- السعودية تشهد عملية إصلاح وتغيير وتنوير برعاية ولى العهد السعودى وهذا سينعكس بالإيجاب على مصر
تولى وزارة الثقافة فى توقيت حساس ومهم، وسعى من خلالها أن تصل الثقافة إلى كل نجوع وقرى مصر، بالإضافة إلى موقفه الواضح بشأن ملف تجديد الخطاب الدينى. إنه الكاتب الصحفى حلمى النمنم وزير الثقافة السابق، يتحدث فى حوار شامل لـ«اليوم السابع» حول العديد من النقاط بشأن رؤيته حول تجديد الخطاب الدينى ومفهومه، وموقفه من بقاء بعض الأحزاب الدينية، إلى جانب كيفية مواجهة الفكر المتطرف ودور المثقفين، واتجاه مصر نحو دولة مدنية حديثة، وأبرز ما فعله خلال توليه وزارة الثقافة، والدعم المالى الخاص بالأنشطة الثقافية وغيرها من الملفات والقضايا فى الحوار التالى:
بداية.. من المسؤول عن ملف تجديد الخطاب الدينى؟
- تجديد الخطاب الدينى ليس مسؤولية الأزهر فقط، ولكن منوطا به فى كل مؤسسات الدولة، فنحن نتكلم عن الأزهر وعن دار الإفتاء، وعن وزارة الأوقاف وعن الكنيسة أيضا، فكل هؤلاء مؤسسات دينية، وكل مؤسسات المجتمع لديها طرف فى هذا الموضوع، بالإضافة إلى وزارات الشباب والتعليم والثقافة، وفى خطاب التكليف لحكومة المهندس شريف إسماعيل، الذى صدر من الرئيس عبدالفتاح السيسى، كان على الحكومة أن تعمل مع الأزهر الشريف على تجديد الخطاب الدينى، وبالتالى فهذه مسؤولية كل هذه الأطراف.
وإحدى المشكلات فى هذا الملف أننا إلى الآن لم نتفق على ما هو المقصود بتجديد الخطاب الدينى، فتجديد الخطاب الدينى عند البعض يقتضى العودة إلى الإسلام الوسطى المعتدل، ومن الممكن ألا يكون هذا التعريف مرضيا للبعض، ويرون أننا إزاء الحضارة المتقدمة فى هذه الأيام وفى قضايا معاصرة، فإننا نحتاج إلى تجديد الخطاب الدينى، فلدينا قضايا علمية كثيرة لا بد أن نحسم فيها مسألة مثل زراعة الأعضاء، فقد تعطلت سنوات بسبب مثل هذه الموضوعات، فجزء من المشكلة أننا لم نتفق مع بعض حتى الآن.
البعض ينتقد أداء الأزهر فى تجديد الخطاب الدينى.. كيف ترى هذا الأمر؟
- الحديث حول أن الأزهر لم يأخذ خطوات فى تجديد الخطاب الدينى فهذا فيه ظلم كبير، فأنا أعلم أنهم فى الأزهر قاموا بمراجعات بعض المناهج وبعض الكتب التى كان بها شكوى فى المعاهد الأزهرية، وأظن أن هذه خطوة إيجابية لا بد أن نثمنها ونحييها ونقدرها، إلى جانب مشاركات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فى بعض المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر الأديان الذى عقد فى أبوظبى، وهذا يكشف أن الرجل مقتنع بهذه المسألة.
هل ترى أن جامعة الأزهر تخرج إرهابيين ومتطرفين؟
- لا داعى أن نتسرع فى إطلاق أحكام، لأنه لو قلنا إن جامعة الأزهر تخرج إرهابيين، فسنقول إن جامعة القاهرة تخرج إرهابيين، لأن محمد مرسى ومحمد بديع تخرجا فى جامعة القاهرة، وكذلك عصام العريان، وسنقول أيضا إن جامعة عين شمس تخرج إرهابيين، لأن صالح سرية أيضا متخرج فى كلية تربية جامعة عين شمس، وقام بعمل الماجستير بها، فلن يكون هذا على جامعة الأزهر فقط، بل على الأقل لدينا جامعة القاهرة وجامعة عين شمس وجامعة الإسكندرية وأسيوط والمنيا، فهؤلاء سأتهمهم أيضا بنفس التهمة، وبالتالى كون أن يخرج تنظيم إرهابى من داخل جامعة أو يخرج بعض الإرهابيين من جامعة ما، لا يعنى أن الجامعة تخرج إرهابيين.
كيف ترى كيفية مواجهة منهج الإخوان؟
- الإخوان هى منبع جميع التنظيمات الإرهابية، فكل الأفكار التكفيرية والإرهابية التى خرجت فى العصر الحديث انطلقت من جماعة الإخوان من حسن البنا وسيد قطب، وعادة الفكر لا ينتهى ولكنه يخبو أو يتراجع، فحسن البنا وسيد قطب استقا أفكارهما من جماعة الخوارج الذين كانوا وراء قتل الإمام على بن أبى طالب، ففكرة التكفير والإرهاب ليست جديدة، فما فعله حسن البنا أنه أخرج تلك الأفكار من الكتب القديمة وحولها إلى واقع، وكذلك سيد قطب، ولكن الفكرة نفسها قديمة، وكذلك الفكر النازى لم يختف نهائيا فى العالم والفكر الماركسى لم يختف نهائيا وما زال موجودا.
وهل ترى الآن فكر الإخوان يتراجع؟
- ثورة 30 يونيو فى حقيقتها هى هزيمة تامة ومطلقة لجماعة الإخوان وأفكارها، والقانون المصرى يعتبر الإخوان جماعة إرهابية، فهذا جزء من تراجع فكرهم، فالدولة يجب أن تكون منتبهة لهذه الخطوة، ولا يمكن التصالح مع فكر إرهابى على الإطلاق.
بما تفسر.. انضمام بعض أعضاء الإخوان لتنظيم داعش؟
- رأيت مبكر جدا أن داعش والقاعدة والنصرة والتكفير والهجرة وغيرهم كلها ليست سوى مسميات لجماعة الإخوان.
الدستور نص على حظر الأحزاب الدينية ولكن حتى الآن نجد أحزابا دينية مثل حزب النور والبناء والتنمية.. كيف ترى هذا الأمر؟
- الدستور يؤكد فى إحدى مواده أن الأحزاب لا تقوم على أساس دينى، وبالتالى على القائمين على تنفيذ الدستور واحترامه، أن يبحثوا هذا الأمر ويتم حل الأحزاب الدينية.
هل توافق على أن دور المثقفين قل فى مواجهة التحديات التى تتعرض لها الدولة؟
- هذا يعتمد على مفهومنا للمثقفين، فإذا فهمنا أن المثقفين يشكلون مجموعة من أسماء معينة، فنحن بذلك نضيق الدائرة، ولكن إذا نظرنا إلى الثقافة والمثقفين بدورها الواسع، فأظن أن المثقفين لم يتراجعوا.
توليت وزارة الثقافة فى فترة مهمة للغاية.. ما هى القضايا التى تصديت لها وحاولت التعامل معها خلال منصبك كوزير؟
- كانت أهم قضية لدى على الإطلاق هى أن نخرج بالثقافة من النخبة الصغيرة والمحصورة فى بعض مناطق القاهرة إلى مفهوم واسع وشامل، لذلك طرحت مشروع العدالة الثقافية، وأول خطوة قمت بها وأنا وزير كانت فى إسنا، وكنت قاصدا هذا الأمر كى أقول إن الخدمة الثقافية يجب أن تصل إلى المواطن المصرى فى كل مكان.
هل ترى أن الدعم المالى الموجه لوزارة الثقافة قليل؟
- يجب التفريق بين شيئين، هناك جزء من الميزانية المتعلق بالرواتب وحقوق الموظفين، وهذا أمر سائد فى الدولة، ولكن الجزء المخصص للأنشطة الثقافية محدود ينبغى زيادته.
الدكتور جابر عصفور قال فى حوار سابق معنا إن نصيب المواطن من الدعم الثقافى خلال العام جنيه واحد.. ما حقيقة هذا الأمر؟
- لنترك الأرقام جانبا، فعندما توليت وزارة الثقافة كان المبلغ المخصص لميزانية وزارة الثقافة للأنشطة الثقافية أقل من 48 مليون جنيه، فلكى تقوم بهذا المبلغ مجموعة أنشطة فيما يقرب من 600 موقع، فهو مبلغ هزيل جدا جدا، وطلبت زيادته ولكن البرلمان رفض.
قلت فى وقت سابق أن مصر تحتاج إلى تعميق حوار الثقافات.. كيف يتم ذلك؟
- بالطبع نحتاج إلى ذلك، فنحن نواجه نظرية صدام الحضارات والثقافات، كما نواجه نظرية العولمة التى تدعم نموذجا ثقافيا معينا على مستوى العالم، ونواجه أيضا النموذج الأصولى الذى يصر على أن هناك نموذجا معينا ينبغى أن يسود، وهؤلاء الثلاثة بالنسبة لمصر خطر، فعلينا أن نحترم الجغرافيا، التى تقول إن مصر جزء من ثقافة البحر المتوسط، ونحن أيضا فى قارة أفريقيا، وبالتالى الثقافة الأفريقية جزء أساسى من هذه الثقافة المصرية، ونحن جزء رئيسى من الثقافة العربية والثقافة الإسلامية، فإذا لم يحدث حوار بين هذه الثقافات سيصبح لدينا مشكلة.
نحن الآن منفتحون على القارة الأفريقية.. كيف يمكن أن نستفيد من الثقافة الأفريقية؟
- يحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى الانفتاح على أفريقيا وتعميق العلاقات مع دول حوض البحر المتوسط، فأفريقيا عمق استراتيجى حقيقى لمصر على كافة المستويات، وهذه مسألة تاريخية منذ مصر القديمة، فالبعض يتصور أن هذا مرتبط بالنيل فقط، ولكن المسألة أعمق من ذلك بكثير.
قلت أيضا إنه لا مستقبل لمصر دون دولة ديمقراطية مدنية حديثة.. هل ترى أن مصر تسير فى هذا النهج الآن؟
- 25 يناير و30 يونيو أكبر دليل على هذا الأمر، فـ25 يناير فى جوهرها كانت ثورة على الاستبداد، وثورة 30 يونيو كانت دفاعا عن وطنية الدولة ومدنيتها ضد جماعة المرشد، ولذلك نحن نسير فى طريق دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
وفى الحقيقة أنا منزعج من الأحزاب السياسية ودورها، وهذا سيجعل وجود دولة مدنية محفوفا بالمخاطر طالما ظلت الأحزاب ضعيفة.
كيف ترى وجود أكثر من 100 حزب فى مصر؟
- بغض النظر عن عدد الأحزاب، فقد يكون لدى 200 حزب، ولكن فى نهاية الأمر ربما يكون هناك حزبان أو ثلاثة رئيسية وفعالة وهذا غير موجود للأسف.
ومن يتحمل هذا الأمر؟
- هى أخطاء كثيرة جدا، فعادة فى تاريخ مصر كان كل حزب يقوم على شخصية كاريزمية، فنحن مفتقدون لهذه الشخصية الكاريزمية، فحزب الوفد قام على شخصية سعد زغلول، والحزب الوطنى القديم قام على شخصية مصطفى كامل، فبمجرد أن رحل مصطفى كامل انهار الحزب، والوفد بمجرد رحيل سعد زغلول حدثت انشقاقات، ولكن فى وجود شخصية كاريزمية مثل مصطفى النحاس أمكن الحفاظ على حزب الوفد، وقس على ذلك كثيرا من الأحزاب المؤثرة، فأول حزب فى مصر قام فى عهد الخديوى إسماعيل، وكان اسمه جماعة حلوان، قام على شخصيات مصر أحمد عرابى ومحمود سامى البارودى والشيخ محمد عبده.
إذن فأنت ترى أنه لا توجد شخصية حزبية كاريزمية حتى الآن؟
- مع الأسف، بالإضافة إلى تراجع الهم العام، وأصبحنا نخوض خلافات شخصية وخناقات صغيرة وحسابات المكاسب، وهذه أحد أسباب ضعف الأحزاب.
كنت قد طالبت بتأصيل التاريخ.. كيف يتم ذلك؟
- التاريخ ثابت ولكن ما يحدث هو آراء ووجهات نظر لبعض الأشخاص لشخصيات بعينها، فعندما نتحدث عن صلاح الدين الأيوبى، فالكتب التى أرخت له فى عصره موجودة، أو عندما نتحدث عن التاريخ الإسلامى فى فترة الفتنة الكبرى، سنرجع إلى التاريخ الطبرى وسيرة ابن هشام، فالتاريخ موجود ولكن ما يتغير هو وجهات النظر.
وكيف ترى هجوم البعض على صلاح الدين الأيوبى؟
- الأزمة تأتى فى أن صلاح الدين الأيوبى شخصية تركت أثرا كبيرا إلى اليوم فى الوجدان المصرى والعربى فى أشياء كثيرة جدا، فلقد عمل تحويلا كاملا للمنطقة لما أسقط الدولة الفاطمية الشيعية فى مصر، وبالتالى قام بتحويل كامل لتاريخ المنطقة، وكذلك دوره فى الحروب الصليبية وتحريره للقدس، وكذلك تسامحه الشديد مع خصومه فى الغرب حقق له مكانة كبيرة فى الثقافة الغربية، وبالتالى الهجوم عليه يهز الوجدان، خاصة أننا فى فترة فيها رغبة لدى بعض الأطراف لإقامة حروب مذهبية سنية شيعية.
البعض طالب بإلغاء تدريس المادة الدينية فى المدارس بدعوى أنها تساهم فى زيادة نزعة التطرف لدى بعض الطلاب.. هل تتفق مع هذا الأمر؟
- طوال القرن الـ20 وحتى قبل القرن الـ20 كانت تدرس مادة التربية الدينية، ولم يؤدى تدريسها إلى مشكلة، فالمشكلة الطائفية ظهرت فى مطلع السبعينيات، ولكن تدريس التربية الدينية يعود لما قبل ذلك، فالقضية ليست فى تدريسها أو عدم تدريسها ولكن ماذا يدرس فيها، فهل تدرس أفكار تدعو إلى التسامح وقبول الآخرين والإقبال على الحياة وإعمار الأرض، أم أنك تدرس أشياء تدعو إلى كراهية الآخرين ورفضهم، هل تدرس مواد تعلى من خانة العطاء أم الأنانية والانتهازية، فهذا سينسحب على مادة اللغة العربية وكذلك مادة التاريخ.
كيف ترى مواجهة الفكر المتطرف؟
- جزء من الفكر المتطرف هو جزء استخباراتى أجنبى، ففكر الإخوان ليس فقط معتمدا على فكرهم الداخلى، فالولايات المتحدة الأمريكية عليهم بعض الحرب العالمية الثانية لمواجهة الشيوعية وترسيخ نظرية آلان دالاس رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق، المتمثل فى أن الفكر الدينى فى العالم الإسلامى والفكر الكنسى فى العالم الغربى هو الوحيد القادر على مواجهة الماركسية، فإذا أغلقنا هذه المنطقة، فنحن بذلك نحد من فكرة الإرهاب وانتشاره، فلولا وجود إدارة أوباما فى البيت الأبيض أثناء ثورة 30 يونيو لما حدث اعتصام رابعة التابع للإخوان، فلا يجب أن نغفل هذا البعد، فخلال 30 يونيو أنت كنت محاصرا من أردوغان ومن قبله أوباما، ولكن بعد خروج أوباما الوضع تغير، وأصبح العالم يتفهمك ويتحدث عن محاربة الإرهاب.
كيف ترى صعود اليمين المتطرف فى أوروبا؟
- الأفكار الأصولية لديك سيوازيه صعود أفكار أصولية فى الغرب ممثلة فى اليمين المتطرف، وصعوده مرتبط بثقافة العولمة المنتشرة فى الغرب الذى حاولت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1990 أن تفرضه على العالم، فهذا رد فعل عنيف عليها.
وكيف ترى تزايد خطر المحور الإيرانى فى المنطقة العربية؟
- التحالف الرباعى العربى، وكذلك التحالف القائم بين مصر والسعودية هدفه الأساسى مواجهة الإرهاب، وبالتالى الإرهاب والتطرف الذى يهدد المنطقة العربية أولا يتمثل فى تنظيم الإخوان الإرهابى وما يتفرع منها، وبالتالى من الممكن أن تبحث عن مصادر تمويل هذا الإرهاب، ودول الرباعى العربى بما لديها من معلومات توصلت إلى أن قطر هى الداعم الأساسى لهذا الإرهاب فأخذت هذا الموقف منها.
ولكن فيما يتعلق بالدور الإيرانى فى المنطقة والصدام الأمريكى الإيرانى؟
- التمدد الإيرانى فى المنطقة سببه ما حدث فى العراق، وواشنطن سلمت العراق لطهران، والعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قائمة مهما حدث وخرج من تصريحات من الجانبين، فالعلاقة بين إيران وأمريكا أقوى مما نتخيل، فالولايات المتحدة الأمريكية سلمت مفتاح العراق إلى إيران، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى إيران فى صراعها مع روسيا.
كيف ترى الحركة التنويرية التى تشهدها السعودية الآن برعاية ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان؟
- السعودية بشكل عام تشهد عملية إصلاح وتغيير، وينبغى أن نكون سعداء بها، لأننا قبل ذلك كنا نهاجم ما يحدث، فإذا جاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولى العهد للقيام بعملية إصلاح وخطوات ثقافية وتنويرية، ينبغى أن تستمر وهذا سينعكس على مصر إيجابيا.