تقع العديد من المشكلات بين الأسر فى مسائل الإرث، وذلك لأن المورثين قبل وفاتهم يقومون بعمل "عقد قسمة" وهو عبارة عن ورقة عرفية تتم فيها عملية تقسيم الميراث وتوزيعه من مبانى وعقارات وأراضى وغيرها من الأملاك، ولكن يعانى الورثة عقب وفاة المورث من مشكلة عدم القدرة على تقسيم هذا الارث عليهم رغم أنهم جميعا متفقين على مبدأ القسمة العادلة لهذا الارث كل حسب نصيبه الشرعى.
فى التقرير التالى "اليوم السابع" يلقى الضوء على إشكالية عقد القسمة العرفي، هل يجوز طلب الحكم بصحته تمهيدًا لتسجيله؟ وهل هذه القسمة العرفية لها سند فى الشرع والقانون – بحسب الخبير القانونى والمحامى سامى البوادى.
للإجابة على هذا التساؤل - يجب فى البداية أن نتناول الكلام فى المسائل الآتية:
أولاً: إن عقد القسمة العرفى حرر فى هذه الحالة لا على أن يسجل وإنما قصد به قسمة العقار قسمة مهايأة وأنه يمكن التحرر منه حتى بعد الاعتراف به أمام القضاء.
ثانيًا: ليس من الضرورى تسجيل عقد القسمة الحاصلة بين الورثة عن حق موروث.
عن المسألة الأولى:
اعتاد المتعاقدون منذ صدور قانون - التسجيل الجديد - وسريان مفعوله أن يحرروا عقدًا تمهيديًا يثبتون فيه ما اتفقوا عليه من تعاقد أو تصرف، ويضمنونه نصًا خاصًا بالتعهد بالحضور أمام المحكمة للتصديق على العقد النهائي، ويكون ذلك بمثابة إعلان من ناحيتهم بأن القصد من التعاقد لم يكن مؤقتًا أو التزامًا شخصيًا غير محتاج للتسجيل، فإذا ما عدل متعاقد منهم عن تنفيذ تعهده هذا طلب المتعهد له إلى المحكمة الحكم بصحة التعاقد تمهيدًا لتسجيله وقيام ذلك مقام العقد المسجل تمامًا، وأظهر ما يكون ذلك فى تعهدات البيع والشراء لأنه لا وسيلة إلى تسجيل عقد البيع التمهيدى أو الابتدائى وإنتاج أثره إلا هذه الوسيلة التى ابتكرها شراح القانون المصرى – وفقا لـ"البوادى".
ولكننا إذا رجعنا إلى عقد القسمة يتبين أن المتعاقدين فى عقد القسمة العرفى لم يقصدوا أن يكون العقد نهائيًا، ويتبين لنا بالتالى أن نية المتعاقدين لا ترمى إلى أن يكون هذا العقد من العقود واجبة التسجيل، خاصة إذا لم يأتِ فيه المتعاقدون بذكر أى نص يوجب عليهم التصديق على العقد أمام أية جهة قضائية هذه هى نية المتعاقدين كما قلنا، ويؤيد نيتهم هذه:
أولاً: إن مثل هذه القسمة العرفية لها سند فى الشرع والقانون.
ثانيًا: أن لا حاجة إلى تسجيل عقد هذه القسمة كما سنبين بالبند التالي، فقد اصطلح فقهاء الشرع والقانون على تسمية مثل هذه القسمة بـ"قسمة المهايأة" وهى التى لا تعمل بالشكل القانوني، ولا يتعدى أثرها المنفعة، وقد قضى قضاء المحاكم بأن مثل هذه القسمة لا يجوز أن تكون أبدية على الصحيح وكذلك قضى فقهاء الشريعة الإسلامية أن هذه القسمة "غير لازمة ولو بعد الرضا" وأنه "إذا أباها بعض المستحقين (فى الوقف) بعد حصولها جاز نقضها وإبطالها وإن كان قد رضى بها من قبل" ومن ثم لا يكون لسبق الاعتراف بالقسمة أية قيمة ولو حصل ذلك أمام القضاء – الكلام لـ"البوادى".
عن المسألة الثانية
صدر قانون التسجيل الجديد فى سنة 1923 مبينًا نظام التسجيل الحديث ومعدلاً للقانون المدنى فى بعض أحكامه وملغيًا لبعضها الآخر، وإذا رجعنا إلى المادة "16" منه نتبين أنه قضى بإلغاء معظم مواد الباب الثانى من القانون المدنى الخاص "بإثبات الحقوق العينية" ولم يبقَ منه إلا بضع مواد منها المادة "610" ونصها: "ملكية العقار والحقوق المتفرعة عنها إذا كانت آيلة بالإرث تثبت فى حق كل إنسان بثبوت الوراثة"، أى بلا حاجة إلى تسجيلها كما اشترطت ذلك بقية مواد هذا الباب التى ألغيت، وبديهى أن القسمة من ضمن الحقوق المتفرعة عن الملكية العقارية.
ويستفاد مما تقدم أن فى إبقاء قانون التسجيل الجديد للمادة "610" من القانون المدنى إباحة صريحة بعدم ضرورة تسجيل عقد القسمة إذا كان خاصًا بعقار موروث، ولكننا من ناحية أخرى نرى أن نرجع إلى قانون التسجيل الجديد نفسه لنتبين ما إذا كان متمشيًا مع المادة "610" مدنى أم أنه أتى بنص يناقضها أو يلغيها، وبالرجوع إلى المادة الأولى منه نرى أنها توجب تسجيل كل عقد من شأنه إنشاء حق ملكية أو حق عينى عقارى آخر أو نقله أو تغييره أو زواله، ولما كانت القسمة ليست منشئة للملكية وإنما هى معلنة ومبينة لها فإن تسجيل عقدها ليس بلازم بناءً على ذلك.
غير أننا إذا انتقلنا إلى المادة الثانية من قانون التسجيل نرى أنها توجب تسجيل العقود والأحكام النهائية المقررة لحقوق الملكية أو الحقوق العينية العقارية الأخرى المشار إليها فى المادة الأولى بما فيها القسمة العقارية، وقد يظن لأول وهلة أن هذه المادة مناقضة للمادة "610" مدنى التى تظل سارية المفعول بمقتضى قانون التسجيل، ولكننا إذا ميزنا بين أنواع القسمة يتبين لنا أن المادة الثانية من قانون التسجيل لا تلغى بأى حال المادة "610" مدنى وأنها أتت للتدارك حالة خاصة وهى القسمة بين الشركاء أى قسمة العقار المملوك على الشيوع بغير طريق الميراث، أما القسمة بين الورثة عن عقار موروث فخاضعة بلا شك لحكم المادة "610" مدني، هذا هو التفسير القانونى المتمشى مع المنطق وإلا لما أبقاها الشارع.
التفسيرات فى 5 نقاط
ويدل على صحة هذا التفسير آراء الشراح وأحكام المحاكم، وها نحن أولاء نلخصها فيما يلي:
1-أن من ضمن العقود والأحكام الخاضعة للتسجيل فى عهد القانون المدني: عقود قسمة العقارات المشتركة لا الموروثة بمقتضى المادة "610" مدنى أهلى ويقابلها المادة "736" مدنى مختلط، وأن عقود قسمة العقار بين الورثة والأحكام الصادرة بهذه القسمة لا تحتاج إلى تسجيل ولما انتقل فى عهد قانون التسجيل الجديد.
2- لم ينص قانون التسجيل على وجوب إشهار الحقوق الآيلة بالإرث، بل قصر ذلك على "العقود الصادرة بين الأحياء"، ولذلك فلا يخضع للتسجيل محاضر حصر التركة، والأحكام الصادرة بتثبيت حق الوارث على العقار الموروث وعقود القسمة بين الورثة والأحكام الصادرة فيها إلخ
3-جاءت المادة الثانية متضمنة وجوب تسجيل الأحكام النهائية المقررة لحقوق الملكية أو الحقوق العينية العقارية، على أن هذا الوجوب على إطلاق نصه لا يسرى على ما يتعلق فيها بحق عينى ناشئ عن الوصية أو الوراثة، وبما أن هذه الحقوق نفسها غير خاضعة للتسجيل فيجب كذلك أن يكون الأمر بالنسبة للحكم الذى يصدر مؤيدًا لها شأن الحكم فى القسمة الحاصلة بالتراضى عن ميراث هو شأن القسمة التى حصلت بالتراضى بين الورثة فلا يسجل.
4-أن عقد القسمة بين الورثة تصرف لا حاجة لتسجيله للاحتجاج به على الغير لأنه لا حاجة لتسجيل الملكية الآيلة بطريق الميراث إذ الملكية تثبت فى حق الجميع بمجرد الوفاة وقد ثبتت أحكام محكمة الاستئناف المختلطة على هذا الرأي.
5-أن عقد قسمة المهايأة لا ينشئ إلا حقوقًا شخصية، أى إذا كانت هناك مطالبة بحقوق شخصية ناشئة عن شرط جزائى جاء ذكره بالعقد فرضً
ما يفيد أنه لا يشترط تسجيل عقد قسمة عرفى مؤرخ
ورُبَّ سائل يسأل: إذا كانت المادة "610" مدنى تتضمن التكلم على إثبات قسمة العقار الموروث، فما هو نص القانون المدنى الخاص بإثبات قسمة العقار المملوك عن غير طريق الميراث ؟ والجواب على هذا السؤال يزيدنا يقينًا بعدم الحاجة إلى تسجيل عقد قسمة العقار الموروث حتى بمقتضى قانون التسجيل الجديد، وذلك لأن القانون المدنى كان يفرق بين هاتين الحالتين فأتى بنص المادة "610".
ولم يفته النص على الحالة الأخرى - حالة إثبات قسمة العقار المملوك بغير طريق الميراث فقضى فى المادتين "611" و"612" بأن الحقوق بين الأحياء الآيلة من عقود انتقال الملكية أو الحقوق العينية إلخ تثبت بالتسجيل وأنه يلزم تسجيل الأحكام المتضمنة لبيان تلك الحقوق والعقود المشتملة على قسمة عين العقار أى قسمة العقار الآيل من عقود انتقال الملكية أو الحقوق العينية "كالبيع والرهن إلخ".
وقد حدث أن قانون التسجيل الجديد نقل حكمى المادتين "611" و"612" مدنى مع تعديل وتفصيل وإيضاح إلى المادتين الأولى والثانية منه وقضى بإلغاء المادتين "611" و"612" من القانون المدني، وأبقى المادة "610" .
الملخص
ويستخلص من هذا كله أن - القسمة العقارية - الواردة فى المادة الثانية من قانون التسجيل والتى توجب تسجيل عقودها والأحكام المقررة لها لا يقصد بها القسمة بين الورثة فى العقار الموروث، ونرمى بهذا كله إلى أن القانون لا يوجب تسجيل عقد القسمة بين الورثة فى العقار الموروث ومن ثم لا يجب أن يلزم أحد المتقاسمين الآخر بتسجيل عقد القسمة ما دام حقه ثابتًا ولا نزاع فى نصيبه ولا أن يحمله مصاريف دعواه بلا مبرر أو مسوغ وبالتالى لا يكون له ثمة فائدة أو مصلحة فى رفع هذه الدعوى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة