أقيمت بقاعة المجلس الأعلى للثقافة الرئيسية، جلسة علمية عنوانها: "بناء الإنسان والصراع حول الهوية"، وذلك استكمالًا لفعاليات "المؤتمر الدولى للتنمية الثقافية المستدامة وبناء الإنسان"، الذى أطلق فعالياته المجلس الأعلى للثقافة يوم الأحد الماضى، بأمانة الدكتور سعيد المصرى، وتحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وقد أدار النقاش سمير مرقص.
وتحدث خلالها نخبة من الباحثين المتخصصين؛ فقد شارك كل من: الأستاذ سمير عبد الرحمن وجاءت ورقته البحثية بعنوان: "الهوية وعوامل تصدعها"، حيث أكد أن الهوية هى التعبير عن وحدة المشاعر الداخلية للإنسان تجيب عن أسئلة مهمة ومحورية متعلقة بالكينونة والوعود والوعى وأحاسيس الانتماء إلى الأمة والمجتمع والجماعات الاجتماعية؛ فالهوية ليست ثابتة، بل متغيرة من زمن إلى آخر وتتبدل أولويات وأنماط الهوية، وللهويات عناصر شتى، تتمثل فى التالى: النسب، اللغة، الدين، الجغرافيا، الثقافة، التاريخ، المنافع الاقتصادية، التراكيب النفسية، الذهنية والوعى والسلوك، القيـم المادية والروحية، النظم والعلاقات الاجتماعية.
فيما تحدث الباحث على عبد الهادى المرهج، حول موضوع ورقته البحثية وعنوانها: "الأنا والآخر وتنامى صراع الهويات الفرعية"، موضحًا أن صورة الآخر ليست الآخر! حيث إن صورة الآخر تعد بناء فى الخيال وفى الخطاب، لذلك فمفهوم الذات الآخر من اختراع الذات، لا بمعنى إنكار وجوده الواقعى، وإنما وجوده هو وجود تصورى" من وحى المخيلة "مخيلة الأنا".
ثم واصل حديثه مؤكدًا أنه من النادر القليل أن ترى الذات الآخر خيارها الإيجابى فى الوجود وفى التكامل المعرفى، وأغلب الأمم تعانى من تضخم النظرة للذات "القوميـة" أو "الوطنيـة" أو "الدينيــة"، وتحصيل الحاصل "الطائفية"، وكلما ازدادت الذات تضخمًا، ازداد حضور الآخر، فى الغالب سلبًا، إن كان هذا الآخر مغايرًا للذات فى المعتقد الأيديولوجى أو الدينى أو الطائفى، ويكون الحضور إيجابيًا حال كان هذا الآخر متماهيًا مع مقولات الأنا المتضخمة أو مدركًا لسيكولوجيتها المرضية القائمة على النظر إلى الذات بوصفها أكثر نقاءً فى الأصل "الوجود" وفى "المعرفة" وإدراكها لمرحلة "اليقين"، مضيفًا أنه ربما يكون هذا الفارق المعرفى أحد أسباب الرفض لا القبول للآخر، لمعرفتنا باختلافنا وافتراقنا فى الرؤية والمنهج، أما فى جهلنـا للآخر ففيه قصد واضح وإمعان فى الرفض، فليس من ثقافتنا قبول المُعارض، وليس منا من كان مخالفًا لنا فى الرأى والمُعتقد.
ثم تحدث الباحث نبيل سليمان، الذى حملت ورقته عنوان: "الإثنية والطائفية كصدوع هوياتية فى سوريا"، حيث أكد أن موضوعها يدور حول الإشكالات السياسية وبناء الهوية الوطنية، وكذلك التجاذب فى سوريا بين الهوية المتصدعة فى زمن ما بعد الكولونيالية وبين الفسيفساء المجتمعية كتعبير عن التفاعل والإثراء، وكذلك سؤال الهوية فى عصر النهضة حتى ظهور الكيان الدولتى السورى: اشتباك عناصر اللغة (التتريك) والدين (الإسلام) والفكرية القومية الغربية. حيث إن مراحل بحثه، تتلخص فى إعلان الغرب للكيان السورى بعد الحرب العالمية الأولى (اتفاقيـة سـايكس وبيكـو- 1916). ثم تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية، من الهويات الكبرى: العثمانية، الإسلامية، القومية العربية إلى الهويات الفرعية: الإثنية، وهى: (الأكراد – الشركس – الآشوريين – الأرمن)، والطائفية المتمثلة فى: (العلويين – الدروز – المسيحيين). حيث أن تبلور التيارات الفكرية والسياسية، هو ما يرسم مستقبل سوريا عبر الاتجاهات المختلفة مثل: القومية السورية والقومية العربية وكذلك الإخوان المسلمون والشيوعية. وفى مختتم حديثه تناول التجاذب فى سوريا بين الهُوية الوطنية وبين ما بعد الهوية، بين الدولة وما بعد الدولة، بين التباب والبدد، وبين النهوض كدولة ديموقراطية، من إعادة بناء الهوية الوطنية على أساس عقد اجتماعى جديـد، ولـيس فقـط كمراجعة لسياسات الهوية الوطنية.