمار المعطوبة فى عالم النبات خرجوا عن جادة الفطرة السوية، ولا يجوز أن نطمئن إلى أفكارهم وسلوكياتهم ، ومنهم يجب أن نحذر على أنفسنا ومستقبلنا .
إن فقدان البصيرة التربوية الواعية واللماحة هو فى الواقع حجاب حاجز طامس.. يعيق فهم قواعد التربية وتفهمها ، وقد رأيت آباء وأمهات حظهم من التعليم قليل ، ومحفوظهم من القواعد التربوية لا يُذكر ، ومع ذلك فقد كان وعيهم الفطرى هادياً ومرشداً ، ولعل هؤلاء أحسن حالاً وأرجى مآلاً من أناس مُكنوا من القواعد التربوية تمكيناً كاملاً، وبدلاً من أن يرتفعوا بأبنائهم هبطوا بهم.
والعجيب أن كتلاً كثيفة من الآباء والأمهات لا يسلكون فى تربيتهم لأبنائهم طريقاً واضحة، وإنما يخوضون مع الخائضين إباحة وزجراً، قبولاً ورفضاً، منحاً ومنعاً. وليس يصعب على من له أثارة من علم التربية أن يرى هذا التناقض الواضح فى تربية بعضنا لأبنائه حتى فى السلوك الواحد.
إن تبديد غيوم التربية غير الواعية والتى خيمت على كثير من أسرنا أمر واجب لا محيص عنه، وهو ليس ترفاً يمكن الاستغناء عنه، وإنما هو إصلاح لسلوكيات شاعت بيننا لن يرقى المجتمع الإنسانى إلا إذا عالجها وقوّم عوجها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة