تسيطر حالة من الغموض التام على سياسة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إزاء سوريا. فبعدما أثار الجدل بقراره الشهر الماضى سحب القوات البالغ عددها 2000 منسوريا ومطالبته للمسئولين العسكريين بتنفيذ ذلك خلال 30 يوما، عاد ليقول إن الانسحاب لن يكون سريعا ولا بطيئا، فيما اشار فى تصريح أخر إلى عدم وجود أنسحاب!
وتعكس التصريحات الصادرة من واشنطن حالة من الارتباك داخل دوائر صنع القرار والبنتاجون، لاسيما بعد استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس احتجاجا على القرار، فى ظل محاولات القادة العسكريين تحقيق توازن بين تنفيذ أمر القائد العام، وبين رعاية المصالح الأمريكية.
وكان الرئيس ترامب قد قال قبل يومين إن سحب قواته من سوريا لن يكون سريعا ولا بطيئا، لكنه رفض تحديد جدول زمنى لإعادة الجيش إلى بلاده.
وأوضح ترامب فى اجتماع لمجلس الوزراء فى البيت الأبيض: "لم أقل أبدا سريعا أو بطيئا"، مضيفا: "قال أحدهم لأربعة أشهر، لكننى لم أقل ذلك أيضًا". وكان هذا التصريح ردا على ما أكده مسئولون أن الانسحاب سيتم خلال أربعة أشهر.
وتابع ترامب فى تصريحاته قائلا: "نحن نخرج من سوريا. انظر، نحن لا نريد سوريا"، ليستكمل بعدها بالحديث عن الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما قائلا عنه: "لقد تخلى عن سوريا قبل سنوات عندما لم ينتهك الخط الأحمر".
كما تطرق ترامب، بحسب ما ذكرت شبكة سى إن إن الأمريكية، إلى سلفه أوباما، لقراره بـ"عدم انتهاك بيانه" حول الخط الأحمر فى سوريا باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين. وقال: "أنت تعرف أن صنع تهديد ما على ما يرام، لكن يجب عليك دائماً متابعة ذلك"، مضيفاً أن "سوريا ضاعت منذ زمن بعيد".
ورأى ترامب أن سوريا ليست أكثر من "رمل وموت" قبل الحديث عن الأكراد فى ذلك البلد. وقال: "الأكراد، إنه أمر مثير للغاية"، مضيفا أن "تركيا لا تحبهم".
وتابع: "لم يعجبنى حقيقة أنهم يبيعون النفط الصغير الذى يملكونه لإيران" و"نحن لا نشعر بسعادة غامرة بشأن ذلك"، معتبرا أنه "فى الوقت نفسه، يقاتلون بشكل أفضل عندما نقاتل معهم، لكنه استطرد قائلا: نريد حماية الأكراد على الرغم من ذلك، ولكننى لا أريد أن أكون فى سوريا إلى الأبد".
كما أعاد ترامب إحياء إدعائه بأن روسيا غير راضية عن انسحاب القوات الأمريكية لأنها تجبر القوات الروسية على السيطرة على القتال ضد داعش. وقال ترامب: "روسيا ليست سعيدة، أنت تعرف ماذا، إنها ليست سعيدة" و"نحن نقتلهم من أجلهم ... نحن نقتل داعش، أيضا، لإيران".
وكان إعلان الانسحاب من الأساس قد كشف عن وجود فجوة بين تفكير مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون الذى قال من قبل إن أمريكا لن تغادر سوريا قبل أن تخرج القوات الإيرانية وبين رغبة ترامب لغسل يديه من الحرب.
وحاول ترامب فى هذه التصريحات تهدئة المخاوف من تخلى أمريكا تماما عن مهمتها فى سوريا، وقال ترامب ب "لم أقل أبداً أننا سنغادر غداً"، مضيفا: "لقد قلت إننا نخرج جنودنا... لكننا نخرج بقوة كبيرة"، حسب تعبيره.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية علقت على ذلك، وقالت إن هذه التصريحات تقدم أحدث مثال على التقلبات الدرامية التى كانت سمت سياسته الخارجية وأثارت تساؤلات حول ما إذا كان كبار مستشاريه ينفذون سياساته أو يتابعون أجنداتهم الخاصة.
ويقول المنتقدون إن الخطة المتغيرة التى أقلقت حلفاء الأمريكيين ستقوى شوكة إيران وروسيا، وتمهد أيضا لمواجهة بين تركيا والأكراد التى كانت الولايات المتحدة حليفتهم فى المعركة ضد داعش.
وكان المسئولون العسكريون قد أعربوا عن تحفظات شديدة إزاء سرعة رحيل القوات الأمريكية فى الوقت الذى لايزال فيه المتطرفون، ورغم تراجعهم الكبير، يمثلون تهديدا ولا تزال تركيا تجعل الأولوية لمحاربة الاكراد