- بدأت توثيق الخطابات «العائلية» لعبدالناصر منذ 7 أعوام ولم نكن نعرف شيئاً حول مذكرات والدتى
- علاقة الرئيس الراحل بوالده كانت جيدة للغاية وارتبط بعمه لأنه تربى فى بيته منذ طفولته
- عبدالناصر قدم نقداً ذاتياً لنظامه وأداء حكوماته منذ 1964.. وقال فى إحدى المرات «الوضع مخيف»
تظل حياة ومسيرة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر موضع شغف للمصريين والشعوب على امتداد الوطن العربى وعلى مر الزمان، وقبل أيام نشرت «اليوم السابع» وثائق وخطابات نادرة تبادلها الرئيس الراحل مع زوجته وعائلته وأصدقائه، وتكمل اليوم إبحارنا فى جانب من حياة عبدالناصر بالحوار مع ابنته الدكتورة هدى عبدالناصر، والتى جمعت تلك الخطابات والوثائق، وحرصت على أن تنشرها فى عدة كتب تكشف فيها تاريخ الرئيس الراحل بخط يده.
التقينا بها فى منزلها، وذلك بعد يوم واحد من الذكرى الـ101 لميلاد والدها، كان يهمنا كثيرا التعرف على كواليس تلك الخطابات والرسائل، الخاصة بوالدها ووالدتها وعائلتها، ولماذا تأخر الكشف عنها، كما تحكى لنا مزيدا من التفاصيل عن العلاقة بين والدها وجدها، وتفاصيل كتاباتها الخاصة عن حياة والدتها، خاصة أن فى منزلها الآلاف من الوثائق والخطابات ومحاضر الاجتماعات الخاصة بالحكومة، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كما أنها تبدأ فى إعداد النسخة السادسة من أوراق خاصة، الذى تحكى فيه حياة الرئيس خلال فترة ما بعد عام 1967 وهى فترة مهمة فى التاريخ المصرى وفى حياة عبدالناصر.
سألنا الدكتورة هدى جمال عبدالناصر: أين كانت تحتفظ بالوثائق والخطابات الخاصة بعبدالناصر وعائلته وأصدقائه؟، فأجابت أن كل تلك الوثائق والخطابات كانت فى مكتب الرئيس الراحل فى البيت، وتم جمعها ثم أخذتها فى منزلها لتبدأ فى نشرها فى كتب تحمل اسم «أوراق خاصة»، تؤرخ فيها لفترات من حياة الرئيس الراحل بخط يده، موضحة أن الدولة وخلال الفترات الماضية لم تكن تخرج أى أوراق خاصة بتلك الفترة منذ استقلال مصر فى 1922.
أطلعتنا الدكتورة هدى جمال عبدالناصر، على محاضر الاجتماعات التى جمعت بين الرئيس الراحل وحكومته، حيث نسقتها بحسب تاريخ انعقاد تلك الاجتماعات، واحتفظت بكل منها بعد تنسيقها استعدادا لبداية كتابة النسخة السادسة من كتاب حياة الرئيس الراحل، ووضعت قائمة محتويات لكل محضر اجتماع، وسألناها: كيف تنسق وتكتب كل تلك الوثائق التى يصل عددها للآلاف؟ فقالت إنها تقرأ محاضر الاجتماعات أولا ثم تسجل ملاحظات عليها وتراجعهم لغويا بشكل دقيق قبل نشرها.
الدكتورة هدى جمال عبدالناصر شرحت أسباب تأخر الأسرة فى نشر الوثائق والخطابات الخاصة بالرئيس الراحل وعائلته، قائلة: بعد وفاة الرئيس عبدالناصر، وتغير السياسية المصرية من بعده 180 درجة، لم ننشر الوثائق.
وحول علاقة والدها بجدها عبدالناصر حسين، قالت إن كل الخطابات التى كانت بين الرئيس الراحل ووالده عبدالناصر حسين، كان يقول فيها أقبل أيديكم الكريمة، وهو ما يكشف مدى احترام جمال عبدالناصر لوالده، وأنا فوجئت بالعبارة فى هذه الخطابات «هم كانوا فقراء ولكنهم متعلمين».
عرضنا عليها تصريحات الفنانة فردوس عبدالحميد خلال حوارها مع «اليوم السابع» وأنها التقت طباخ عبدالناصر والذى أخبرها أن زوجة الرئيس الراحل كان تقول له اشترى لنا نصف كيلو سمك، لترد: كنا فى بيتنا أسرة بسيطة جدا ولم يكن هناك تكليف على الإطلاق، والرئيس الراحل كان بينه وبين شعبه تفاعل كبير.
الدكتورة هدى عبدالناصر عرضت خلال حديثنا معها وثيقة بقرار الرئيس الراحل بحل جماعة الإخوان لتحدثنا أكثر عن علاقة الرئيس الراحل بالجماعة، مؤكدة أن الرئيس الراحل كان عدوا للإخوان، لافتة إلى أن الدليل على ذلك هو حادث محاولة الاغتيال فى المنشية عام 1954، ومضيفة أن جمال عبدالناصر لم ينضم يوما لجماعة الإخوان المسلمين كما روج البعض، وتابعت: الرئيس الراحل لف على كل الأحزاب، وكان عضوا فى حزب مصر الفتاة وهو فى مرحلة الابتدائية وكانت الابتدائية فى الماضى تشمل الابتدائية والإعدادية، فموضوع الإخوان هذا محسوم على لسانه وهو قاله فى حديث صحفى قبل ذلك أنه لم ينضم للإخوان.
عادت الدكتورة هدى عبدالناصر لتتحدث عن خطابات «ناصر» العائلية، مشيرة إلى أن رسائل عبدالناصر لعمه خليل حسين كانت أكثر من رسائله لوالده لأن عبدالناصر تربى عند عمه فى القاهرة منذ طفولته، فهو فصل فى البداية من الدراسة فأخذه عمه، وانضم إلى المدرسة فى القاهرة، وعندما توفيت أم جمال عبدالناصر كان هو عند عمه ولم يعلم بموتها إلا بعدها وتأثر كثيرا بوفاة والدته، وكشف هذا فى حديث صحفى له مهم للغاية مع مراسل إنجليزى.
وأكدت هدى عبدالناصر أنه لم تكن هناك أزمة بين والدها وبين والده فى فترة مشاركته فى حرب فلسطين أو غيرها «ولكن كان بينه وبين عمه مودة كبيرة فهو عاش معه فى الطفولة».
تحدثت الدكتورة هدى عبدالناصر عن مرحلة تحرير مصر من الاستعمار البريطانى، وكذلك العدوان الثلاثى قائلة إنه عرض على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الكثير، إلا أنه أصر على استرداد كل الأراضى العربية، وكان دائما يقول استرداد القدس وعودتها لفلسطين، وليس فقط تحرير الأراضى المصرية، وإنما تحرير كل الأراضى العربية، وتابعت:
تأثير مصر فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وصل إلى أمريكا اللاتينية، وكنت فى جلسة للسفير الأمريكى مع الرئيس الراحل، وقال فيها السفير: أنتم تهيجون علينا أمريكا اللاتينية، فرد عليه جمال عبدالناصر: أمريكا اللاتينية.. آه ده بعيدة عننا أوى.
تحكى ابنة الرئيس الراحل أيضا عن لقائها مع الزعيم الأفريقى الراحل نيلسون مانديلا لتقول: قابلت مانديلا عندما كان رئيسا للوزراء فى جنوب أفريقيا، وقال لى: «يوم ما جمال عبدالناصر أمم قناة السويس، وقفت فى الشباك وقلت ما دام عبدالناصر فعل ذلك إذن هناك أمل»، فلقد أعطاهم الأمل بالنموذج.
تحدثت أيضا الدكتورة هدى عبدالناصر عن علاقة المسلمين بالأقباط فى عهد الرئيس الراحل، قائلة: كنت معزومة فى يوم من الأيام فى السفارة الأمريكية فى مناسبة يوم عيد استقلال أمريكا بـ4 يوليو، وذهبت أسلم على البابا شنودة، وكان جالسا، وعندما قلت له أنا هدى جمال عبدالناصر، وقف وقال لى إنه كان مع والدى فى نفس المدرسة وهى مدرسة حلوان، وأخذ يتحدث عما قدمه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للمسيحيين، لأكثر من 10 دقائق، وبعد أن تركته ومشيت رأيت كل المتواجدين مستغربين من هى التى وقف لها البابا ويتحدث معها ما يقرب من 10 دقائق.
سألنا الدكتورة هدى عما كشفته خطابات عبدالناصر من أنه كان رومانسيا للغاية مع زوجته، على الرغم مما كان معروفا عنه من أنه كان حاسما وقويا، لترد: نعم، بل والأكثر من ذلك أن معظم الخطابات التى كان يرسلها إلى زوجته خلال حرب فلسطين 48 كانت مختصرة لأنه كان هناك رقيب على تلك الخطابات، ولذلك ستجده فى الخطابات يقول فتحت بواسطة رقيب، لذلك كان لا يستطيع أن يأخذ راحته فى الكلام لزوجته خلال تلك الخطابات 1948، وكانت خطاباته عديدة رغم أنه كان لفترة 6 أشهر تحت حصار الفالوجة، ولم تكن هناك جوابات، كما أن جمال عبدالناصر حصل على نجمة فؤاد خلال عهد الملك فاروق، وحصل على الترقية خلال مشاركته فى حرب فلسطين، وحصل على نجمة فؤاد خلال حصار فالوجا وهذه موجودة فى المتحف الخاص بجمال عبدالناصر، فلقد وضعت له كل النياشين التى حصل عليها فى المتحف.
تحدثت الدكتورة هدى جمال عبدالناصر عن نقد الرئيس الراحل لنظامه قائلة: فى 3 أو 4 أغسطس 1967 الرئيس شرح نظامه، وعمل نقد ذاته لم يفعله أعداؤه، وأنا عندما قرأت ذلك اتخضيت ونشرت هذا النقد الذاتى ولم نحذف أى كلمة، فهذه ميزة أن يكون هناك نقد ذاتى بهذا الشكل، ولقد بدأ النقد الذاتى فى الستينيات، خاصة فى عامى 1964 و1965، وقال فى نقده الذاتى «الوضع مخيف».
تطرقنا إلى مذكرات الزوجة «تحية كاظم» عن الرئيس الراحل، وقالت الدكتورة هدى إن والدتها رفضت أن تنشر مذكراتها عن الرئيس الراحل، موضحة أنها هى نفسها – أى هدى–لم تر هذه المذكرات عندما كانت والدتها على قيد الحياة، مضيفة أن والدتها كتبت هذه المذكرات بخط يدها، وكل ما أضافته هى على المذكرات هو العناوين والعناوين الجانبية.
وحول توثيقها لرسائل وخطب الرئيس الراحل قالت: أنا بدأت التوثيق لفترة الرئيس الراحل منذ 22 عاما، وبدأت فى البداية بالخطب ولم تكن موجودة، والخطب الموجودة فى الأهرام مختصرة، وذهبت حينها إلى صفوت الشريف واستقبلنى بشكل جيد للغاية، بينما عندما ذهبت إلى زكريا عزمى لم يقابلنى جيدا وقال لى ليس لدينا خطب، ولكن صفوت الشريف أعطى لى كل شىء عن الخطب وسجلتها من التليفزيون صوت وصورة، وهذه التى فرغتها وعملتها فى كتاب أخذ منى 4 أعوام، ويوميات عبدالناصر أخذت منى 3 أعوام، وكان بها 45 ألف بطاقة، وكان هناك 5 يعملون على التوثيق والتنسيق، وهناك فريق عمل معى ولكنه متغيرا يعملون من منازلهم، وبدأت أفتح فى أشياء والدى ووثائقه منذ 7 أعوام، وقبل ذلك كنت أدرس وأعمل فى التوثيق، وكان هذا الورق الخاص فى بيتنا فى منشية البكرى، ولم يكن موجودا فى خزنة بالبنك كما ردد البعض.
وتابعت: وضعت فى البنك بعد وفاة والدتى النياشين الخاصة بجمال عبدالناصر وكانت توجد فى 6 شنط، وكنت خائفة عليها ووضعتها فى خزينة فى البنك، والذى قام بوضعها فى الخزنة بالمجان، ولكن زوجى بعدها ترك البنك الذى كان يعمل به، فأرسلت النياشين إلى دار الوثائق المصرية، وعندما تم عمل متحف لجمال عبدالناصر تم تحويلها إلى المتحف المتواجد فى منزلنا، وهذا يوجب القول إنه يجب أن تكون هناك وقفة لحفظ تاريخ مصر بكتابة تاريخ الشخصيات البارزة وإرسالها لمؤسسة تحفظ تلك الوثائق.
وحول ما ردده البعض من أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان يعين أصدقاءه ومعارفه وأهل الثقة فى مناصب الوزراء، قالت هدى عبدالناصر: الرئيس الراحل كان يعين الكفاءات، ومن لديهم تاريخ وأصحاب خبرات واسعة، وهناك من لديهم شهادات دراسية من الولايات المتحدة الأمريكية، وتعينوا وزراء وهم فى سن 34 عاما، ولم يكن الرئيس عبدالناصر يعرفهم بل عرفهم من خلال أدائهم فى الجلسات والمؤسسات، وتحدثت مع محمد صدقى نجل عزيز صدقى، فقال لى إن والده كتب مذكراته، فقلت له أرسلها لى، وراجعتها وسننشرها، فهذا كله تاريخ بلدنا، وفى مرة من المرات كنا فى عزاء وكانت به جيهان السادات وجلست بجانبى وكان هذا منذ عامين، وسألتها: هى خطب الرئيس السادات مش منشورة ؟ فقالت: لا، ولا حتى فى الهيئة العامة للاستعلامات، فقلت لها أنى قمت بتفريغ خطب والدى وأن عليهم تفريغ خطب السادات لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فلن يفعل أحد غيرهم ذلك.
وبشأن ما تضمنه أحد خطابات عم الرئيس الراحل إليه خلال مشاركته فى حرب تحرير فلسطين، وحديثه عن أنه لن يستطيع أن يذهب إلى أسرة الرئيس الراحل بسبب مرض «أم توحيدة»، قالت هدى عبدالناصر: «أم توحيدة» هى حماة عم جمال عبدالناصر، وأنا أتذكر أنه عندما تزوج عم جمال عبدالناصر زوجة ثانية، أتت لنا «توحيدة» وتحدثت مع جمال عبدالناصر، وكان هذا فى عام 1955، فالرئيس الراحل جعلها تأتى لتعيش معنا فى المنزل أكثر من 6 أشهر، وكنا فى شقة غرفتين فقط، غرفة لوالدى وغرفة ثانية كنا كل الأولاد بها وكنا 4 حينها، وجاء خليل حسين، عم جمال عبدالناصر ليصالح زوجته «توحيدة»، وهى كانت تعتبر جمال عبدالناصر وأشقاءه أولادها، خاصة والدى لأنه هو الذى عاش معها.
قبل أن ينتهى اللقاء سألنا الدكتورة هدى عن الادعاءات الإسرائيلية عن أنه كان هناك تهجير قسرى لليهود فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقالت: جدى عبدالناصر حسين، كان يعيش فى بيت فى حارة اليهود، واليهود أول ما مشيوا من مصر كان ذلك فى عام 1956 بعد العدوان الثلاثى، ووالدى كان يعلم أنه لا يوجد يهودى ليس صهيونيا، وعندما حدثت واقعة 1967 كنت كبيرة حينها، فتم تحديد إقامة اليهود، وأنا سألته لماذا حددت إقامة اليهود، فقال لى بعض هؤلاء طابور خامس لإسرائيل.