تغير جذرى ومفاجئ فى أزمة الإغلاق الحكومى الجزئى فى الولايات المتحدة، مع تراجع مفاجئ أيضا لموقف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المتشدد من القضية التى تقف وراء الإغلاق، فعلى الرغم من أنه لم يحصل على دولار واحد لبناء الجدار الحدودى الجنوبى غير أنه أعلن إعادة فتح الحكومة الفيدرالية بعد توقف دائم أكثر من شهر، فى أطول إغلاق فى تاريخ البلاد.
الأزمة وقعت فى منتصف ديسمبر الماضى عندما رفض الديمقراطيون، الذين يشكلون الأغلبية فى مجلس النواب الأمريكى، تخصيص مبلغ قدره 5.7 مليار دولار لبناء جدار عل حدود المكسيك، الذى يمثل وعدا انتخابيا لترامب فى مواجهة الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات ومهربى البشر، وطيلة الأسابيع الماضية مضى البيت الأبيض والديمقراطيون فى مفاوضات كانت على الأكثر مواجهات بشأن الأمر مع تعليق عمل بعض الإدارات الحكومية ذات الصلة.
وقد لوح ترامب مرارا بإعلان حالة الطوارئ الوطنية، التى تسمح له ببناء الجدار دون موافقة مسبقة من الكونجرس، غير أنه أخيرا بدا ترامب مستسلما، أمس الجمعة، ليعلن عن التوصل إلى إلى اتفاق مع الكونجرس لإنهاء مؤقت لإغلاق الحكومة الفيدرالية، من خلال إتفاقية تمول الحكومة حتى 15 فبراير المقبل، لحين التوصل إلى اتفاق نهائى بشأن الميزانية. ولوح أنه إذا لم يستطع الجمهوريون والديمقراطيون التوصل إلى اتفاق على أموال الجدار بحلول الموعد النهائى فى فبراير، فأنه مستعدًا لتجديد المواجهة أو إعلان حالة الطوارئ الوطنية لتجاوز الكونجرس تمامًا.
كان إعلان ترامب بمثابة استسلام لافت للنظر للرئيس الذى جعل من وعده الانتخابى، الذى شكل ركيزة اساسية فى برنامجه السياسى، أمر غير قابل للتفاوض لإعادة عمل الادارات المتوقفة. لكن يبدو أن الامواج كانت أقوى كثيرا من تصلب ترامب. فأولا كان الضغط السياسى كبيرا فى ظل عدم تلقى 800 ألف عامل فيدرالى أجورهم فى حين اجبروا على العمل دون أجر طيلة فترة الإغلاق الـ35. وقد تأزمت الأمور فى جميع مناحى الأقتصاد خاصة، أمس الجمعة، عندما أعلن مراقبو الحركة الجوية تأجيل رحلات بسبب نقص عدد العمال.
وقد أظهرت استطلاعات الرأى أن الرئيس يتحمل معظم اللوم من جانب الجمهور، لذا فإن الجمهوريين بقيادة السيناتور ميتش مكونيل، زعيم الأغلبية، ضغطوا على ترامب للموافقة على الهدنة المؤقتة. وخلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، ستتفاوض لجنة من مجلس الشيوخ مشكلة من الحزبين حول خطة أمن الحدود، ولكن إذا فشلت فى التوصل إلى توافق فى الآراء، يمكن للوكالات الحكومية أن تغلق مرة أخرى.
ثانيا، كعادته أراد ترامب تغيير عنوان الأخبار الرئيسية بعيدا عن الخبر الكارثى الخاص بقيام مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بى آى) القبض، صباح الجمعة، على روجر ستون المستشار السياسى السابق له، فى إطار التحقيقات التى يقودها المحقق الخاص روبرت مولر فى التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية الرئاسية عام 2016. إذ تم توجيه 7 تهم لستون، هى تهمة بعرقلة العدالة، و5 تهم للإدلاء ببيانات كاذبة وتهمة التأثير على الشهود. ومن ثم فربما أراد ترامب مناورة وسائل الإعلام وتفويت الفرصة عليها من خلال إلهائها بذلك التنازل الضخم.
ثالثا، بات بإمكان ترامب الآن إلقاء خطاب حالة الاتحاد، كما هو مخطط له الثلاثاء. إذ أخبرته رئيسة مجلس النواب، نانسى بيلوسي، أنه سيتم تأجيل الخطاب إلى أن يتم إعادة فتح الحكومة. وإذا كان تهديد بيولسى قد تحقق فإنه سيكون إحراجا كبيرا للرئيس أمام الشعب وستكون سابقة لرئيس أمريكى. حتى أن البعض سخر مشيرا إلى أن واشنطن تحكمها بيولسى وليس ترامب.