"أزمة قطر صغيرة جدا".. جملة رددها ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، إبان حديثة عدة مرات عن أزمة الدويلة الخليجية مع جيرانها العرب، وهو الأمر الذى يمثل انعكاسا صريحا لضآلة شأنها فى محيطها العربى، إلا أن تصريح المسئول السعودى ربما ليس الدليل الوحيد على ضآلة الإمارة الخليجية، ليس فقط على مستوى السياسة، ولكن ليمتد على جوانب أخرى، وهو ما بدا واضحا فى تصريحات رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم جيانى إنفانتينو حول إمكانية دخول دول خليجية أخرى لمشاركة الإمارة فى تنظيم مونديال 2022، فى دليل جديد على "صغر" الإمارة المارقة.
وعلى الرغم من التبرير الذى ساقه إنفانتينو فيما يتعلق بالخطوة التى يقوم "الفيفا" بدراستها فى المرحلة الراهنة، والذى يتمثل فى نية الاتحاد الدولى لزيادة عدد المنتخبات المشاركة فى البطولة إلى 48 دولة، إلا أن الأمر ربما لا يرتبط بهذا الدافع وحده، خصوصا وأن الحديث عن زيادة عدد المنتخبات ليس بالأمر الجديد تماما، حيث أنه لا يرتبط بتوقيت صدور القرار، والذى جاء فى الشهر الماضى، وإنما يرتبط بمراحل تمت فيها دراسة القرار من جميع جوانبه، منذ ما قبل الإعلان عنه بشهور عديدة، أو ربما سنوات، حيث أنها تعود إلى حقبة الرئيس السابق للاتحاد الدولى لكرة القدم جوزيف بلاتر، والذى بدا متعنتا فى بداية الأمر، قبل أن يبدى قدرا من المرونة، بعد ذلك بالإعلان عن قبوله للفكرة على أن يتم البدء فى تطبيقها فى مونديال 2026.
اعترافا ضمنيا.. توسيع دائرة التنظيم مخرج "الفيفا" من مأزق بلاتر
ولعل معارضة بلاتر تطبيق فكرة زيادة أعداد المنتخبات المشاركة فى مونديال 2022، والذى أختيرت قطر لتنظيمه، يمثل اعترافا ضمنيا من قبل المسئول الأول عن شئون كرة القدم حينها بعدم قدرة الإمارة الخليجية على تنظيم البطولة الأكثر شعبية فى العالم فى ظل وجود هذا العدد الكبير من المنتخبات ربما لضآلة مساحتها، رغم إمكانياتها المادية الكبيرة، وهو الأمر الذى يضع الاتحاد برمته فى موقف المسألة حول اختيار دويلة صغيرة لتنظيم حدث عالمى بهذا الشأن، وهو ما قد يفتح الباب أمام ملفات لا يرغب بلاتر ومجلسه فى فتحها فى ذلك الوقت.
بلاتر يعلن اختيار قطر لتنظيم مونديال 2022
إلا أن الوضع ربما أصبح مختلفا، بعد انكشاف العديد من ملفات الفساد التى تورط فيها مسئولو "الفيفا" فى السنوات الماضية، وعلى رأسها قضية اختيار قطر لتنظيم مونديال 2022، والذى أثار الكثير من الجدل، ليس فقط على المستوى الرياضى، ولكن امتدت تداعياته إلى الجانب السياسى، وبالتالى يبقى توسيع دائرة التنظيم لتشمل دولا أخرى بمثابة السبيل للخروج المأزق، فى ظل مطالبات دولية كبيرة، ربما تزعمها مسئولين بدول الجوار، بنقل البطولة إلى دولة أخرى، وهو ما يمثل سابقة لم يشهدها تاريخ اللعبة من قبل.
فضائح قطر.. "الحمدين" وضع الفيفا فى حرج بالغ
إلا أن فضائح قطر المرتبطة بالبطولة لم تقتصر بأى حال من الأحوال على التورط فى أعمال فساد وتقديم مليارات الدولارات كرشاوى للعديد من مسئولى الاتحاد من أجل الحصول على أصواتهم فى سباق تنظيم المونديال، وإنما امتد إلى الانتهاكات التى ارتكبها مسئولى الإمارة بحق العمالة القادمة من الخارج، للمشاركة فى أعمال البنية الأساسية التى ارتبطت بتنظيم الحدث العالمى، والذى أدى إلى وفاة العديد من العمال الأجانب على أراضى الدوحة، وهو ما أثارته العديد من المنظمات الحقوقية حول العالم مرات عدة، وهو الأمر الذى وضع مسئولى الفيفا فى حرج بالغ، بسبب مطالبات تبنتها بعض المنظمات والمؤسسات الدولية بتجريد قطر من شرف تنظيم المونديال.
العمالة فى قطر عانت من انتهاكات كبيرة
وربما ازدادت ورطة الإمارة إلى حد كبير، مع فشلها فى الوفاء بالتزاماتها المرتبطة بإنهاء العديد من أعمال البنية الأساسية المطلوبة لتنظيم الحدث العالمى، خاصة بعد قرار المقاطعة الذى اتخذته الدول العربية الداعمة لمكافحة الإرهاب فى يونيو 2017، حيث فشلت قطر فى الحصول على العديد من مواد البناء التى كانت تعتمد على استيرادها من دول الجوار، وهو ما ساهم فى تفاقم هوة انعدام الثقة بين الفيفا والإمارة الخليجية.
انعدام الثقة.. انكشاف مؤامرات قطر يقوض مكاسب البطولة
الخطوة التى تسعى لها الفيفا تمثل انعكاسا صريحا، ليس فقط لحالة انعدام الثقة فى إمكانية نجاح الإمارة الخليجية فى تنظيم البطولة على المستوى التنظيمى أو الرياضى، ولكن يرتبط بصورة كبيرة بالمستجدات السياسية التى تشهدها منطقة الخليج، فى ظل موقف دول الرباعى العربى من قطر، بسبب دعمها للإرهاب، ودورها البارز فى زعزعة استقرار المنطقة من خلال الدعم الذى تقدمه للميليشيات المتطرفة فى العديد من دولها فى السنوات الماضية، وهو الأمر الذى سوف يؤثر سلبا على البطولة، فى ظل احتمالات إقدام مواطنى العديد من الدول المشاركة فى البطولة على مقاطعتها، وهو الأمر الذى من شأنه التأثير على المكاسب التى قد تحققها الفيفا من وراء الحدث العالمى.
جهود الرباعى العربى ساهمت فى كشف مؤامرات قطر
ويمثل قرار المقاطعة الذى اتخذته الدول العربية الداعمة لمكافحة الإرهاب، والجهود الدبلوماسية التى بذلتها لفضح مؤامرات قطر، سببا رئيسيا فى حالة انعدام الثقة الدولية فى الإمارة، والتى ربما اتخذت منحى جديد فى المرحلة الراهنة، حيث أنها لم تعد تقتصر على الجانب السياسى، وإنما امتدت إلى الجانب الرياضى، والذى سعى تنظيم "الحمدين" لتوظيفها لخدمة أهدافه السياسية، من أجل زيادة نفوذ الإمارة من بوابة الرياضة، عبر تسخير مليارات الدولارات سواء فى استضافة الأحداث الرياضية العالمية، أو الاستئثار بنقلها حصريا على القنوات المملوكة لها، واستخدامها لترويج الدعايا التى تتبناها الإمارة.