بين حين وآخر نسمع عن جرائم الثأر فى محافظات صعيد مصر، رغم تراجع معدلاتها الملحوظ، تحصد أرواح أبرياء، وتلقى بآخرين خلف القضبان أو تصل بهم إلى لقاء "عشماوى"، نتيجة لاستمرار روح العصبية والقبلية، غير أن اللافت للانتباه هو وصول هذه الظاهرة إلى بعض محافظات الوجه البحرى، مثل القاهرة والجيزة وغيرها.
آخر هذه الجرائم، كانت تلك التى شهدتها محافظة الجيزة، حينما أطلق عامل النار على آخر فى إحدى قرى أطفيح، مما أسفر عن مقتله، بسبب خصومة ثأرية بين عائلتى المجنى عليه والمتهم، وبإجراء التحريات تبين أن المجنى عليه "رجب. س" أثناء سيره بالشارع أطلق عامل يدعى "ر. ش" النار عليه مما أسفر عن مفارقته الحياة فى الحال.
وتنظر محكمة جنايات القاهرة، فى جلسة 13 يناير الجارى، إعادة محاكمة 7 متهمين فى قضية ثأر فى أوسيم، بالجيزة، بعد أن ألغت محكمة النقض حكم محكمة جنايات الجيزة، بالإعدام شنقا لـ12 متهماً، فى قضية ثأر أوسيم، لقيامهم بقتل المجنى عليه "يحيى عبد المنعم" عمدًا مع سبق الإصرار، وشرعوا فى قتل اثنين آخرين من بينهم طفل لوجود "خصومة ثأرية" بينهم.
وفى القاهرة قتل 10 متهمين 5 مواطنين أخذًا بالثأر فى منطقة القاهرة الجديدة، وقضت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بالتجمع الخامس، بإعدام خمسة متهمين شنقًا، وبالسجن المؤبد على متهم واحد، والمشدد 15 عامًا لرجل وابنه، والحبس سنة مع الشغل لاثنين آخرين.
كما شهدت منطقة الصف بمحافظة الجيزة، قتل شاب على يد آخر رميا بالرصاص بسبب قيامه بقتل نجل عمه، وفى الجيزة أيضًا تم القبض على 6 متهمين قتلوا شابًا من أبناء عمومتهم وألقوا بجثته فى نهر النيل بمنطقة البدرشين، وتبين أنهم خططوا لجريمتهم أخذا بالثأر لقيام شقيقه بقتل ابن عمه وقطع رقبته لسرقته، بمنطقة الشوبك الشرقى بمدينة الصف.
ويؤكد اللواء مجدى البسيونى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن هناك بعض القرى والمدن فى محافظات الوجه البحرى لا تختلف العادات بها عن الصعيد، كما أن الكثير من أهالى الصعيد انتقلوا من بلادهم للعمل والإقامة فى محافظات الوجه البحرى مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية وغيرها، وهكذا نرى أن الأشخاص انتقلوا إلى الوجه البحرى بعاداتهم وتقاليدهم، وهذا من بين أسباب وجود جرائم ثأر فى الوجه البحرى.
وأضاف اللواء مجدى البسيونى، خلال تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن الفروق الفردية بين العائلات وبعضها تضاءلت كثيرًا فالجميع الآن لديه أموال وأبناء على قدر من العلم وما إلى ذلك، فكان فى الماضى إذا ما تم قتل أحد من عائلة فقيرة قد لا تتحرك هذه العائلة لأخذ الثأر وتترك الأمر للقضاء، خشية الفتك بها من العائلة الأقوى، ولكن كما قلت فالفجوات بين العائلات تكاد تكون اندثرت تمامًا، وبالتالى لن يخشى الفقير الأخذ بالثأر من أى شخص.
وتابع مساعد وزير الداخلية الأسبق: "لم يعد هناك أيضًا حاجزًا للخوف من العقوبة، خاصة فى ظل أننا نعانى من أزمة أخلاقية، حيث أصبح الكثير من الناس الذين يسيرون فى الشوارع لديهم قدر قليل من الأخلاق أو عدم القدرة على تدارك المواقف والأمور وحلها بطرق عقلانية، فمثلا لو أن أحدا اصطدم بسيارته فى سيارة آخر، سريعًا ما تندلع مشاجرة قد تتطور لوجود قتلى أو جرحى على الأقل، وهنا يحاول عائلة المجنى عليه أخذ الثأر، على العكس قديما كان من السهل إذابة وإنهاء الخلافات بين الأشخاص فى لحظتها قبل تطورها للشجار والإصابة والقتلى، فنحن الآن بحاجة لثورة على الأخلاق".
وأكد اللواء مجدى البسيونى، تراجع جرائم الثأر بشكل كبير، بسبب ارتفاع نسبة التعليم وتراجع الأمية، مما ساهم فى محو ظلمة العقول، فأصبح الآباء يخشون على أبنائهم ومستقبلهم، وكذلك الموظفين يخشون على وظائفهم، بالإضافة إلى جهود وزارة الداخلية ولجان المصالحات.
تتفق معه الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، قائلة: "من المعروف أن محافظات الصعيد هى الأكثر بين محافظات مصر، فى انتشار جرائم الثأر وإن كانت قد قلت كثيرًا عن الماضى، ولكن فى ظل وجود ما يسمى بالهجرة الداخلية من محافظات الصعيد إلى محافظات الوجه البحرى، وبالتالى هؤلاء المهاجرين ينتقلون بعاداتهم وتقاليدهم، لذلك نحتاج لتنمية هذه المحافظات للحد من الهجرة الداخلية.
وتابعت سامية خضر، خلال تصريحات لـ"اليوم السابع": "يمكن القول بأن من بين أسباب انتشار جرائم الثأر فى الوجه البحرى الهجرة الداخلية من محافظات الصعيد إلى محافظات الوجه البحرى، غير أنه فى الوقت نفسه بدأت خلال الفترة الماضية تتراجع معدلات جرائم الأخذ بالثأر، بفضل جهود الدولة وتراجع عادات مثل الإقامة فى منزل العائلة، وغيرها"
وطالبت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، بضرورة إنتاج أفلام ومسلسلات تحارب مثل هذه الجرائم المتوطنة فى الدولة، بالإضافة إلى مبادرات قومية على غرار مبادرات مكافحة الأمراض ومبادرات محو الأمية".
فيما يؤكد الشيخ أشرف الفيل، من علماء الأزهر الشريف، أن الدين الإسلامى لا يوجد فيه ما يسمى بـ "الثأر" وإلا سادت الفوضى، ولكن يوجد ما يسمى بـ"القصاص"، وهذا لا يكون إلا فى يد الحاكم، ولا يجوز لولى المقتول أن يقتل القاتل، وإنما إذا قٌتل أحد الناس فيرجع الأمر إلى يد الحاكم والمتمثل فى قاضى المحكمة، وهو من يأمر بقتله عن طريق السلطة التنفيذية وليس أهلية أو ولى المقتول.
وأضاف الشيخ أشرف الفيل، خلال تصريحات لـ"اليوم السابع"، إنه يجب علينا ونحن فى هذا الزمان الذى يتميز بالعلم والتقدم فى شتى المعارف والعلوم، ألا نعود إلى العصور القديمة، وأن نحتكم إلى القضاء فهو أولى، قائلاً:"إذا أوكلنا الأمور إلى القضاء يستريح جميع الناس".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة