40 يومًا مرت على الحادث الجلل الذى هز الكنيسة، مقتل الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بين أسوار ديره فى طريقه للصلاة، رأسه تنشق نصفين لتفارق الروح الجسد، وتدخل الكنيسة عصرا جديدا يبدأ منذ استشهاده تعيد فيه النظر للرهبنة كنزها الأصلى وجوهرتها التى خرجت من أديرتها للعالم كله.
فى قداس الأربعين، الذى ترأسه قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بالكنيسة الأثرية بالدير، وهو أول قداس أربعين يترأسه قداسة البابا بنفسه حيث كان يترك تلك المهمة عادة للآباء الأساقفة، إلا أن قرب الراحل من قداسة البابا والطريقة التى رحل بها دفعت البطريرك لتوديعه مرة أخرى بعد أربعين يوما من مقتله.
وجدد قداسة البابا تواضروس فى عظة القداس، سيرة الأسقف الراحل وقال إنه ولد فى 27 يونيو 1954 ورحل عن عالمنا فى 29 يوليو الماضى، وترهب فى دير ابو مقار فى 21 أبريل 1984 ورسم أسقفا على الدير بيد قداسة البابا تواضروس الثانى فى 10 مارس 2013.
وأضاف قداسة البابا تواضروس، أن الأسقف الراحل درس فى كلية الطب، وعندما دخل إلى الدير كان يشرف على مكتبة المخطوطات والمراجع بكل اللغات فى الدير، ونشرت له مطبعة الدير أوائل إنتاجه العلمي: ترجمة من اليونانية القديمة للعربية: سفر التكوين، والقداس الباسيلى، وحينها كان جارى نشر سفر الخروج، والقداس الغريغورى، والكتاب التاريخى القديم ”بستان الرهبان“، وكان مهتما أيضا بمتابعة وحضور المنتديات العلمية المتصلة بالتراث الكنسى والقبطى، ومن ضمنها المؤتمر الدولى العاشر للدراسات القبطية فى روما فى سبتمبر 2012، كما أنه أحد المشاركين فى تحرير مجلة مرقس الشهرية التى يصدرها الدير.
وأكد قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، على ضرورة أن يقف الإنسان صادقا أمام نفسه وكيف يكون مستعدا ليوم رحيله وأن يقتدى بسيرة الصالحين الذين سبقونا وتتلمذنا على أيديهم إلى جانب قراءة الكتاب المقدس وتعاليم القديسين.
وقال قداسة البابا تواضروس - فى كلمته خلال صلوات قداس ذكرى الأربعين للراحل الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس الدير، بحضور مجموعة كبيرة من أساقفة المجمع المقدس ورهبان الدير - إنه يجب على الإنسان لكى تكون حياته صالحة أن يحفظ الهدف وأن تكون حياة الإنسان نافعة لكل أحد، لافتا إلى أن الأنبا أبيفانيوس كان من هؤلاء الذين يحفظون الهدف جيدا منذ أن كان طالبا بكلية الطب وهو راهب أيضا وهو اسقف كان يعمل بأمانة، وأنه على الإنسان أن يراجع أهدافه من وقت لآخر حتى يتأكد من وجود الهدف الذى خرج من أجله ليس للرهبان فقط ولكن لكل إنسان.
وأضاف قداسة البابا تواضروس، أنه من المهم أيضا أن يكون الإنسان "حافظا للوصية" وأن أحد أهم مصادر تعاليمنا هو الكتاب المقدس، وأن الحياة الرهبنية هى حياة إنجيلية فى كل شئ فعلى الراهب أن يكون لديه "طاعة فى الوصية" وهو مقياس روحى للإنسان، وأنه حسب تاريخ الأباء الرهبان الأوائل فكان الكتاب المقدس مفتوح أمامهم ليلا ونهار، منوها إلى أن الأنبا أبيفانيوس كان شخصا روحانيا وحافظا لكلمة الله وكان عالما جليلا وهو كان يعلم العديد من اللغات الأجنبية التى ساعدته فى البحث والتعليم.
وأشار بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، إلى أنه شرط أساسى لنجاح الطريق الروحى للإنسان هو أن تكون المحبة بين الجميع فى نمو مستمر فهى الأمر الوحيد الباقى، لافتا إلى أن الرهبنة تأسست فى مصر وصار بها العديد والعديد من الأديرة التى أسست على المحبة التى هى كنز كل دير وإن اختفت المحبة لا يسير للحياة الرهبنية أى معنى فدوام المحبة ونموها أحد المعايير التى يجب أن يقيس الإنسان الروحى حياته كيف هى، وعلى الإنسان أن يسأل نفسه كيف نعيش ونقدم ونمارس المحبة الحقيقية.
وتابع قداسة البابا حدثيه: "الأنبا أبيفانيوس كان محبوبا من الجميع من كافة أعضاء المجمع المقدس ومع كل من تعامل معهم، وكذلك محبته كانت هادئة وهى كانت وسيلة للتعليم لكل من تعامل معهم، والله هو ضابط الكل وأن الكنيسة إذا كانت تعرضت لهذه الأزمة منذ أربعين يوما فالوقت الآن وقت استيقاظ ومراجعة للنفس قبل حلول السنة القبطية الجديدة".
ونوه قداسة البابا، عن أن الكنيسة اذا كانت تعرضت لأزمة ولكن رحيل الأنبا أبيفانيوس فى هذه الظروف بمثابة جرس إنذار لحياتنا واستفاقة للانتباه إلى مراجعة الهدف والوصية التى نعيش فيها وأن نراجع المحبة التى نعيشها الآن، مقدما العزاء لأسرة الأب الأسقف ولمجمع رهبان دير "أبو مقار" الذى نفتخر به أمام العالم، مقدما الشكر لكل الجهات الأمنية التى قامت بواجبها على أكمل وجه خلال التحقيقات وكذلك حفظ النظام.
وفى الكتاب التذكارى الذى وزعته الكنيسة القبطية على الحاضرين فى الذكرى الأربعين لرحيل الأسقف، كتب رهبان الدير وآباء وقساوسة الكنائس المسيحية الأخرى شهادتهم عن الفقيد الذى كان أحرص الأساقفة على التواصل مع كافة الكنائس المسيحية ومن بين أشهر ما كتبوا فى هذا الكتيب القس سامح موريس راعى الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة، الذى اعتبر أن مقتل الأسقف الراحل جاء بسبب ما وصفه بالعمى والجهل الذى أدى للكراهية بين المختلفين فى الدين، والمختلفين فى الطائفة وامتدت ليشمل المختلفين فى الفكر داخل الدين والطائفة والكنيسة وحدها.
ووجه موريس رسالة للقاتل كتب فيها: «أنت تظن يا عزيزى القاتل وأنت تكسر قارورة الطيب أنك بهذا الفعل الخسيس تفسد الطيب، ولكنك لا تعلم أنك بهذا جعلت الطيب يفوح فى أرجاء كنيسة مصر، بل فى كل العالم، أحب الأنبا إبيفانيوس الجميع، وهكذا فعلوا به ظانين أن حبه انتهى بحجزه وراء حجر، لكن الأنبا إبيفانيوس قدم نفسه شهيدًا للمحبة، وعلى الكنيسة كلها أن تتوقف أمام هذا الحادث الجلل وأن يكون عبرة للتاريخ».
فيما كتب الأب جون جبرائيل أحد رهبان وعلماء دير الآباء الدومنيكان بالقاهرة شهادته تحت عنوان «هل أطفأت طيور الظلام نور الكنيسة وكوكب البرية؟»، وجاء فيها أن إن القاتل ومَن دفعه هم من أولئك الذين سمحوا للكراهية والحقد بأن يعششا فى قلوبهم، وللتعصب أن يعمى أبصارهم، بعد أن ارتووا من تعاليم أساقفة جهلة ادعوا العلم وادعوا معرفة اللاهوت وادعوا القداسة بحركات بهلوانية خادعة فى وسط شعب تنهش الأمية المدنية والدينية فى عقله ولحمه.
ورأى الدومنيكانى، أن تلك الجريمة دليل على اقتراب كنيسة مصر من كنيسة العصور الوسطى لأن يد الاغتيال طالبت الأنبا أبيفانيوس وأوقفت إنتاجه الفكرى مختتما شهادته: "مقتل أبينا إبيفانيوس هو تهديد سافر لكل من تسول له نفسه قول الحق وفضح الزيف فى الكنيسة».
فيما روى رهبان دير الأنبا مقار شهادات خاصة عن خدمة الأسقف الراحل بينهم وعن تواضعه وحياته أكدوا فيها على أن الراهب عاش بينهم بكل ود وتواضع ومحبة يعيش حياة رهبان البرية الأوائل يأكل من الطعام قليلة ويلبس من الثياب ما يستر جسده، لا يرغب فى شئ من نعيم الدنيا، ولا يبتغى من رهبنته إلا الله والكنيسة والخدمة.
كان الأنبا أبيفانيوس قد قتل نهاية يوليو الماضى، فى قلب ديره، حيث وجهت النيابة التهمة رسميا لاثنين من الرهبان هما إشعياء المقارى وفلتاؤس المقارى على أن تبدأ أولى جلسات محاكماتهما فى نهاية سبتمبر الجارى.
عدد الردود 0
بواسطة:
المحمدي
مبرئء المدنب ومدنب البريء كلاهما مكرهة للة
القاتل من الخارج وليس من داخل الدير والايام القادمة ستنطق بالقاتل----- ليس خفى الا سيظهر