«من الضرورى مقاومة هذه الوحدة، ولابد أن يتم ذلك بشكل عاجل جدا».. كانت هذه عبارة لوزير الخارجية الأمريكى «فوستر دالاس» إحدى التهديدات التى انطلقت فى اجتماع المجلس الوزارى لحلف بغداد فى العاصمة التركية أنقرة على مستوى رؤساء الحكومات، أيام 28 و29 و30 يناير 1958 ضد الوحدة المصرية السورية التى أصبحت رسمية فى 22 فبراير 1958، حسبما تؤكد الدكتورة فادية سراج الدين فى كتابها «الغرب والوحدة المصرية السورية» عن «دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية - القاهرة».
«كانت أخبار الحوادث الجارية فى دمشق والقاهرة تقرع أسماع وأبصار المجتمعين فى أنقرة، وفى مقدمتهم «دالاس» الذى أثر أن يحضر الاجتماع بنفسه عندما تقرر أن توضع الخطط النهائية للزحف على سوريا»، وفقا لما يذكره محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان»، مضيفا: «كان المجلس الوزارى لحلف بغداد مجتمعا فى نفس اليوم الذى طار فيه الرئيس السورى شكرى القوتلى إلى القاهرة، ومعه «صبرى العسلى» الذى قدر له أن يعلن بيان إعلان الوحدة بعد ذلك فى القاهرة».
تتبع فادية سراج الدين وقائع «اجتماع أنقرة»، من خلال وثائق سرية لوزارة الخارجية البريطانية، تكشف من خلالها عمق التهديدات والمخططات الخارجية للإجهاز تماما على هذه الوحدة، غير المسبوقة فى تاريخنا الحديث، وتذكر «سراج الدين» ذلك فى سياق هو: «كان العداء لعبدالناصر يدخل فى حتمية الأمن القومى الغربى، وصار حصار الدور المصرى فى المنطقة الهدف الرئيسى لسياسات القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.. وكان منطق قوى الغرب فى مواجهة عبدالناصر يبدأ من التسليم بأن انفلات بعض القوى العربية من قبضة الغرب يحرم المعسكر الغربى من التحكم فى كل الأحداث فى المنطقة، وبالتوازى مع ذلك، فإن ذلك يتيح للقوى العربية الأخرى الفرصة لاستعادة زمام إرادتها، والعالم العربى لوسيطر على إرادته ففى إمكانه أن يعدل التوازن المفروض عليه، وأن يحدث خلخلة فى هذا التوازن».
تؤكد «سراج الدين»: «أن العداء لجمال عبدالناصر كان أساس وحدة الموقف والمنطلق التى دفعت قوى غربية وإقليمية إلى الاتفاق استراتيجيا على مواجهة وحدة مصر وسوريا بمختلف مواقف التحدى، والتصدى لوحدة مصر وسوريا كان له بعد شخصى لامجال لإنكاره، فالمحوران الغربى والعربى «المعادى لعبدالناصر»، كانت تحكمهما رغبة مبيتة فى القضاء على عبدالناصر والثأر منه، واعترف السفير البريطانى فى بيروت بهذه الحقيقة بصراحة تامة، فوصف العداء للوحدة بأنه ذا طابع شخصى بقوله: «إن اعتراضنا على وحدة مصر وسوريا مبنية على أية حال على كراهية للسيطرة المصرية أكثر من كونها كراهية للوحدة العربية».. تذكر «سراج الدين» إلى «أنه على هذا الأساس يمكن فهم الأسباب الحقيقية لاندلاع الصراع، وتلك التى حكمت مواقف الأطراف الغربية والإقليمية على أثر إعلان الوحدة».
فى ظل هذه التحديات عقد حلف بغداد اجتماعه، أثناء السير فى خطوات الإعلان رسميا عن الوحدة، وتذكر «فادية سراج الدين»، أن الوثائق السرية لوزارة الخارجية البريطانية تكشف عن أنه، ما إن بدأت ترد التقارير عن التطورات الجارية فى القاهرة ودمشق، بشأن اتحاد مصر وسوريا، حتى بدأت على الفور التحركات السياسية الهادفة إلى وأد هذه التطورات ورسم خطط للقضاء عليها وهى لاتزال فى طور التكوين».. وتذكر، أنه فى الجلسات التى تمت فى يومى 28 يناير و29 يناير - مثل هذا اليوم 1958: «كانت القضية المسيطرة على فكر ومناقشات الجميع هى، الخطورة التى يمكن أن تترتب على الوحدة المقترحة، فأعلن نورى السعيد رئيس وزراء العراق، أن الذى يحرض على الوحدة هو جمال عبدالناصر، يؤيده السوفيت ومجموعة من البعثيين، وأن هدف عبدالناصر هو السيطرة على العالم العربى، وأن غالبية الشعب السورى، إذا ما منح حرية الاختيار، فإنه سيختار الاتحاد مع العراق وليس مع مصر، وتساءل نورى السعيد عما إذا كان قيام العراق بعمليات عسكرية لضم جزء من سوريا وإقامة وحدة بين العراق وسوريا سيحظى بتأييد دول الحلف».. تضيف «سراج الدين»: «أعرب الأتراك والإيرانيون عن قلقهم الشديد إزاء النتائج الخطيرة التى يمكن أن تترتب على الوحدة المقترحة، وذهبوا إلى أن الوحدة ستخلق موقفا خطيرا فى لبنان والأردن، وبعد ذلك فى السعودية والعراق، واستحثوا العراق على القيام بعمل إيجابى لتعطيل مشروع تلك الوحدة».
تنقل «سراج الدين» ما ذكره وزير الخارجية البريطانية «سلوين لويد»: «الوحدة المقترحة أمر خطير، ومن الضرورى مقاومتها»، وتضيف: «كانت وجهة نظره كما سجلتها محاضر الاجتماع هى أن هناك ثلاثة بدائل مطروحة أمامهم للعمل، أولها - على حد تعبيره - أن نقبل الوحدة المقترحة، وثانيهما، أن نعارضها بكل ضراوة، مستخدمين كل الوسائل المتاحة لنا، ونحاول أن نمزقها على الفور، وثالثها، أن نقبل الوحدة ظاهريا ونعمل على تحطيمها النهائى».. واستمرت المناقشات لليوم التالى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة