كلف الدكتور وديع حداد، القائد بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رفيقه فى قيادة الجبهة حمدى مطر «أبوسمير» بشراء «مائة تنكة فارغة مفتوحة وبدون غطاء، وخمسة جالونات ديزل وجاز «كيروسين»، وسلّم خشبى طوله متران، وبضعة فؤوس ومجارف ومكبر صوت، وثلاثة صناديق متفجرات، وإعداد ثلاثين مقاتلًا مزودين بأسلحة كلاشنكوف»، وحسب «أبوسمير» فى جريدة «المجد الأردنية - 2 مايو 2007»، فإنه لم يكن يعرف ماذا سيفعل «حداد»، لكنه أعد له كل شىء وأبلغه، فاصطحبه بالسيارة إلى مكان فى الصحراء الأردنية يقع ما بين «الزرقاء» و«المفرق»، ويبعد عن الشارع الرئيسى عدة كيلومترات، وهناك أخبره ماذا سيفعل فى التنك والديزل والجاز، وأكد ضرورة نقل كل هذه الأغراض والمقاتلين بعد ظهر يوم 6 سبتمبر «مثل هذا اليوم عام 1970»، ويذكر «أبوسمير» أن «حداد» سأله: من أين بالمقاتلين؟، فأجابه بأنه يوجد حوالى أربعين مقاتلًا يتدربون فى أحد معسكرات تدريب الجبهة فى منطقة «جلعد»، ويؤكد أنه كان من ضمنهم مقاتل اسمه سالم «كارلوس»، وهو الفنزويلى الشهير الذى كان من فدائيى الجبهة، وسلمه الرئيس السودانى عمر البشير، وحسن الترابى إلى فرنسا يوم 14 أغسطس 1994.
مطالب «حداد» كانت لها علاقة بقبول جمال عبدالناصر لمبادرة «روجرز»، وزير الخارجية الأمريكية، بوقف إطلاق النار على الجبهة المصرية مع إسرائيل يوم 8 أغسطس 1970، فهاجمته منظمات فلسطينية، حسب محمود رياض، وزير خارجية مصر وقتئذ، فى مذكراته «البحث عن السلام.. والصراع فى الشرق الأوسط»، مضيفًا: «اتهمته بالتواطؤ مع الأمريكيين، وكانت هذه التهمة تنطلق من محطة إذاعة صوت فلسطين من القاهرة، وهى التى كانت الحكومة المصرية تتيحها للفلسطينيين، فاضطر عبدالناصر إلى إغلاق محطة الإذاعة، ومع ذلك لم يسمح بتحويل الأمر إلى عداء مصرى فلسطينى».
اختارت المنظمات الفلسطينية وسائلها فى التعبير عن رفضها للمباردة، وقبول عبدالناصر لها، وكان للجبهة الشعبية اختيارها الخاص الذى يعبر عنه أحد قيادييها «لم يفصح عن اسمه» فى حوار له مع غسان شربل نشره فى كتاب «أسرار الصندوق الأسود».. قال: «فى هذه الأجواء وجه جورج حبش رسالة إلى وديع حداد يمكن اختصارها بكلمتين هما: «أشعل المنطقة»، وهذا يعنى أن المطلوب من حداد كان إعداد عملية تقلب الأجواء والمعادلة، وهكذا بدأ التحضير لخطف مجموعة طائرات»، وتم يوم 6 سبتمبر «مثل هذا اليوم» 1970، وحسب جورج حبش: «كان المخطط أن نخطف ثلاث طائرات، إسرائيلية، وأمريكية، وسويسرية، وكان حداد المشرف على هذه العملية»، ووفقًا لـ«شربل»: «كان وديع فى استقبال الطائرات، ذهب قبل فترة لتحضير المكان الذى ستهبط فيه الطائرات، ووقع الخيار على مطار عسكرى قديم، كان يستخدم فى الحرب العالمية الثانية، وكان من غير الوارد اقتياد الطائرات إلى مطار عمان الدولى، وبعد عملية بحث دقيق والاستعانة بمهندسين وطيارين تم تحديد المكان».
يكشف «أبوسمير»: «بعد الظهر حضر إلى المكان الدكتور وديع ومعه عدد من الرفاق، وبعد تفقده كل شىء جلست بجانبه، وكان معه جهاز راديو كبير تم فتحه على نشرات الأخبار، وحوالى الساعة الخامسة بعد العصر فوجئنا بخبر سيئ جدًا، حيث أُعلن عن فشل اختطاف طائرة العال الإسرائيلية واستشهاد أحد المنفذين، وهو الرفيق أورجولورا من أوروجواى، وأسر الرفيقة ليلى خالد، لقد تأثرنا لهذا الخبر، ولكن الدكتور وديع قال: «طيب بنشوف شو بصير»، وأمضى أكثر من ساعتين بعد سماعنا للخبر المشؤوم وهو يستمع إلى الراديو، وعيناه تنظران إلى السماء، وبعد غياب الشمس طلب من الرفاق إشعال النار فى جميع عبوات التنك المحيطة فى المكان، ولم يمض وقت كثير، وإذا به يقول بفرح وهو يشير إلى طائرة تحلق بالجو: «هذه الطائرة لنا».. شاهدنا طائرة تمر من فوقنا وتعود أكثر من مرتين، وفى المرة الثالثة هبطت الطائرة السويسرية على أرض المطار، ولدى هبوطها أحدثت صوتًا كبيرًا جدًا وما كان من الطيار إلا أن فتح أبواب النجاة الأربعة، وما هى إلا لحظات حتى أصبح الركاب وعددهم 155 راكبًا على الأرض، وبعد أن انقشع الغبار الذى أثاره هبوط الطائرة، توجهنا إلى الركاب عبر مكبر الصوت بالطلب إليهم بعدم التحرك، والوقوف فى أماكنهم لنتمكن من إعادتهم إلى الطائرة، وتم لنا ذلك.
كان عدد ركاب الطائرة مع الطاقم 155 راكبًا، وبعد أقل من ساعة وإذا بطائرة أخرى تحلق فوق المطار، وقام «حداد» بالتحدث إلى قائد الطائرة السويسرية، وطلب منه الاتصال بقائد طائرة TWA وإرشاده وتسهيل مهمة الهبوط، وفعلًا تم ذلك، وهبطت طائرة TWA بهدوء، وبقى جميع ركابها بداخلها، وكان على متنها 150 راكبًا، وبعد أن استقرت الطائرتان قام خبير المتفجرات بوضع كمية من المتفجرات خلف غرفة القيادة فى كل منهما، وكانت المفاجأة فى اختطاف طائرة ثالثة.. وتواصلت الأحداث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة