سبعة عشر عاما من الحرب والقتال الدامى فى جبال أفغانستان، دُمرت المبانى وهدمت المنازل وقتل وشرد الملايين، وتكلفت الدول أكثر من تريليون دولار، بسبب تلك العمليات العسكرية التى ازدادت شراستها بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001، بين الحكومة الأفغانية والقوات الأمريكية وحلف الناتو من ناحية، وبين حركة طالبان وتنظيم القاعدة وشبكة حقانى من ناحية أخرى، بالإضافة إلى تنظيم داعش الإرهابى الذى ظهر مؤخرا ليقاتل ضد الجميع.
فبعد انهيار حكم طالبان عام 2001 مع الغزو الأمريكى انسحب مقاتلو الحركة إلى الأراضى الباكستانية، مسقط رأس الحركة، بسبب الترابط القبلى على طرفى الحدود بين البلدين، فأعادت تنظيم نفسها وبدأت بشن حرب عصابات مستمرة حتى الآن.
وترفض طالبان مناقشة عملية السلام أو المصالحة مع الحكومة الحالية وترفض حتى التفاوض معها وتصر على إجراء مفاوضات مباشرة مع الجانب الأمريكى لبحث انسحاب القوات الأمريكية والدولية من أفغانستان.
وعلى مدار السنوات الماضية ومع استمرار المواجهات الدامية بين القوات الحكومية الأفغانية المدعومة من قوات حلف شمال الأطلسى فى أفغانستان وحركة طالبان، تباينت نتائج المعارك بين الطرفين الدائرة وسط الجبال خاصة جبال منطقة تورا بورا.
وتقول مجلة «فوربس» الأمريكية، إن الحرب فى أفغانستان كلفت الولايات المتحدة حتى الآن نحو تريليون و70 مليار دولار، إضافة إلى مقتل أكثر من 2400 جندى أمريكى وإصابة عشرات الآلاف بجراح وتشوهات وإعاقات دائمة.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تشير الأرقام التى نقلتها عن وزارة الدفاع «البنتاجون» إلى أن الحكومة الأفغانية تسيطر على %58 من أراضى البلاد وطالبان على %20 أما الباقى وهو %22 فهى عبارة عن مناطق متنازع عليها.
ووفق تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية يتراوح عدد مقاتلى طالبان ما بين 20 و40 ألف شخص يحملون السلاح مقابل 350 ألفا عدد أفراد الجيش وقوات الأمن الأفغانية.
أما بخصوص أعداد القوات الدولية المقاتلة فى الأراضى الأفغانية، فبحلول عام 2009 كان لقوات «إيساف» قرابة 64.500 جندى من 42 دولة مختلفة، مع العلم أن عدد الجنود من الولايات المتحدة فى هذه القوات يبلغ قرابة 29.950 جندى.
وقالت شبكة «بى بى سى» البريطانية، إن عدد القوات الدولية فى أفغانستان وصل فى مرحلة ما إلى 140 ألف جندى مدعومين بأحدث الأسلحة وموارد مالية لا محدودة.
أما فى الوقت الراهن، تراجع عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان إلى أقل من 14 ألف جندى، ويقتصر دورها على التوجيه والتدريب غالبا، بينما تتولى القوات الأفغانية تنفيذ معظم المهام القتالية.
من ناحية أخرى أصدرت حركة طالبان يوم 13 ديسمبر الماضى، بيانا مفصلا عن العمليات العسكرية التى قام بها مسلحو التنظيم وعدد القتلى فى الجانب الآخر، حيث كشفت عن أن إجمالى الهجمات بلغ «10638» هجوماً ضد القوات الأمريكية والأفغانية، منها 31 هجوما انتحاريا.
وقالت الحركة فى بيانها، إن الهجمات أسفرت عن مقتل «249» من القوات الأمريكية والدولية فى أفغانستان، وأصيب ما يزيد على 15 آخرين بجروح.
ومع بروز تنظيم داعش الإرهابى فى أفغانستان وشنه هجمات دامية عبر انتحاريين، مؤخرا، فى مختلف المدن استهدفت حركة طالبان والقوات الأفغانية والأمريكية، يجعل ذلك طالبان فى وضع تفاوضى أفضل لإقناع الجانب الأمريكى برفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب وضعها فى خانة المنظمات الإرهابية، ومفاوضاتها على انسحاب قوات الناتو من أفغانستان.
وتعمل دولة الإمارات العربية المتحدة بمشاركة المملكة العربية السعودية وباكستان، على استعادة الاستقرار والأمن فى أفغانستان ووقف عمليات القتال وإطلاق النار بين حركة طالبان من جهة ضد الحكومة الأفغانية والقوات الأمريكية من جهة أخرى.
وفى تصريحات سابقة أعلن فريق تفاوض أفغانى من الحكومة الأفغانية أنه موجود فى أبوظبى، حيث جرت محادثات خصوصا مع الولايات المتحدة وبشكل غير مباشر مع ممثلين عن حركة طالبان بهدف محاولة وقف النزاع فى أفغانستان.
وقال الناطق باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، فى بيان نشره على تويتر: «إن المحادثات تناولت انسحاب قوات الاحتلال من أفغانستان وإنهاء الاضطهاد الذى تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها وحصل تبادل وجهات نظر حول السلام وإعادة إعمار أفغانستان» مؤكدا أن «الاجتماعات ستتواصل».
كما أعلنت طالبان أنها أجرت «محادثات تمهيدية مع الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية زلماى خليل زاد».
أما عن الجانب الإماراتى فأكدت وكالة الأنباء الرسمية «وام» تلك المباحثات قائلة: استضافت دولة الإمارات، بمشاركة المملكة العربية السعودية وحضور باكستان، مؤتمرا للمصالحة الأفغانية بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك فى إطار الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الأفغانية وإعادة الأمن والاستقرار لأفغانستان.
وأضافت الوكالة: «أثمرت هذه المباحثات، التى استمرت على مدى يومين فى أبوظبى، نتائج إيجابية ملموسة لجميع الأطراف، وسيعقد اجتماع لاحق فى أبوظبى لاستكمال عملية المصالحة الأفغانية».
وتابعت: «توجهت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بالشكر لفخامة الرئيس الأفغانى أشرف غنى، والوفدين الأمريكى والباكستانى، ووفد حركة طالبان، لدعمهم الجهود المبذولة لإنجاح المؤتمر».
وعن الجانب الباكستانى، كتب رئيس الوزراء الباكستانى عمران خان على موقع تويتر أن «باكستان ستبذل كل ما بوسعها لإحراز تقدم فى عملية السلام» معربا عن أمله فى «انتهاء نحو ثلاثة عقود من المعاناة لدى الشعب الأفغانى الشجاع».
وعن رد فعل الحكومة الأفغانية حول تلك المفاوضات قال الرئيس التنفيذى لأفغانستان عبدالله عبدالله، اليوم الأربعاء، إن رفض طالبان إشراك الحكومة فى محادثات السلام يعنى أن نهاية الصراع المستمر منذ 17 عاما ستظل «ضربا من الأحلام».
تلك المفاوضات تبدو أنها سوف تسفر عن انسحاب أمريكا من أفغانستان وهذا ما أكدته تقارير أوردتها بعض الصحف الأمريكية، حول نية الرئيس دونالد ترامب سحب قوات بلاده بشكل كامل من الأراضى الأفغانية.
مناطق السيطرة وفق بيان طالبنان
خريطة لمناطق السيطرة وفق معهد دراسات الحروب