قرر الملك فاروق إقالة حكومة النحاس باشا مساء يوم 27 يناير 1952 فى اليوم التالى لحريق القاهرة، فتوافد الناس على منزل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين يوم 28 يناير، مثل هذا اليوم ،1952 وفى نفس اليوم كلف الملك فاروق، على ماهر باشا بتشكيل حكومة جديدة.
كان طه حسين وزيرا للمعارف فى الحكومة المقالة منذ تشكيلها يوم 12 يناير 1950، بعد فوز حزب الوفد بالأغلبية فى انتخابات 3 يناير 1950، وحسب عبدالفتاح حسن وزير الدولة فى نفس الحكومة فى مذكراته «ذكريات سياسية»، فإنه أثناء مشاورات تشكيل الوزارة نقل حسين سرى رئيس الديوان الملكى إلى مصطفى النحاس، اعتراض الملك على شخص واحد هو الدكتور طه حسين، مبررا الاعتراض بأنه يرى الدكتور طه يسارى الاتجاه، لكن «النحاس» طلب من رئيس الديوان أن ينقل للملك أن الوزارة إما أن تشكل، وبها الدكتور طه، وإلا لن يشكلها أصلا، ونزل الملك على إرادة النحاس».
اجتمعت الحكومة آخر مرة يوم الأحد 27 يناير قبل قرار إقالتها، وحضر طه حسين الاجتماع، ووفقا لعبدالفتاح حسن: «بناء على التكليف الصادر من المجلس، وأثناء انعقاده، تحررت مذكرة إعلان الأحكام العرفية بمعرفتى ومعاونة الدكتور طه حسين، ونفذنا معا تحرير هذا التكليف فى غرفة جانبية، وأقر المجلس تلك المذكرة عند عرضها عليه»، وكان إنجاز هذا العمل هو آخر عهد عميد الأدب العربى بالوزارة التى غادرها مع باقى طاقمها بإقالتها، فكيف تلقى القرار؟، وكيف كان رد فعل أصدقائه ومريديه وتلاميذه؟
يروى الدكتور محمد حسن الزيات زوج ابنة طه حسين، ووزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973 فى كتابه «ما بعد الأيام»، أنه فى اليوم التالى لسقوط الوزارة «28 يناير 1950»، حضر عدد كبير من الأساتذة والصحفيين للزيارة بعد إعلان سقوط وزارة النحاس باشا منهم الأستاذ إبراهيم مصطفى «عالم لغوى 1888-1962»، والأستاذ مصطفى عبدالرازق «1888-1947 أستاذ الفلسفة الإسلامية وشيخ الأزهر لمدة عام من ديسمبر 1945»، والدكتور محمد كامل حسين أستاذ جراحة العظام وأول مدير لجامعة إبراهيم باشا «عين شمس» ومؤلف رواية «قرية ظالمة» الفائزة بجائزة الدولة التقديرية فى الأدب 1952، يضيف الزيات: «حضر عدد من الزائرين من بينهم بعض أفراد أسرة رفاعة الطهطاوى، ومعهم هدية للدكتور طه وهى صورة لجدهم وعليها إهداء هو: «إلى طه حسين الذى أحيا فى النصف الثانى من القرن العشرين مدرسة الألسن التى أنشأها جدنا رفاعة الطهطاوى فى عهد محمد على باشا عام 1836».. ويرد طه حسين: «أنا متأثر حقيقة لتقديمكم هذه الهدية، إن صراع مصر الثقافى طويل، نعم محمد على باشا أنشأ المدرسة، كانوا يدرسون فيها الإنجليزى والطليانى والتركى والفارسى، ولكن خلفاء محمد على»، «عباس باشا» أغلقوها.
أخذ العمل الوزارى من الدكتور وقته، فانصرف عن إبداعه الأدبى، وكان هذا مجالا للحديث معه.. يتذكر «الزيات»: «بعد انصراف أكثر الزوار يقول الدكتور محمد كامل حسين للوزير السابق: «مبروك، تعود إذن للإنتاج الأدبى، لا أقول تأخذ شيئا من الراحة»، وسلم الدكتور طه بهذه الملاحظة، وهذا المطلب، وحسب الزيات رد: «نعم سأجد وقتا أكثر للمجمع ولجانه «كان نائبا لرئيس مجمع اللغة العربية»، وكذلك لإملاء الجزء الثانى من «الفتنة الكبرى».. خطتى أن يصدر الكتاب فى أربعة أجزاء، لم يصدر منها حتى الآن سوى الجزء الأول عن سيدنا عثمان..الآن أبدأ الجزء الثانى، واخترت عنوانه وسيكون «على وبنوه».
استدعى الكلام فى هذه القضية المهمة أن يذكر رأيه باختصار فيها، فقال: «لابد من الدراسة العميقة لكل هذه الأحداث الخطيرة التى أدت إلى مصرع الخليفة عثمان بن عفان التى انتهت بانقسام العالم الإسلامى، وقد كان من بين هذه الأسباب سخط المصريين لما نزل بهم من المظالم».. علق إبراهيم مصطفى قائلا: «يظهر أن المظالم مكتوبة على المصريين منذ زمان بعيد.. وأن سخطهم لا يتأخر أيضا، لو سمعت تعليقات الناس هذه الأيام على تصرفات السراى».. يصف «الزيات» حالة العميد يوم أن ذهب إلى المجمع بعد تركه الوزارة: «فى دار المجمع اللغوى طه حسين يقول لأمين سر المجمع «الدكتور إبراهيم بيومى مدكور»: فى هذا المبنى، ومع أعضاء اللجان، أتذوق لذة العمل المخلص الذى يتحاشى الأضواء، فى خدمة اللغة التى هى أساس القومية العربية، لا أجد هنا الفائدة فحسب، بل أجد الراحة أيضا، صديقنا الأستاذ محمود عزمى أطل الله بقاءه يستعمل تعبير «بلاد العربية»، لأن الحقيقة أن الرابطة بين هذه الملايين هى أساس اللغة الفصيحة التى يصونها هذا المجمع الذى يتصدى لهجمات المطالبين باستعمال اللهجات العامية، وهذه مطالبة شديدة الخطر لا على لغتنا فقط، بل على تراثنا الفكرى وعلى قوميتنا العربية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة