جلس «زيجنيو بريجنيسكى» مستشار الرئيس الأمريكى «جيمى كارتر» لشؤون الأمن القومى، أمام الرئيس السادات يوم 3 يناير، مثل هذا اليوم 1980، لينقل إليه رسالة من «كارتر» تدعو «مصر الإسلامية» أن تقوم بدور فى «جهاد إسلامى» ضد «الاتحاد السوفيتى» الذى غزا بجيوشه بلدا إسلاميا هو أفغانستان، حسبما يذكر كتاب «الحروب غير المقدسة: أفغانستان، أمريكا والإرهاب الدولى» للصحفى الأمريكى المخضرم «جون كولى»، وينقل عنه الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى مقاله «دفاتر أزمة - الدفتر الثانى- مجلة وجهات نظر - فبراير 2000»، كما نشره فى كتابه «الزمن الأمريكى- من نيويورك إلى كابول»، ويعتمد فى نفس المقال على كتابين آخرين هما «طالبان: الإسلام والنفط والصراع الكبير فى وسط آسيا» لعميد الصحفيين الباكستانيين «أحمد رشيد»، و«غسيل الواقع- وكالة المخابرات الأمريكية والمخدرات والصحافة» للصحفيين «ألكسندر كوكبيرن» و«جيفرى سان كلير».
بدأ الغزو السوفيتى يوم 25 ديسمبر 1979 تحت دعوى «دعم الحكومة الأفغانية التى تعانى من هجمات المعارضين»، وتداول مجلس الأمن القومى الأمريكى القضية وانتهى صباح يوم 27 ديسمبر بتوجيه رئاسى يقضى بأن يتوجه «بريجنيسكى» إلى منطقة الشرق الأوسط بادئا بالقاهرة لمقابلة الرئيس السادات والبحث معه فى «تنظيم جهاد إسلامى شامل يساند المقاومة الإسلامية الأفغانية فى مواجهة جيش الاحتلال السوفيتى، ثم يتوجه بعد القاهرة إلى الرياض لمقابلة الملك خالد وولى العهد الأمير «فهد» ووزير الدفاع الأمير سلطان، ويجرى معهم محادثات تضمن حشد موارد السعودية ونفوذها لقيادة «جهاد إسلامى» ضد الشيوعية فى أفغانستان، وأخيرا يتوجه إلى باكستان ليقوى موقف الحكومة فيها بموارد السعودية ونفوذها، وبثقل مصر ووسائلها».
طرح «بريجنيسكى» حججه لإقناع السادات فى اللقاء الذى استمر ثلاث ساعات ونصف.. قال: «إن مصر بمكانتها الخاصة فى العالم الإسلامى مؤهلة لدور فى الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وإنه لا يصح ترك شعارات الإسلام العظيمة يحتكرها «آية الله الخمينى» لنفسه أو للإسلام الشيعى.إن دخول مصر فى هذا العمل «الجهادى» يعطى الرئيس السادات نفوذا أوسع فى المنطقة إزاء أطراف عربية تعارض سياسته فى السلام مع إسرائيل ومنها سوريا والعراق وليبيا.. إن قيام السادات بدور فى «الجهاد الإسلامى» يرد بشدة على أولئك الذين يتهمونه بـ«التفريط» فى فلسطين، ويهيئ له قاعدة إسلامية أوسع من «الحيز المحدود» لدول الجامعة العربية»، واصل «بريجنيكسى» طرح حججه قائلا: «مصر تملك مؤهلات تيسر لها العمل فى أفغانستان، بينها أنها بلد الأزهر الذى يقبل المسلمون مرجعيته، كما أنها موطن جماعة الإخوان التى تفرعت منها جماعات إسلامية عاملة فى باكستان وأفغانستان، والرئيس السادات كرئيس لمصر يملك سلطانا على الأزهر، وكسياسى فهو يحتفظ بعلاقة طيبة مع بعض زعماء الإخوان».. أضاف: «بريجينيسكى»: «برغم حساسيات أعرفها فإن ميدان «الجهاد الإسلامى» يستطيع جمع السلطة المصرية والأزهر والإخوان على عمل مشترك يواجه شرور الإلحاد من ناحية، ومن ناحية أخرى تذوب به حساسيات- مع الإسلام السياسى- مترسبة من ظروف سابقة أو تلين معه مفاصل فى العلاقات بين الطرفين متصلة- فى الوقت الراهن».
أضاف بريجنيسكى: «إن مصر لن تتكلف شيئا لأن أمريكا سوف تنشئ صندوقا خاصا للجهاد فى أفغانستان تموله دول الخليج أولها السعودية، وهو يحمل رسالة حول هذا الموضوع من الرئيس كارتر إلى الملك والأمراء فى السعودية، وهو «بريجنيسكى» على ثقة بأن المملكة سوف تستجيب سياسيا وماليا، وإن مصر تستطيع أن تستفيد بأكثر من أجر الجهاد وثوابه، لأن الجهاد فى أفغانستان يضمن عقودا سخية للصناعات العسكرية المصرية، لأن ذلك الجهاد بالذات يلزمه سلاح سوفيتى الصنع».. يوضح هيكل: «كان بريجنيسكى يقصد بذلك إغراء الرئيس السادات بأن «الجهاد الإسلامى» سوف يحتاج أن يشترى من مصر أسلحة سوفيتية الصنع لم تعد تريدها، أو أسلحة سوفيتية النوع، قامت بتصنيعها فى منشآتها «الصناعة الحربية» ولاتجد مشتريا لها، لأن المنطقة تشهد تحولا ظاهرا إلى الأسلحة الأمريكية».
اختتم «بريجنيسكى» حججه قائلا: «مشاركة مصر فى «الجهاد الإسلامى» ضد الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، تساعد الرئيس كارتر على مواجهة أصدقاء إسرائيل فى الكونجرس، لأنها ترد على دعايات يقوم بها «مناحم بيجن» (رئيس وزراء إسرائيل وقتها) تزعم أن مصر ليست صديقا للولايات المتحدة إلا بمقدار ما تريد منها، وتلك حجة سوف تبطل عندما يظهر على رأس التصدى الإسلامى للسوفيت فى أفغانستان».
أمام هذه الحجج تجمع كل المصادر ومنها مذكرات «بريجنيسكى» نفسه، أنه خرج من مصر متوجها إلى السعودية، ووجد نفسه رسولا مكلفا من الرئيس السادات أيضا إلى جانب تكليفه من الرئيس كارتر، لأن الرئيس المصرى خوله إبلاغ الملك وولى العهد ووزير الدفاع فى السعودية عندما يلقاهم أن ينقل إليهم رسالة إضافية منه مؤداها أنه «جاهز ومستعد للعمل، والتعاون معهم اليوم قبل غد فى عمل جهادى ضد الإلحاد».