عندما يحرص أبناء أقصى القرى والنجوع فى الخارطة المصرية على مشاهدة مباريات فريق ليفربول الإنجليزى وتشجيع "الريدز" والفرح لفوزهم أو الأسى لخسارتهم فى مباراة ما، يكون المصرى محمد صلاح نجم نجوم هذا الفريق قد كتب صفحة جديدة ومضيئة فى "ثقافة كرة القدم المعولمة والتى تتجاوز حدود المستطيل الأخضر بل واللعبة كلها لأبعاد وجوانب ثقافية واجتماعية واقتصادية".
وواقع الحال أن ما يحدث فى المشهد المصرى يتكرر فى أماكن أخرى على امتداد الخارطة الكونية خاصة فى العالم العربى وأفريقيا وآسيا، ناهيك عن إنجلترا ومدينة ليفربول التى تزهو بناديها العريق الذى تأسس فى الخامس عشر من مارس عام 1892 فيما تتطلع لتتويج فريقها الكروى ببطولة الدورى الإنجليزى الممتاز "البريمير ليج" فى هذا الموسم وهو الدورى الأكثر إثارة وشراسة فى العالم.
ومع أن مباراة فريقى ليفربول ومانشستر سيتى أمس الأول "الخميس" انتهت بخسارة (الريدز) بفارق هدف واحد، فإنها تجسد معانى كرة القدم المعولمة، فيما حظيت بمشاركة وجدانية متدفقة من مشجعين لهذا الفريق أو ذاك على امتداد الكوكب الأرضى، بينما كانت القلوب والعقول فى مصر والعالم العربى وأفريقيا وآسيا تتمنى فوز ليفربول من أجل نجمها المحبوب محمد صلاح.
وتوقف نقاد ومعلقون عند ما ذكره المدير التنفيذى لنادى ليفربول بيتر مور من أن النجم المصرى محمد صلاح وسع من شعبية ليفربول فى منطقة الشرق الأوسط، حيث ارتفع عدد متابعى الفريق فيها "بصورة مذهلة".
وقال بيتر مور فى افتتاح مؤتمر دبى الدولى الرياضى مؤخرا إن "محمد صلاح قيمة جميلة فى الدورى الإنجليزى
ويعزز من قيمة ليفربول فى المسابقة"، مضيفا أن النجم المصرى "يتميز بالحس الفكاهى والمسئولية الاجتماعية والحضور مما جعل الملايين يتابعونه على وسائل التواصل الاجتماعى إلى جانب عدد من أهم وسائل الإعلام فى العالم".
ولن يكون من الغريب أن تستقبل المكتبة الرياضية العالمية كتبا عن الدور التاريخى للنجم المصرى محمد صلاح فى كتابة عصر ذهبى جديد لفريق ليفربول بقيادة مديره الفنى الألمانى يورجن كلوب، وبما يعيد للأذهان كتابا صدر مؤخرا بالانجليزية بعنوان "عبقرى هادئ: بوب بيزلى أعظم مدير لكرة القدم البريطانية".
وفى هذا الكتاب يسرد المؤلف ايان هربرت القصة الكاملة للرجل الذى حقق نجاحا غير مسبوق كمدرب لفريق ليفربول الإنجليزى ليهيمن على المسابقات الكروية المحلية والأوروبية ويفوز بـ20 لقبا كبيرا فى تسعة مواسم بين عامى 1974 و1983 بعد أن قام ببناء "أعظم فريق لناد بريطانى"، حتى أن الإنجازات الكبيرة لمدرب عظيم آخر هو السير اليكس فيرجسون المدير الفنى لفريق مانشستر يونايتد بين عامى 1986 و2013 تتضاءل بالمقارنة مع ما حققه "العبقرى الهادئ بوب بيزلى مع فريق الريدز"، على حد قول مؤلف هذا الكتاب الجديد الذى يتناول حقبة مهمة فى تاريخ ناد كبير
تحول فريقه الكروى إلى نموذج لكرة القدم المعولمة.
وبوب ليزلى الذى ولد فى الثالث والعشرين من يناير عام 1919 وقضى فى الرابع عشر من فبراير عام 1996، يوصف بأنه أحد أعظم مدربى كرة القدم فى التاريخ وهو البريطانى الوحيد الذى قاد فريقا إنجليزيا للفوز ثلاث مرات بكأس أبطال أوروبا، فيما يقول مؤلف الكتاب والكاتب الرياضى فى جريدة "ديلى ميل" البريطانية ايان هربرت إنه كان يتمتع "بعين استثنائية لاقطة للاعب الجيد وقدرة غير عادية على تشخيص مكامن الخلل فى فريقه، ناهيك عن الفرق المنافسة مع روح ساخرة ومرحة جعلته يسكن قلوب لاعبيه".
وهو على تواضعه وبساطته أحد المدربين العظام فى تاريخ الساحرة المستديرة الذين أدركوا برؤية ثاقبة أهمية عامل الهوية والشخصية لفريق نادى ليفربول بجذوره التاريخية وعلاقته الفريدة بهذه المدينة الواقعة شمال غرب إنجلترا، بقدر ما تجلت عبقريته فى فهم رسائل التطورات السريعة لكرة القدم والانفتاح على جديد الأفكار والخطط ليجذب "فريق الريدز" الكثير من المشجعين للعبة الجميلة حول العالم ويتحول "العبقرى الهادئ الى أسطورة لا تموت رغم أنه رحل عن الحياة الدنيا منذ أكثر منذ نحو 23 عاما.
ولئن استحق بوب هيزلى أن يتحول إلى أسطورة فى ليفربول، فها هو الألمانى يورجن كلوب يتحول إلى أسطورة جديدة فى فريق النادى المعولم والذى يضم أساطير كروية تتوهج الآن فى سماء الساحرة المستديرة، وفى الذروة منها النجم المصرى محمد صلاح.
ويتفق نقاد ومعلقون على أن فريق ليفربول الذى يضم العديد من اللاعبين غير الانجليز ويزهو بنجمه المصرى محمد صلاح، يبرهن على تعاطى هذا النادى العريق برؤية ثاقبة مع بعض الظواهر التى فرضت نفسها بقوة منذ سنوات على لعبة كرة القدم فى العالم، مثل مسألة العولمة، ويثبت أن لها جوانب إيجابية يمكن الاستفادة منها فى اللعبة الجميلة والعابرة للتقسيمات العرقية والتصنيفات الطبقية والفئوية.