بالرغم من ذهاب أوروبا الغربية إلى التحليق بعيدا عن المواقف التى تتبناها الولايات المتحدة، منذ وصول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل عامين، إلا أنها على ما يبدو فشلت تماما فى تحقيق الاستقلالية التى نادى بها العديد من زعماء الاتحاد الأوروبى تزامنا مع زيادة نزعة التوتر مع واشنطن على خلفية العديد من القضايا، وعلى رأسها قضية حرب التجارية التى شنتها الإدارة الأمريكية على الحلفاء والخصوم على حد سواء، وكذلك بعد القضايا الدولية الأخرى، من بينها الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الإيرانى فى شهر مايو من العام الماضى.
ففى الوقت الذى تحدثت فيه العديد من الحكومات الأوروبية عن التمسك بمواقفها، والبحث عن بديل للحليف الأمريكى، عبر التوجه نحو زيادة الشراكات التجارية مع بعض القوى الدولية، والتى كان بعضها فى درجة "الخصم" لما يسمى بـ"المعسكر الغربى"، وعلى رأسهم الصين وروسيا، بالإضافة إلى تعنتهم تجاه الموقف الأمريكى من طهران وإعلانهم ضرورة الإبقاء على الاتفاق النووى المثير للجدل، إلا أنهم لم يستطيعوا ترجمة مواقفهم إلى واقع حقيقى على الأرض، مكتفين فى الوقت نفسه بالتصريحات المناوئة لسياسات ترامب، وهو ما يمثل انتصارا مرحليا مهما للرئيس الأمريكى ودبلوماسيته التى قامت فى الأساس على إعادة هيكلة العلاقة بين أمريكا وحلفائها بعد سنوات طويلة من الدعم الأمريكى.
أنشطة مشبوهة.. الغرب يخسر رهانه على شركائه الجدد
ولعل القرار الذى اتخذته الحكومة الألمانية، أمس الاثنين، بمنع شركة "ماهان إير" الإيرانية من الهبوط فى مطاراتها، للاشتباه فى استخدام طائراتها من قبل السلطة الحاكمة فى طهران لنقل جنود وعتاد عسكرى إلى الأراضى السورية، دليلا دامغا على نجاح الرئيس الأمريكى فى إخضاع حلفائه، خاصة وأن القرار الألمانى يمثل امتدادا صريحا لمواقف أوروبية أخرى استهدفت طهران فى الآونة الأخيرة جراء التهديدات التى فرضتها الدولة الفارسية لأمن القارة العجوز، عبر التدبير لعمليات اغتيال داخل العديد من دولها، كما هو الحال فى فرنسا وهولندا، وهو ما دفع أوروبا لاتخاذ إجراءات عقابية بحق إيران سواء من قبل بعض الدول أو على المستوى الجماعى عبر الاتحاد الأوروبى.
ألمانيا تمنع شركة ماهان إير من الهبوط فى مطاراتها
الموقف الغربى من إيران ربما لا يختلف كثيرا عن الصين أو روسيا، واللتين سعى الاتحاد الأوروبى للتقارب معهما على خلفية الخلاف التجارى مع إدارة ترامب، حيث كانت الاتهامات التى كالها الغرب الأوروبى لكلا الدولتين فى هذا الإطار سببا فى تقويض أى شراكة محتملة فيما بينهم فى المرحلة الراهنة، مما دفع بعض الحكومات الغربية إلى التعاون مع واشنطن، رغم الخلافات الكبيرة فيما بينهم، وهو ما يبدو واضحا فى الموقف الذى تبنته كندا باعتقال مسئولة تنفيذية بشركة هواوى فى الشهر الماضى بناء على طلب أمريكى، بتهمة التعاون مع إيران، كما قامت أيرلندا بخطوة مماثلة تجاه موظف صينى بنفس الشركة بتهمة التجسس.
التحليق فى فلك واشنطن.. الغرب يعود للعمل تحت القيادة الأمريكية
وهنا تصبح الإجراءات الأوروبية بمثابة دليلا جديدا على نجاح الدبلوماسية التى تبناها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والتى تقوم على إخضاع حلفائه وإجبارهم على التحليق من جديد فى الفلك الأمريكى، حيث تمثل انعكاسا صريحا على حاجة دول "المعسكر الغربى" إلى العودة من جديد إلى الاحتشاد خلف القيادة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالمواقف فى العديد من القضايا الدولية، وفى القلب منها الأزمة الإيرانية، فى ظل ما تمثله طهران من تهديد صريح ليس فقط لمصالحها فى الشرق الأوسط، ولكن أيضا امتداده إلى بلادهم، وكذلك الصراع التاريخى للغرب مع الخصوم الرئيسيين، سواء روسيا أو الصين.
مسئولة هواوى بعد اعتقالها فى كندا
ولكن العودة الغربية المرتقبة إلى العمل تحت قيادة الولايات المتحدة، سوف تأتى على أساس إرساء قواعد جديد للعلاقة بين واشنطن وحلفائها، خاصة وأن التحليق من جديد فى الفلك الأمريكى يأتى لحماية مصالحها، ضد تهديدات لمستها دول المعسكر الغربى جراء قرارها بالتخلى عن تبعيتها لواشنطن، بسبب الخلافات بين الجانبين على العديد من القضايا المرتبطة بالعلاقات الثنائية، وعلى رأسها قضية التجارة، على خلفية قرار الإدارة الأمريكية بفرض تعريفات جمركية على الواردات القادمة من الدول الحليفة، وهى المسألة التى ربما كانت بمثابة الشرارة التى فتحت الطريق أمام خلافات أخرى حول العديد من القضايا الدولية.
قواعد ترامب.. واشنطن تفرض رؤيتها على الحلفاء
وتقوم القواعد الجديدة، والتى يمكننا تسميتها بـ"قواعد ترامب"، على أساس تقويض الصفقة التى دأب حلفاء الولايات المتحدة الاستفادة منها لسنوات طويلة، بسبب المزايا التى منحتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لحلفائها مقابل الاحتفاظ بمقعد القيادة، وهى الصفقة التى رفضها ترامب منذ بزوغ نجمه على الساحة السياسية فى الولايات المتحدة، معتبرا أن مثل هذه الصفقة كلفت الخزانة الأمريكية مبالغ طائلة بالإضافة إلى ملايين الأرواح فى الحروب التى خاضتها فى العديد من مناطق العالم.
ترامب أعاد حلفاءه للعمل تحت القيادة الأمريكية
وتمثل الإجراءات التى اتخذتها عدة دول غربية، سواء فى أوروبا أو كندا، والتى كانت بمثابة استجابة للرؤية الأمريكية تجاه خصوم الولايات المتحدة، سواء بشكل صريح كما هو الحال فى اعتقال كندا لمواطنة صينية بناء على طلب أمريكى، أو ضمنيا، كما حدث فى المواقف الأوروبية الأخيرة من إيران، اعترافا بهزيمتها فى معركتها الدبلوماسية التى خاضتها مع ترامب، وبالتالى قبولهم إلى اللعب وقف قواعده الخاصة فى المرحلة المقبلة.
عدد الردود 0
بواسطة:
حمام المشوى
اللى يقول ان الدول الاوروبيه سابت امريكا....
... يبقى ماعرفش البطيخ من العربيه المرسيدس..... 🤯🙂