في الحقيقة أن المشرع قدر أن أداء المحامي لمهمته السامية من حيث رسالته لا يمكن أن يتحقق طالما لم يتحقق له الأمان والأمن والاستقرار للمكان الذي يمارس فيه عمله ومهنته ونشاطه، وبالفعل فالقانون أمن للمحامى مكتبه وكافة محتوياته وأدواته المستخدمة في مزاولة وممارسة نشاطه من الناحية المهنية.
في التقرير التالي يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية مدى جواز الحجز على مكتب المحامي بما فيه من كتب ومهمات تخصه، وبالأخص فى حال إذا كان مديناَ لأحد أو بمعنى أدق هل يجوز للمحكمة أن تصدر حكمها بالحجز على مكتب المحامى كونه مدين؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى محسن جمال.
المادة 55 من قانون المحاماة
فقط نصت المادة 55 من قانون المحاماة رقم 17/1983 على أنه: "لا يجوز الحجز على مكتب المحامي وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة المهنة"، كما وضعت المادة 306 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية نصًا عامًا لا يجوز بمقتضاه الحجز على ما يلزم كل مدين صاحب مهنة أو حرفة أيًا كانت من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته أو حرفته بنفسه إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة.
فقد نصت المادة 306 مرافعات سالفة البيان على أنه: "لا يجوز الحجز على الأشياء الآتية إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة: "ما يلزم المدين من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته وحرفته بنفسه".
مدى جواز الحجز على الكتب اللازمة لقيام المحامى بعمله
فلا يجوز الحجز على الكتب اللازمة لقيام المحامى بعمله سواء كانت كتباَ قانونية أو تتصل بعلوم اجتماعية يلزم معرفتها لمباشرة مهنته، وذلك أياَ كانت قيمتها، والأدوات التى يستعملها صاحب المهنة الحرة فى عمله كالطبيب والمهندس أو أثاث مكتب محامى، وغير ذلك مما يلزم لأي صاحب مهنة لمزاولة مهنته، بشرط أن تلزم لمزاولة المهنة ويستعملها بنفسه، فإذا كانت مملوكة له ويستعملها غيره ككاتبه أو وكيله جاز الحجز عليها.
وهو ما يعنى أن المادة 306 من قانون المرافعات أجازت الحجز على محتويات مكتب المحامى - لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها - إلا أن المادة 55 من قانون المحاماة حظرت الحجز مطلقاَ دون النص على أى استثناءات طالما يتم استخدام محتويات المكتب لمزاولة المهنة، ولا شك أن النص الأخير قد ورد ضمن قانون المحاماة وهو قانون خاص وضع فى تاريخ لاحق لقانون المرافعات، ومن ثم ينبغي تطبيق أحكام قانون المحاماة عملاَ بقاعدة "الخاص يقيد العام".
شروط وضع الحراسة على مكتب المحامى
أضف إلى ذلك أن من بين شروط وضع الحراسة، أن يكون المال مما يجوز أن يعهد بإرادته للغير، وبالتالي فإن عدم قابلية المال لأن يعهد بإرادته للغير يمنع من وضعه تحت الحراسة، وهو ما يتحقق بشأن مكاتب المحامين وعيادات الأطباء ونحوهم من ذوى المهن الحرة، إذ لا يتصور أن يحل الحارس محل المحامى أو الطبيب فى مكتبه أو عيادته، نظراَ لأن الاعتبار الشخصي الملحوظ في هذه المهن يمنح ذلك.
ويشمل الحظر الوارد بالفقرة الأولى من المادة نصت المادة 306 من قانون المرافعات كل ما يلزم صاحب المهنة أو الحرفة لمزاولة مهنته أو حرفته كالكتب اللازمة للمحامي لمباشرة مهنته سواء كانت كتبًا قانونية أم تتصل بعلوم اجتماعية يلزم معرفتها لمباشرة مهنته أيًا كانت قيمتها واللزوم مسألة نسبية تختلف باختلاف المهنة واختلاف مركز الشخص فيها.
واقعة عملية
في سبتمبر 1946 حدث اعتداء من جانب أحد الشخصيات الاعتبارية على بعض المحامين، فاجتمعت الجمعية العمومية للنقابة في اجتماع غير عادي في 20 سبتمبر 1946 وقررت ما يلي :-
1-توافق الجمعية العمومية على ما تم في تسوية الحادث الذي وقع بين الشخصية الاعتبارية والمحامين، وذلك بزيارة الشخصية الاعتبارية لدار النقابة وإظهار أسفه وإعرابه عن تقديره واحترامه للمحامين الذين تقدموا بالشكوى لمجلس النقابة، مما جعل المجلس و المحامين يعتبرون أن الحادث المذكور قد انتهى.
2-تقرر الجمعية العمومية للمحامين أن المحاماة عنصر أساسي في النظام القضائي، وأن العدالة لا يمكن أن تتحقق تمامًا إلا بتعاون عناصر النظام القضائي كله وتبادل الاحترام والتقدير بين القضاء والمحاماة، وأن كل اعتداء على كرامة المحامين أو حقوقهم وكل حد من قيامهم بواجب الدفاع فيه إخلال خطير بالعدالة لن تقبله الجمعية العمومية، وهي تأمل أن يكون هذا الوضع دائمًا محل تقدير من الجميع، كما تود ألا تتجدد حوادث الاعتداء وإلا فإنها على استعداد في كل وقت لأن تجتمع وتقرر ما تراه لازمًا للمحافظة على كرامة المحامين وحقوق المهنة ولو أدى الأمر إلى امتناع المحامين عن مباشرة عملهم حتى تسير الأمور في مجراها الطبيعي.
وفي بداية عام 1949 حينما كان يجرى إعداد مشروع جديد لقانون الإجراءات الجنائية اتجهت اللجنة المختصة في مجلس الشيوخ إلى أن المحاماة رسالة الحق ونصيره وصوته، والمحامون هم فرسان هذه الرسالة، الحاملون لأمانتها، الناهضون بها، الباذلون بصدق وأمانة ومضاء وإخلاص في محرابها، يحتضنون في ضمائرهم أوجاع وآلام وهموم الناس، يخوضون الغمار ويجتازون الصعاب للقيام برسالتهم النبيلة، قوامها الحجة والبيان والبرهان، ورايتها الحق والعدل والحرية.
وهذه الرسالة الضخمة، تستلزم استلزام وجوب أن توفر للمحامي وللمحاماة الحصانة والحماية الكافية، حصانة المحامي وحمايته في أداء رسالته وحمل أمانته، هي حصانة وحماية للعدالة ذاتها، لأن النهوض بها عبء جسيم، ولأن غايتها غاية سامقة يجب أن يتوفر لحملة رايتها ما يقدرون به أن يؤدوا الرسالة في أمان بلا وجل ولا خوف ولا إعاقة ولا مصادرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة