فى الإسكندرية وعلى شط البحر الأبيض المتوسط، كتب المصريون تاريخا مجيدا، وبطولات نادرة يتذكرها التاريخ المصرى إلى الآن، ويظل على مدار تاريخ تلك البقعة الساحرة من البلاد، حكايات وأساطير عن بطولات المصريين هناك.
ومن بين تلك الحكايات التى تخلد بطل مصرى، عاش ومات فى الإسكندرية، ظل حتى آخر أيام فى حياته يدافع عن مدينته ضد الاحتلال كان الزعيم المصرى محمد كُريم، والذى تحل ذكرى إعدامه الـ220، رميا بالرصاص على يد قائد الحملة الفرنسية نابليون بونابرت.
ويبدو أن البدايات للأبطال المصريين، تحمل وجها آخر دائما ما يكون مثالا على المعاناة، وتحمل المسئولية مثل الصغر، هو ما يوضحه كتاب "حكايات منسية" للكاتب محمد الأمير، حيث يوضح بأن "كُريم" ولد يتيما وفقيرا، ولم تسعفه الظروف أن يدخل المدارس، وشاء عمه أن يساعد أسرته الفقيرة، ففتح دكانا صغيرا كى يصرف منه محمد كُريم على عائلته.
ولأن الأبطال دائما لا يستسلمون، فقرر أول حاكم مصرى للإسكندرية فى العصور الحديثة، أن يعلم نفسه بفنسه، فكان فى الصبح يذهب إلى الدكان وفى المساء يذهب إلى المسجد ليتعلم ويسمع من الشيوخ فى الحلقات الدينية والتعليمية.
ومن صغره وكان على قدر كبير من المسئولية، لم يأخذ أجازة، واستمر على حضور الحلقات التعليمية، فحفظوا أهل الإسكندرية الذين كانوا حارصين على حضور الحلقات مثله، ومع تقدمه فى العمر، أصبح يحضر الندوات الشعبية، وكان بدأ يخطب فى أهل المدينة، حتى دخل قلب كل الأهالى كما كانوا فى قلبه.
عندما أصبح شاب تم تعينه كمراقب فى جمارك الثغر، ومع اخلاطه وسرعته فى إنهاء العمل، تدرج فى الوظائف حتى أصبح رئيس ديوان الجمارك.
فى ذلك الوقت كان يحكم مصر اثنين من المماليك مراد بك وإبراهيم بك، وعند زيارة الأول للمدينة وسمعه عن ذلك الرجل المخلص فى عمله المحبوب بين الناس، قرر تعيينه حاكم للمدينة وشرف على جمارك الإسكندرية كلها.
ووفقا لما ذكره المستشار رجائى عطية فى كتابه "دماء على جدار السلطة"، فى عام 1798، وحين كانت الحملة الفرنسية عقدت نيته لاحتلال البلاد، وقررت دخولها عبر بوابة الإسكندرية، انتفض محمد كُريم وأبا ألا تستسلم المدينة، وسارع بتحصين قلعة قايتباى، لصد الأسطول الفرنسى، بقيادة نابليون، وتابع الصيادين والعمال تجهيز حصون الإسكندرية وتقدم المدافعين من فوق القلعة ليرد الفرنسيين عن وطنه، واستقبلوا بصدروهم المدافعية الثقيلة.
لم يهدأ "كُريم" ولم يستسلم بعد نجاح الفرنسيين فى دخول البلاد، وظل ينظم المقاومة الشعبية ضدهم، ولجاء إلى الصحراء لترتيب المجاهدين للانضمام لصفوف المقاومة، حتى اتهمته القيادة الفرنسية بخيانة الجمهورية، وكأنه مكلف بالإخلاص للجمهورية الفرنسية التى تغزو وطنه بغير حق، وتحت بصر وتخاذل الدولة العثمانية.
تم القبض على الفارس النبيل، وفى 5 سبتمبر صدر قرار بأعدامه، وبحسب ما أورده عبد الرافعى فى تاريخه، نصحه المستشرق فانتور كبير مترجمى الحملة، بأن يفتدى روحه ويدفع مبلغ من المال، فأجابه: إذا كان مقدورا على أن أموت، فلن يعصمنى من الموت أن أدفع هذا المبلغ، وإن كان مقدورا لى الحياة فعلام أدفعه.. بالفعل وفى صباح 6 سبتمبر 1798، نفذ الإعدام فى البطل الوطنى بميدان الرميلة بالقلعة، ووضعته الدولة المصرية بعد ثورة 1952 ضمن قائمة حكام الثغر، وأطلقت اسمه على الجامع القائم بجوار سرى رأس التين.