- تزوج 4 مرات وأنجب 7 أبناء وحصلت طليقته على حكم نفقة أكبر من نفقة الملكة فريدة.. وسر «عزيزة» التى أحبها عبدالعزيز محمود أكثر من كل البشر
- هشام عبدالعزيز محمود: مسلسل «حليم» ظلم والدى
- نصحنى إن أردت العمل بالفن أن أتحمل «قلة الأصل».. وقال لى: «الفن فى مصر غدار ومش مضمون»
- وصل للعالمية ولحن أكثر من 2000 عمل وحقق طفرة فى الإعلانات
جاء يحمل كومة أوراق مكتوبة بخط اليد، جمع فيها عناوين وتواريخ أعمال والده، ويحمل معها مرارة تساوى حجم هذا المشوار الفنى الطويل لأحد عمالقة الطرب، الذى ملأ الدنيا نجاحًا وفرحًا وطربًا، وذاع صيته حتى وصل للعالمية، وانتهى به الحال وحيدًا حزينًا بعدما هجرته الأضواء، وهجره أهل الفن.
يتذكر الابن الذى تخطى الستين من عمره عزاء والده، الذى خلا من أهل الفن، ويتذكر فى هذه اللحظة كلمات الأب التى قالها وقلبه يعتصر حزنًا حين ظهرت على الابن بوادر مواهب فنية: « لو عاوز تشتغل فى الفن استحمل قلة الأصل»، حيث ذاق الأب مرار العزلة والنكران بعد حلاوة الشهرة والمجد.
إنه المطرب والملحن عبدالعزيز محمود، الذى مازال صوته يمتعنا، ويثير الحنين إلى زمن الفن الجميل.
نسمعه يشدو مرحبًا بقدوم رمضان برائعته «مرحب شهر الصوم»، فترقص القلوب فرحةً بالشهر الكريم، يشاركنا أفراحنا بطريقة أولاد البلد وهو يغنى «يا نجف بنور يا سيد العرسان»، ويجمع بين الطرب وخفة الظل وهو يغنى «يا تاكسى الغرام يا مقرب البعيد»، ويعطى دروسًا فى الغزل بأغنيته «منديل الحلو يا منديله»، ويجسد لهفة واستعطاف الحبيب وهو يردد «شوف قلبى الملهوف بيقول يا صباح الفل».
التقينا بابنه هشام عبدالعزيز محمود، الذى يحمل بعض ملامح أبيه المختلطة بملامح والدته ذات الجذور التركية، والذى ورث بعضًا من جينات والده الفنية، التى جعلته يهوى الغناء، ويعزف على الجيتار، ويعيد توزيع عدد من ألحان أبيه.
يحكى الابن مشوار وأسرار حياة والده، الذى يزخر بقصص الكفاح والنجاح والإبداع والحب والزواج والطلاق، ويختتم فيه سنوات المجد بفترات العزلة والحزن والنكران.
بداية الرحلة من سوهاج إلى بورسعيد إلى القاهرة
تبدأ الرحلة فى 17 أكتوبر 1914 فى الجنوب، بقرية الخناجرة، فى محافظة سوهاج، بميلاد عبدالعزيز محمود عبدالعال الخناجرى، الابن الثانى بعد شقيقه عبدالحميد، لأسرة ميسورة الحال، كما يشير ابنه هشام، ولم يكد يعى هذا الطفل ما حوله حتى أحب أصوات الربابة ومواويل الأفراح وغناء المسحراتى والباعة الجائلين.
أكد الابن أن والده كان يعبر فى طفولته عن هذا المخزون عندما يلعب مع أقرانه من أطفال القرية فيغنى لهم، ويجوب معهم الأفراح والموالد ليستمع إلى الأغانى والمواويل.
مرت السنوات الأولى فى حياة عبدالعزيز محمود والتحق بالتعليم الابتدائى، ولكن سرعان ما توفى والده، وبسبب مشكلات الميراث أخذت الأم ولديها وانتقلت إلى بورسعيد مع عدد من أفراد عائلتها فى هجرة شبه جماعية، حيث فرص العمل فى الميناء والبحر.
وقال الابن: «ترك الجد ميراثًا فى سوهاج، حيث كانت عائلته من الأثرياء، ولكن جدتى فضلت الابتعاد عن المشاكل».
وفى بورسعيد عمل عبدالعزيز محمود فى الميناء بإحدى الشركات الأجنبية للشحن والتفريغ: «كان أبى يغنى أثناء العمل واشتهر بين زملائه بحلاوة صوته».
يحكى الابن عن الصدفة التى مهدت لمشوار والده الفنى، قائلًا: «غنى أبى فى فرح أحد زملائه، وبالصدفة سمعه الموسيقار مدحت عاصم، وكان مديرًا للإذاعة، فأعجبه صوته، وتحدث معه، وأعطاه الكارت الخاص به، وقال له لو عاوز تشتغل فى الفن تعالى قابلنى فى القاهرة».
اكتملت الصدفة عندما كان عبدالعزيز محمود فى عرض البحر، وجمع زملاءه ليغنى لهم: «كانوا مزوغين وبيغنوا، ومشرف الشغل عرف فتتبعهم، ووالدى جرى وقفز من اللانش وأصيب فى ساقه فترك الشركة ولم يعد».
وأوضح ابن عبدالعزيز محمود: «كانت الهجرة الأولى لوالدى من سوهاج إلى بورسعيد، والهجرة الثانية عندما قرر السفر من بورسعيد للقاهرة لمقابلة مدحت عاصم فى الإذاعة، ليشق طريقه الفنى، بينما استقرت والدته وشقيقه وباقى العائلة فى بورسعيد».
فى طريق الشهرة اجتمع الذكاء والموهبة والصدفة
وكما يشير الابن، بدأت رحلة عبدالعزيز محمود فى الإذاعة عام 1934، ولحن له مدحت عاصم إيمانًا بموهبته، كما لحن له القصبجى وزكريا أحمد والسنباطى: «عمل أغانى كتير، وكان له مذاق ولون فنى مختلف».
اجتمعت الصدفة والذكاء والموهبة لتشكل نجومية عبدالعزيز محمود، الذى كوّن الكثير من الصداقات الفنية، فكما يقول ابنه، تعرف فى بداية مشواره على المخرج سيد زيادة، ونصحه بأن يروّج لموهبته الغنائية من خلال الأفلام السينمائية، ولو بأغنية فى كل فيلم، فشارك بالغناء فى فيلم «عريس الهنا»، وهو أول فيلم يظهر فيه عبدالعزيز محمود عام 1944، وتوالت بعده العديد من الأفلام التى شارك فيها كبار النجوم، وأخرجها كبار المخرجين، وظهر فيها عبدالعزيزمحمود ليقدم أغنية أو عدة أغان.
يؤكد الابن أن النقطة الفارقة التى انطلقت منها شهرة والده الواسعة كانت عام 1947، عندما شارك فى فيلم «قلبى دليلى»، وقدّم فيه أغنية «يا نجف بنور»، التى حققت نجاحًا وانتشارًا واسعًا: «كانت فاتحة خير عليه، والأفراح زادت، وربنا وسع عليه، وتهافت عليه المخرجون ليشارك بالغناء فى مزيد من الأفلام».
وتابع: كان والدى سببًا فى اكتشاف النجمة نعيمة عاكف، فكانت تعمل فى السيرك، وساعدها على أن تؤدى أول أدوارها فى فيلم «ست البيت»، الذى غنى فيه عام 1948 مجموعة من أجمل أغانيه التى رقصت عليها نعيمة عاكف.
يؤكد هشام محمود عبدالعزيز أن نعيمة عاكف صانت جميل والده بعد زواجها من المنتج حسين فوزى، واستعانت به فى فيلم «جنة ونار»، ليقدم 5 أغنيات من أجمل أغانيه، منها «كلمنى يومين واهجر تانى، معانا ممعناش، على الطبل والمزمار، اللى يقدر على قلبى». أصبح عبدالعزيز محمود نجم شباك بعد نجاحاته المتتالية، فحرص المنتجون على وجوده فى أفلامهم بأغانيه، حتى حصل على دور البطولة فى فيلم «منديل الحلو»، وهو الفيلم رقم 12 فى مشواره السينمائى، وتكلف إنتاجه 15 ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم فى هذا الوقت، وحقق نجاحًا وإيرادات هائلة، كما شارك عبدالعزيز محمود فى فيلم «ساعة لقلبك» مع شادية وكمال الشناوى، وإخراج حسن الإمام، ولحن لشادية فى هذا الفيلم أغنيتين «يا نهار نادى»، و«ماتهونش عليا»، حيث كان يلحن لنفسه ولغيره، ووصلت شهرته إلى أن اختاره مخرج أجنبى هو جيانى فريونتشو للمشاركة فى فيلم «امرأة من نار» سنة 1950.
زيجات نجم الشباك والأفراح والسينما الأربع
فى هذه الفترة حقق عبدالعزيز محمود نجاحات فى السينما والإذاعة، وكان المطرب الأول للأفراح، فكما يقول ابنه: «كانت بتتحدد مواعيد الأفراح على أساس مواعيده، وطلبه أنور السادات لإحياء فرحه على جيهان بعدما طلبت أن يغنى مطرب يا نجف بنور فى فرحها».
شجعت هذه النجاحات والشهرة الواسعة نجم الشباك على أن يؤسس شركة إنتاج خاصة به عام 1951، وينتج من خلالها 4 أفلام، هى «خد الجميل، مقدر ومكتوب، علشان عيونك، تاكسى الغرام»، ويؤكد الابن أن والدته هى صاحبة الفضل فى فكرة تأسيس شركة إنتاج أفلام عبدالعزيز محمود.
ينطلق من هذه النقطة ليحكى عن زيجات أبيه التى تحدث عنها الكثيرون، حتى وصفوه بـ«شهريار»، يضحك الابن محللًا شخصية والده: » كان ملولا ويحب التجديد دائمًا، وهو ما يظهر فى موهبته الفنية الفريدة، فهو لا يكرر جملة، ولديه تنوع كبير فى ألحانه وأغانيه».
يشير إلى أن والده تزوج 4 مرات، الأولى من خارج الوسط الفنى، وهى مديرة مدرسة، وأنجب منها «حشمت» و«ولاء»، وطلقها بعد 3 سنوات: «لم يكن والدى يستمر فى الزيجة أكثر من 3 إلى 4 سنوات»، والثانية من السيدة اعتدال شاهين، وتنتمى للوسط الفنى، وأنجب منها ابنته «عزة».
يتحدث هشام عبدالعزيز محمود عن قصة ارتباط والده بوالدته، فيقول: «والدتى لها جذور تركية، وكانت جارة ليلى مراد وصديقتها، وأثناء تصوير فيلم «غزل البنات» اصطحبتها ليلى مراد معها، وقالت لها هاعلمك ركوب الخيل، وطلبت منها المشاركة فى مشهد تصوير أغنية «اتمخترى واتمايلى يا خيل»، وبالفعل ظهرت والدتى فى المشهد إلى جوار هند رستم».
ويكمل: «بالصدفة كان والدى لديه تصوير فى نفس اليوم والمكان، وفى الكواليس شاهد والدتى، ولم يكن تجاوز عمرها وقتها 16 عامًا، فأعجب بها، وفى نفس اليوم ذهب وتقدم للزواج منها».
يضحك الابن قائلًا: «والدى مكانش بيضيع وقت، وكان سريعًا فى الجواز والطلاق، وبعد الزواج أنجبتنى أنا وأختى هدى التى تكبرنى بعام واحد».
سهرات الملك فاروق وأحكام النفقة
يشير الابن إلى علاقة والده بالملك فاروق قائلًا: «الملك كان بيحب عبدالعزيز محمود، وسمع صوته بعد الضجة والشهرة الواسعة التى حظى بها، ونشأت بينهما علاقة صداقة، وكانا يسهران معًا، ووقتها أرادت والدتى أن تشغل أبى عن هذه السهرات، ففكرت فى موضوع شركة الإنتاج، واختارت مكانها فى عمارة الإيموبيليا، وهو المكان الذى أقام فيه والدى حتى وفاته».
وكالعادة، لم تستمر هذه الزيجة ووقع الطلاق، وبعدها تزوج عبدالعزيز محمود آخر زيجاته من السيدة فوزية إبراهيم، وكانت تنتمى للوسط الفنى، وأنجب منها ابنتيه «نهاد» و«هويدا».
يشير الابن إلى أن الزوجة الرابعة ظلت تلازم والده وترعاه فى أواخر أيامه وفترة مرضه، حتى بعد الطلاق، مؤكدًا أن والده كان لديه مئات المعجبات.
وعن حقيقة حبس الفنان عبدالعزيز محمود بسبب أحكام النفقة التى حصلت عليها زوجاته، يضحك ابنه قائلًا: «ماحصلش إن الوالد اتحبس بسبب أحكام نفقة، والكلام عن إنه اتحبس يوم الصباحية بسبب حكم نفقة كان نكتة وإفيه قاله والدى وليس حقيقة».
وتابع: «والدتى حصلت على حكم بأكبر نفقة فى مصر فى هذا الوقت، وهو مبلغ 300 جنيه، وكان أعلى من نفقة الملكة فريدة، لكنها لم تنفذ الحكم وتزوجت بعد أبى وظللنا نقيم معها».
وعن كيفية تعامل الفنان عبدالعزيز محمود مع أبنائه السبعة من زيجاته الأربع، أشار ابنه إلى أنهم كانوا يجتمعون يوم الجمعة دائمًا فى منزل والدهم، وأن بعض زوجاته حملنه مسؤولية أبنائه كاملة، وبعضهن لم يعتمدن عليه فى تحمل مسؤولية أبنائهن، قائلًا: «والدتى تحملت مسؤولية رعايتنا، وعندما وصلت سن 17 عامًا اعتمدت على نفسى، وعملت فرقة غربى حيث أغنى بأربع لغات، وأكملت دراستى بالجامعة الأمريكية وكلية التربية الفنية، وكنت أجلس مع والدى فيسمعنى ألحانه ويأخذ رأيى فيها».
صاحب تاكسى الغرام وتوصيلة العندليب
وعن علاقة عبدالعزيز محمود بعمالقة الطرب، قال ابنه: «والدى ساعد عبدالحليم حافظ فى بدايته، وعندما كان أبى يقدم حفلات الموسم الصيفى بالإسكندرية، قال له أحد أصحاب هذه الأماكن إن هناك شابًا موهوبًا ويريده أن يقدمه معه فى إحدى الحفلات، وبالفعل قدم والدى عبدالحليم حافظ للجمهور، ولم يكن أحد يعرفه».
ينفعل الابن قائلًا: «هذا هو الفرق بين والدى وبين غيره من الفنانين، الذين عندما تمكنوا وكانت مفاتيح الإذاعة معهم، استخدموا سلطاتهم وقفلوا عليه ولم يذيعوا أعماله، كما فعلوا مع فنانين آخرين».
وأضاف: «كان عبدالحليم بيتفرج على عبدالعزيز محمود وهو يغنى، وعندما سئل من الذى يعجبك فى المطربين، قال عبدالعزيز محمود بسبب حضوره الطاغى، وقدرته على جذب الجمهور».
ويشير هشام عبدالعزيز محمود إلى أنه سمع من الفنان سمير صبرى أن والده كان سيلحن لعبدالحليم حافظ، لكنه لا يعرف لماذا لما تكتمل الفكرة.
يؤكد الابن أن مسلسل «حليم» ظلم والده وأساء إليه، حيث أظهره بصورة المتعجرف المتعالى، كما أساء للفنان عبدالغنى السيد، متسائلًا: لصالح من يتم تشويه فنانين كبار بهذه الصورة؟
وعن علاقة والده بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، أشار ابن عبدالعزيز محمود إلى أن عبدالوهاب استعان بوالده فى بعض الأغانى الوطنية الجماعية، منها نشيد «قولوا لمصر» مع محمد عبدالمطلب، وشادية، وعبدالغنى السيد، وسعد عبدالوهاب، ولكنه لم يلحن له أغانى خاصة، قائلًا: «والدى كان يلحن لنفسه»، مؤكدًا أن أباه كان يعشق صوت أم كلثوم ووديع الصافى الذى وصفه بأنه مثل جرس الكنيسة.
العالمية والفرانكو آراب والإعلانات
يتحدث الابن عن قدرة والده على التنوع والتجديد، والتغلب على الظروف، قائلًا: «أبويا لما اتحارب فى الإذاعة فى الستينيات، عمل أغانى الفرانكو آراب وقدم 4 أغنيات، هى «لوليتا، حليمة، حسن يا حسن، لورا»، وحققت نجاحًا منقطع النظير، ودعته لندن لتسجيل الأغنيات فيها بعد تفوقه فى استفتاء للجمهور، حتى أن الكورال الذى غنى معه كان إنجليزيًا».
يشير هشام عبدالعزيز محمود إلى النجاحات التى حققتها حفلات والده فى باريس، قائلًا: «كنت فى المرحلة الثانوية وأعزف على الجيتار، وسافرت معه إلى فرنسا، وكنت أعزف مع فرقته، وهناك حققت حفلاته نجاحات هائلة، وحضرتها الجاليات العربية، خاصة التوانسة والمغاربة، الذين يعشقون صوته، كما حضرها جمهور فرنسى».
يتحدث الابن عن صفات أبيه وهو يعمل: «كان عصبى جدا ولازم يتخانق قبل الحفلة من شدة توتره، وماينفعش عازف يخترع حاجة غير المتفق عليها».
وبفخر يكمل الابن حديثه عن قدرة والده على التنوع والتفوق فى مجالات جديدة، وإعجازه فى تقديم أشهر الإعلانات، قائلًا: «فى السبعينيات ابتكر أبى مجالًا جديدًا وتفوق فيه، وأحدث إعجازًا فنيًا عندما عرض عليه آل مهيب عمل إعلانات عن بعض السلع من خلال أغنيات وألحان لا تتجاوز مدتها دقيقة، فلحن والدى ما يقرب من 7 إعلانات حققت انتشارًا ونجاحًا مبهرًا، وأصبح الناس يرددون أغنياتها، ومنها «الميلامين جامد ومتين»، وأول إعلان عن الجبنة النستو ودفاتر التوفير، والست سنية والحنفية».
وأضاف: «ليلى رستم عندما أجرت آخر حوار مع عبدالحليم حافظ فى لندن قبل وفاته، وسألته عن أحلامه، فقال: أمنيتى أعمل أغانى قصيرة لا تتجاوز 3 دقائق، فى حين أن عبدالعزيز محمود عمل أغنيات كاملة الأركان لا تتجاوز مدتها 30 ثانية».
«عزيزة» قصة حب استمرت حتى الوفاة
يتحدث الابن عن ارتباط والده الشديد بأول سيارة اشتراها فى حياته، وهى سيارة صغيرة موديل 1936، كان يسميها «عزيزة»: «فى عز مجده وشهرته، كانت أكثر لحظات السعادة عندما يدخل الجراج ويرى عزيزة التى ظل محتفظًا بها حتى وفاته، وكأنها حبيبته التى لا يستطيع نسيانها، ولم يرتبط بإنسان مثلما ارتبط بها». يشير الابن إلى أن الشركة الأم قدمت لوالده عرضًا بالحصول على سيارة جديدة موديل نفس العام، إضافة إلى مبلغ مالى كبير مقابل التنازل عن «عزيزة»، لكنه رفض وقال: «مش هافرط فيها لأنها شالت ولادى كلهم».
يضحك الابن قائلًا: «كان بينه وبين عزيزة كيمياء خاصة، وكان دائما يغير لونها حسب موده، فيدهنها بمبى عندما يكون فرحًا، وأسود عندما يشعر بالحزن، وكان يرفض أن يقودها أحد غيره»، مؤكدًا أن أبناء عبدالعزيز محمود لا يزالون يحتفظون بهذه السيارة.
سنوات العزلة والنكران
فى الثمانينيات بدأت مرحلة انحسار الأضواء عن الفنان عبدالعزيز محمود، كما يؤكد ابنه هشام، قائلًا: «بدأ ظهور جيل جديد ومنهم عدوية وكتكوت الأمير، وبعده جيل مدحت صالح ومحمد منير، ولم يكن المسؤولون عن حفلات التليفزيون يستعينون بأبى الذى لم يكن يجامل أو يطبطب ليظهر فى أى حفلة، لأنه كان معتزًا بنفسه، ويرى أنه عبدالعزيز محمود ولا يحتاج لذلك، كما بدأ الإقبال عليه لإحياء الأفراح يقل، فشعر بأنها بداية انطفاء الأنوار، فكان آخر ظهور له فى فيلم «بياضة» عام 1980 عندما استعانت به تلميذته فاتن فريد منتجة الفيلم».
وبحسرة قال الابن: «عبدالعزيز محمود اللى موته حسرته على نفسه، بعد ما حققه من مجد وشهرة واسعة، وأصيب بأول جلطة فى القلب فى الثمانينيات».
وأضاف: «لم يكن يزوره أحد من الوسط الفنى خلال فترة مرضه وابتعاده عن الأضواء، حتى أعضاء فرقته لم يحضروا جنازته، وعندما تحدثت معه عن احتراف الفن قال لى: هاقولك كلمة حطها حلقة فى ودنك علشان ماتتصدمش، الفن فى مصر مبنى على قلة الأصل».
ويحكى الابن أن والده كان يجلس مع الموسيقيين على مقاهى وسط البلد، وفى إحدى المرات شاهد سيدة عجوزًا تتسول، وعندما اقترب منها ليساعدها أصابته الصدمة لأنها كانت أشهر راقصة فى مصر.
ولعل هذا ما دفع الابن لدراسة التسويق والعمل به إلى جانب العمل الفنى، لأنه آمن بالمقولة التى رددها والده: «الفن فى مصر مايتضمنش».
وأكد الابن أنه الوحيد من بين أبناء عبدالعزيز محمود الذى احترف الغناء، مشيرًا إلى أن «هويدا» أصغر أبنائه غنت فى فرقة «الأصدقاء» التى كونها عمار الشريعى، لكنها لم تكمل فى هذا المجال.
يكشف الابن أنه لم يتم تكريم والده رغم تاريخه وعطائه الفنى، ولم يحصل على أى جوائز أو أوسمة من مصر: «أبويا أول من غنى لعلم مصر الجديد، وقدم 10 ألحان للثورة، وعمل 755 أغنية، و42 مقطوعة موسيقية، و5 استعراضات، و4 أوبريتات إذاعية، وعشرات من تترات البرامج الإذاعية والتليفزيونية والمسلسلات والإعلانات، وقدّم أغنية مرحب شهر الصوم هدية للإذاعة مجانًا، وتجاوزت ألحانه 2000 لحن».
تتغير ملامح الابن، وتفيض منها كل معانى المرارة وهو يتحدث عن الفترة الأخيرة من حياة والده: «كان مدمرًا نفسيًا، وعنده إحساس بالانكسار، خاصة مع وفاة عدد من فنانى جيله، وكنت عاوز أفرحه فأعدت توزيع عدد من أغانيه، وعندما سمعها فرح جدًا بها، وقدمتها فى حفلات الشباب، فانسجموا معها وأحبوها، وكان هدفى أن يعرف هؤلاء الشباب فن وتاريخ عبدالعزيز محمود».
«كان بيدندن أغانيه مع نفسه فى أواخر أيامه، وأصيب بآخر جلطة عام 1991، وكان يعيش وحده بعد زواجنا جميعًا، وتم نقله إلى المستشفى وتوفى فى 25 أغسطس 1991».
تراث ضائع وجنازة خالية من أهل الفن
يصل الابن إلى قمة الانفعال وهو يحكى عن جنازة والده: «لم يحضرها أحد من الفنانين، وعندما ذهبت للسرادق الساعة الخامسة وجدت شخصًا يجلس على كرسى، وعندما اقتربت منه فوجئت بأنه الفنان الراحل نور الشريف الذى لم يقابل والدى مطلقًا، وقال لى: الوالد رمز من رموز الفن فى مصر وتقبل عزائى الشديد فيه، كما شارك الفنان سمير صبرى الذى يعشق صوت والدى ويتحدث عنه دائمًا».
يحكى الابن عن رحلته الشاقة للبحث عن تراث والده، مؤكدًا أنه لا يعرض منها إلا القليل، كما أن الكثير من هذا التراث مفقود، ولا توجد نسخ منه سوى فى سوريا ولبنان: «ذهبت الإذاعة فوجدت الأعمال مسجلة وفى الأوراق ونقلتها بخط يدى، ولكن لم أجدها على الرفوف، فأسهل شىء أن يمسحوا الشرائط ليسجلوا عليها مرة ثانية، ولا أعرف لماذا لا يعرضون باقى الأعمال الموجودة».
وبوجع يقول: «إحنا مش عارفين نحافظ على تاريخنا وتراثنا الفنى الجميل، وأغلب الفنانين انتهت حياتهم نهاية حزينة رغم عطائهم الطويل، انظرى إلى نهاية محمد فوزى والقصرى ومحمد القصبجى وحسن فايق وزينات صدقى، وغيرهم».
وتابع: «أتمنى من الدولة أن تكرم أبويا وجيله وتحافظ على تراثهم، وتحاسب من ضيعوا هذا التراث لأنهم يمحون جزءًا من التاريخ، وأن تتواصل مع الإذاعة اللبنانية والسورية للحصول على ما لديهم، والاهتمام بأرشيف الإذاعة، حتى نحافظ على ما تبقى من هذا التراث، كما أطالب بإنشاء متحف للفن والفنانين نجمع فيه تراثهم، ويكون مفتوحًا للجمهور للاستمتاع بهذه الفنون».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة