- الجماعة مفرخة الإرهاب فى المنطقة.. علاقتها وطيدة بحزب الله وحسن نصر الله.. اختفاء الحياة المدنية عقدة مصر منذ 1952.. وكثرة الأحزاب السياسية تهريج
- قطر دولة صغيرة تثير الضوضاء بـ"الجزيرة" وفاتورة أفعالها يدفعها القطريون
- استقالات البيت الأبيض حررت ترامب وسياساته تقدم دعما كبيرا لليمين فى أوروبا
يجلس هادئا ومحافظا على ابتسامته الوقور، حتى وهو يناقش أكثر القضايا تعقيدا، ويفكك تشابكات الصراعات والملفات المحتشدة بالتوتر والخوف والاحتمالات الرمادية.. ومن هذا المدخل المتزن، يضع يده على مفاصل وأمور جوهرية، ربما لا يلتفت لها غيره.
سنوات طويلة قضاها الدكتور عبد المنعم سعيد باحثا فى العلاقات الدولية، بدأت بالتحاقه بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى العام 1975، وتواصلت بحصوله على الماجستير والدكتوراه من جامعة إلينوى الأمريكية، وزمالته لمؤسسة بروكينجز فى الولايات المتحدة، وعمله مستشارا فى الديوان الأميرى القطرى بين 1990 و1993، فى ولاية الشيخ خليفة بن حمد قبل أن يطيح به ابنه حمد بن خليفة فى انقلاب ناعم بالعام 1995، وصولا إلى رئاسته لمركز الأهرام للدراسات، ثم رئاسته لمجلس إدارة المؤسسة فى 2009. يشتبك عبدالمنعم سعيد مع القضايا الدولية على اتساعها وتعقدها، وبالقدر نفسه يجيد النظر فى الملفات الداخلية وفك تشابكاتها، وبفضل عقليته العلمية وقدراته البحثية والسمت الشخصى الهادئ، وقف «سعيد» فى منزلة وسط بين البحث والتحليل، والفكر والاستشراف، إلى درجة أكسبت أطروحاته وآراءه بُعدا أعمق من القراءة العابرة لملفات الصراع، مقتربة من دائرة الفكر الاستراتيجى وقراءة الخرائط الفكرية والسياسية والتنبؤ بمساراتها الخفية وتحولاتها غير المتوقعة، وتتضافر مع هذه الرؤية قدرة على صناعة نسق جامع للخيوط المحلية والإقليمية والدولية، وإعادة قراءة الوقائع فى صورة أشمل وأكثر تكاملا.. عن كثير من هذه الخيوط والمسارات، وعن قضايا محلية وإقليمية وعالمية ساخنة، كان لنا معه هذا الحوار..
أين المجلس القومى لمكافحة الإرهاب الذى كنت عضوا فيه؟
استند المجلس فى تشكيله إلى قرار جمهورى سابق، تضمن تمثيلا لجهات مدنية بجانب الأجهزة الأمنية، منها الأزهر والكنيسة وبعض الشخصيات العامة، وبالفعل عقدنا اجتماعا، لكن بعد ذلك تغير القرار لتعديل صيغة المجلس، وشخصيا أرى أن الجانب الأمنى هو أساس الموضوع، رغم أهمية العمل على محور تجديد الخطاب الدينى.
وكيف يُعرف الدكتور عبدالمنعم سعيد تجديد الخطاب الدينى؟
هو مرحلة تاريخية تقود باتجاه دخول العالم المدنى. البعض يعتقد أن تجديد الخطاب الدينى يعنى فحص الكتب السماوية وانتقاء ما يناسب العصر فقط، لكن هذه النظرة قاصرة، أو لا تكفى بمفردها، فما يحتاجه المجتمع أن يتبنى مسار العلم والعقل، وليس الاكتفاء بمعرفة الكتب المقدسة فقط، ومع الإحاطة بالمشكلات والتحديات يمكننا مواجهتها بفاعلية، وهذه المواجهة فى حد ذاتها تجديد للفكر الدينى، والاجتهاد نفسه نشأ من أجل ذلك، لنتكلم فى علوم حل المشكلات وليس علوم الحديث والقرآن، فالتجديد هو التفسير المباشر لـ«أنتم أعلم بشئون دنياكم».
هل تقصد أن الأزهر ليس وحده المختص بتجديد الخطاب الدينى؟
طبعا.. الأزهر لديه مهمة تاريخية تتمثل فى تعليم الناس دينهم، وشرحه لهم وفق قيم الوسطية والاعتدال، ولكن مهمة تجديد الخطاب الدينى قد تتحول إلى أمر ضار إذا أُلصقت بالأزهر وحده، كأننا نريد منه التغيير فى الدين، وأنا أرى أن المجتمع أولى بمواجهة مشاكله، وعليه أن يتغير فى رؤيته لهذه المشكلات وتعامله معها.
فى قضية اقتحام الحدود أدان مبارك الإخوان.. كيف ترى الأمر؟
لم يكن لدى شك فى هذا الأمر، لكن الجديد أننا بدأنا نعرف التفاصيل الخاصة به، سواء من شهادة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى أو الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وما سمعناه مباشرة من بعض المصادر، فالناس التى هربت تواصلت مع بعض القنوات وكان هناك شق علنى فى الموضوع، ووقتها كانت الإخوان القوة المنظمة فى ميدان التحرير. والجماعة طوال عمرها لها طبيعة عسكرية، وجناح مخصوص للعنف، وجزء من التكتيكات والأساليب الخاصة بها تتضمن أمورا عنيفة، لهذا كان طبيعيا أن تستأجر 11 شقة مطلة على ميدان التحرير، لتوفير المخازن وأماكن التجمع ودورات المياه للمعتصمين، إلى جانب إقامة الحواجز وتوظيف قوتهم التنظيمية للسيطرة على الميدان وإدارته، بهدف تدمير الشرطة والمنظومة الأمنية فى مصر.
هل أكدت هذه القضية العلاقة الوثيقة بين الإخوان وحزب الله اللبنانى؟
لم أشك مطلقا فى علاقة الإخوان بكل الجماعات الإرهابية فى العالم، وبعضها علاقات سجون، لكن فى النهاية هناك تحالفات وتنافس، فالإخوان يستوعبون كل الحركات، ويستخدمونها فى الوقت المناسب، وهذه الرؤية ربطتها بحزب الله، والدليل أن الجماعة بقياداتها وقواعدها كانوا يُمجدون حسن نصر الله طوال الوقت.
من حزب الله إلى الأحزاب المصرية.. كيف ترى الساحة السياسية لدينا؟
نملك حاليا أكثر من 100 حزب سياسى، والأفضل أن يتقلص هذا العدد، فأنا أرى أن العقدة الأساسية فى مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952 تمثلت فى اختفاء الأحزاب المدنية، وحتى عندما عادت فى عهد السادات لم تظهر بالقوة التى توقعها البعض، فى ظل هيمنة سياسة الحزب الواحد الذى كان يمثل البيروقراطية الرسمية، فالمدنيون خارج الحزب الرئيسى وجماعة الإخوان ظلوا فى حالة ميوعة، ورغم أنهم وجدوا فرصة جيدة نسبيا فى بداية حكم مبارك، فإنهم عندما نزلوا إلى الساحة وخطبوا ود الشارع، لم تُترجم هذه الفرصة فى صورة أثر مادى مباشر، وحصد الإخوان مقاعد البرلمان، فالأحزاب المدنية لن يكون لها صوت إلا إذا أدانت حالة التشرذم التى تعانيها، والاستمرار بآلية أن يخرج كل شخص بحزب نوع من التهريج.
وكيف يمكن تقليل عدد الأحزاب؟
اقترحت أن يحصل كل حزب على فرصة مفتوحة فى انتخابات برلمانية، وكل حزب يفشل فى الفوز بمقعد واحد على الأقل يبادر بحل نفسه، ويبحث عن شكل جديد، ثم يشارك فى الانتخابات التى تليها، وربما نتيح له المشاركة فى انتخابات المحليات. هذا جزء من دعم الديمقراطية التى يجب أن تبدأ من أسفل، أى من المحليات، التى تعد فرصة جيدة وملعبا مفتوحا لتربية الكوادر وتدريب القيادات.
ما رؤيتك للدعوات المترددة بين وقت وآخر بشأن المصالحة مع الإخوان؟
لا مصالحة قبل أن تكون هناك أرضية كاملة لرفض العنف والقبول بمدنية الدولة، وشخصيا لا أؤيد أية مصالحة قبل إدانة الإخوان للعنف بشكل جذرى واضح، وتبادر بالإيقاف الكامل لكل برامج الدعاية والترويج للعنف، وتأخذ موقفا حازما من داعش معلنة أنهم خارجون على الدين، بدلا من التواصل مع التنظيم ودعمه والانتماء إليه.
وهل ترى أن الإخوان مستعدون لهذا الأمر؟
إذا كانوا غير مستعدين، أو أصروا على موقفهم المنحاز للإرهاب، فهى الحرب من أجل صيانة تماسك المجتمع ومؤسسات الدولة.
وهل انضم بعض قيادات الإخوان وعناصر الجماعة لداعش بالفعل؟
معظم التنظيمات الإرهابية تربت فى أحضان الإخوان، أسامة بن لادن والظواهرى والجماعة الإسلامية والقاعدة وغيرها. ومنفذو حادث 11 سبتمبر بدأ كثيرون منهم داخل الإخوان، فالجماعة هى الحضّانة الأساسية لتفريخ الإرهابيين، ومازالت، لكن الدولة المصرية قادرة على مواجهة الجماعة وإرهابها، حتى فى مناخ من التحديات والضغوط الاقتصادية.
وكيف ترى التحديات الاقتصادية الراهنة؟
هناك رؤية شاملة للإصلاح الاقتصادى تُنفذ على أرض الواقع، والمشهد المصرى يتغير بسرعة، فمعدلات النمو تتحرك بنسبة جيدة، حتى لو لم تكن كافية أو محققة لتطلعاتى شخصيا، لكننا نسير على الطريق الصحيح، وأى شخص يريد الحديث بشكل جاد عليه دراسة تجارب الإصلاح فى الدول الأخرى، وسيجد أن الآلام التى نمر بها ليست اختراعا جديدا، ولا ترتبط بالبرنامج المصرى وحده، وإنما تخص كل جهود الإصلاح الحقيقى، فالأمر أشبه بإجراء عملية جراحية لمجتمع كامل، ومن الطبيعى أن تكون مؤلمة.
عدت مؤخرا من الرياض.. كيف ترى العلاقات المصرية السعودية؟
علاقتنا بالسعودية جيدة للغاية، فمن التقيتهم من مسئولى المملكة أكدوا جميعا قوة الروابط المشتركة، ورغم أن الماضى شهد شكلا من المنافسة بين البلدين، فإن المشهد الراهن يؤكد أنهما متكاتفان، ولا غنى لأحدهما عن الآخر. هناك إحساس بمساندة مصر للمملكة، كما أن هناك قنوات اتصال دائمة بين البلدين على كل المستويات، وبفضل هذا ازدهرت العلاقات وتوطدت.
هناك أطراف سعت لإثارة القلاقل بين القاهرة والرياض.. برأيك من هم ولماذا؟
أى توافق مصرى سعودى يخلق كتلة قوية جدا فى المنطقة، وهو ما يثير ضيق أطراف أخرى بالتأكيد، فإيران وتركيا مثلا لن تكونا سعيدتين بتوطيد الروابط بين القاهرة والرياض، وما يزيد حدّة الترصد والسعى لإثارة القلاقل أن العلاقات ليست طيبة فقط، وإنما تشهد ترجمة حقيقية لهذه المودة على أرض الواقع، عبر مساندة مصر للمملكة، أو مساعدة السعودية لمصر، أو المشروعات المشتركة فى «نيوم» وسيناء، والاستثمارات السعودية فى مصر، والتشابكات العديدة فى درع العرب والمناورات المشتركة، مثل مرجان وتبوك.
كيف ترى ما يحدث فى اليمن وتهديدات الحوثيين فى منطقة البحر الأحمر؟
هذا جزء من التشابك المصرى السعودى، وهو ملف حماية البحر الأحمر، وبعد اتفاقية تعيين الحدود البحرية أصبح البحر الأحمر بحيرة مصرية سعودية تقريبا، وخلال الفترة الماضية دافعت مصر عن مضيق باب المندب، وقدمت مساندة بحرية لجهود التحالف العربى فى اليمن، وهى المساندة التى حققت مصالح مصر بضمان أمن المضيق والملاحة فى البحر الأحمر، وبفضل هذه التقاطعات أرى أن هناك نافذة تفاؤل مفتوحة.
وما السبب فى نافذة التفاؤل التى تبشر بها؟
أرى أن الصورة تسير باتجاه التحسن، فى ضوء المحادثات التى استضافتها السويد خلال الفترة الماضية، والتطورات الأخيرة فيما يخص خريطة الصراع فى اليمن، ليس فقط على صعيد وقف إطلاق النار وانسحاب الجميع من مدينة «الحديدة» للسماح بدخول قوافل الإغاثة، وإنما تنامى الرغبة لدى الجميع فى التحرك باتجاه الحل، فالأطراف كلها مرهقة وتشعر بالكُلفة الباهظة للحرب.
ما رؤيتك لمساعى ترامب لإطلاق تحالف عربى لمواجهة الخطر الإيرانى؟
هذا التحالف لا يضم أمريكا، وهو يشبه ما أُعلن عنه عقب حرب الخليج تحت شعار «إعلان دمشق»، والذى كان تحالفا بين مصر وسوريا ودول مجلس التعاون الخليجى الست، ولكن فى التحالف الجديد حلت الأردن بديلا لسوريا، فى ضوء أن الأخيرة تعيش أزمة ضخمة، ومن ثم فهذا المشروع قديم لتحقيق التوازن فى المنطقة، وليس مشروعا أمريكيا، وفى تقديرى أن الأمر لا يحتاج كل هذا، لأن هناك بالفعل تحالفا رباعيا ينسق مع الأردن، كما ساهمت السعودية والإمارات فى إنعاش اقتصاد عمان خلال الأزمة الأخيرة، وهو ما يدعم مشروع التحالف بين الدول الخمس «مصر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن»، وبالفعل قطع المشروع خطوات واسعة، وهناك مساحة مفتوحة للتطوير والبناء على ما تراكم فى المنطقة دون حاجة لمبادرات واشنطن واقتراحاتها، لكن من المؤكد أن إيران وتركيا وإسرائيل ستُقبل على أفعال لا تصب فى صالح الدول العربية، وحتى نتفادى هذا علينا استعادة التوازن فى المنطقة، وجزء من إعادة التوازن يتمثل فى تسريع عملية تدشين هذا التحالف وتطويره.
كيف ترى الموقف العربى الواسع من قطر؟ وما مستقبل المقاطعة؟
لا أعتبرها مقاطعة، وإنما حزمة إجراءات عقابية إزاء سلوكيات قطرية منحرفة، وحتى الآن لم تستجب قطر، ونفذت أعمالا مضادة ووضعت يدها فى أيدى أعداء المنطقة. أما مستقبل هذه الإجراءات فيشبه العقوبات الأمريكية على روسيا وإيران، فعندما تفرض عقوبات فإنك تستهدف بالدرجة الأولى تغيير السياسات لا الأنظمة، وتحركات الرباعى العربى لم تكن تستهدف الإطاحة بنظام الحكم فى قطر، أو إعلان سماءها منطقة مغلقة أو محظورة الدخول، ولم تُحاصر الموانئ القطرية لقطع الإمدادات الغذائية والدوائية. كل ما حدث إجراءات محسوبة اتُّخذت للضغط على الدوحة، لكن الأخيرة اختارت الاستمرار فى عنادها، وهذا ما كبدها كُلفة باهظة اقتصاديا وسياسيا، لكن ليس لها أى تأثير عسكرى، وفى الأخير لا تشكل قطر تهديدا حقيقيا، سواء ظلت فى مجلس التعاون الخليجى أو انضمت للتحالف الإيرانى التركى.
هل ترى أن قطر ليس لها تأثير فى المنطقة والمحيط الإقليمى؟
قطر ليست عنصر قوة فى المنطقة، ولا حتى فى الأسواق الاستراتيجية الحساسة عالميا، فقد انسحبت من منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، والمشهد يشير إلى أن قيادات الإمارة تتصرف بطريقة خاطئة، وهو ما سيتسبب فى متاعب عديدة للقطريين، لكن على الجانب الآخر لا أحد يريد خنق قطر أو يعمل من أجل هذا، فثلث الشعب القطرى تقريبا يحملون جوازات سفر سعودية، والقضية ليست مهمة للمجتمع الدولى أو باقى الدول العربية، وكل ما تسعى له قطر هو إثارة الضوضاء، وهذا هو الشىء الوحيد الذى نجحت فيه، فهى دولة صغيرة تريد أن يكون لها صوت فى المجالين الإقليمى والدولى، عبر أكبر قدر ممكن من الضوضاء، لهذا فإن قناة الجزيرة أداة مناسبة جدا لها، لأنها تثير قدرا كبيرا من الضوضاء، إضافة بالطبع إلى قنوات الإخوان وصحفهم ومواقعهم، التى تتبناها الدوحة.
كيف ترى قرار واشنطن بالانسحاب من سوريا؟
العلاقات الدولية تشهد تحولا كبيرا على امتداد العالم، وفى هذا السياق أنت تبنى دائما على تحركات الأطراف الأخرى، فانسحاب دولة عظمى مثل الولايات المتحدة سيعزز مواقف دول أخرى، فإيران مثلا تريد تدشين جسر يعبر العراق، ومن أجل هذا ضخت استثمارات مخابراتية فى العراق، وتفعل الأمر نفسه فى سوريا، بينما تستهدف تركيا منع الأكراد من تشكيل قوة مؤثرة ودفع مشروعهم لإنشاء دولة كردية منفصلة إلى الأمام، فما يمس عظام الدولة التركية أن لديها أكبر كتلة كردية فى العالم، تتركز فى الجنوب الشرقى للبلاد، وتتقارب مع أكراد العراق وسوريا، بينما فى الوقت نفسه تستعيد روسيا قوتها من جديد كدولة عظمى فى العالم، وتريد التعبير عن هذه القوة فى كل المجالات المفتوحة. العالم الآن يحتضن 3 قوى عظمى، روسيا والصين والولايات المتحدة، فروسيا لديها قوة عسكرية ضخمة تعززها 9 آلاف رأس نووية، وتملك قيادة حازمة تصر على العودة للساحة العالمية من جديد، وهو الإصرار الذى قادها من قبل لدخول جورجيا وأوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وبالإصرار نفسه غيرت موسكو خريطة الصراع ومسار الحرب السورية، وبطبيعة الحال فإن استخدام هذه القوة والتركيز الكبير على الملف يشير إلى أن روسيا تجهز نفسها للبقاء طويلا فى سوريا.
فى رأيك ما السبب المباشر الذى دفع ترامب للانسحاب؟
ترامب الآن حر، ينفذ وجهة نظره ورؤاه للسياسة الخارجية، فخلال حملته الانتخابية كان يرى وجود القوات الأمريكية فى دول لا تستحق التواجد، مثل أفغانستان والعراق، أمرا ضاغطا ويترك أثرا سلبيا على واشنطن، إلى جانب أنه مغامرة فاشلة، وبينما كانت وجهة النظر الرسمية فى واشنطن وقتها، سواء فى الإعلام أو الكونجرس أو البنتاجون، تستند إلى قيادة أمريكا للعالم، يبدو ترامب غير مقتنع بهذه الفكرة، ويراها لعبة مكلفة للغاية، والأفضل أن تدير أمريكا نفسها بدلا من حكم العالم، ومؤخرا أصبح ترامب حرا بشكل كامل، وبدأ تنفيذ سياسته.
وما سبب هذه الحرية التى وصل لها الرئيس الأمريكى؟
يعود الأمر فى الجانب الأكبر إلى تخلصه من الوجوه المتحفظة أو غير المتوافقة مع سياساته، وبينما يرى البعض فى هذه الاستقالات حصارا ومعاناة، أراها تحريرا لـ«ترامب» وإطلاقا ليده، وليست حصارا على الإطلاق.
وهل يمثل فوز الحزب الديمقراطى فى انتخابات الكونجرس ضغطا على ترامب؟
بالطبع سيخلق هذا الفوز خلافا واضحا، والديمقراطيون دخلوا فى معركة تكسير عظام، لكن هذا الصراع أمر طبيعى فى بنية السياسة الأمريكية، فلم تسلم إدارة أمريكية واحدة من معاناة المواجهة مع أغلبية للحزب الآخر داخل الكونجرس، وغالبا ما يُستخدم هذا الأمر فى المساومة، لكن مازال موقف ترامب وخطابه اليمينى قويا.
هل نعيش حقبة اليمين؟ وهل ترى أن هناك صعودا له بأوروبا فى ضوء أحداث فرنسا؟
ما شهدته فرنسا فى الحقيقة كان من اليسار، لكن اليمين يصعد بقوة فى أوروبا، فالقارة تمر بأكبر اختبار منذ الحرب العالمية الثانية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى يمثل ضربة قوية واختبارا قاسيا، وأيضا ما حدث فى بولندا، وفى المجر وإيطاليا. كل هذه التطورات صنعها اليمين، فالتيارات اليمينية كانت وراء استفتاء بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبى «بريكست»، ووراء ما شهدته دول القارة الأخرى، لكن فى فرنسا وجدنا للمرة الأولى حركة شعبية يسارية انطلقت من ملفات الأجور والضرائب والوضع الاقتصادى، بينما اليمين الفرنسى يُعارض هذه التحركات ويؤيد ماكرون، وفى كل الحالات يحصل اليمين على دفعات قوية عالميا منذ الأزمة الاقتصادية فى 2008، وأزمات الشرق الأوسط واللاجئين، وفوز ترامب فى الولايات المتحدة.