"الدواعش سوف يأتون إلى هنا.. سوف يدمرون الولايات المتحدة".. هكذا أطلق نائب الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن تحذيراته إلى المواطنين الأمريكيين، خلال مناظرة انتخابية بين المرشحين الديمقراطيين، فى وقت مبكر اليوم الثلاثاء، للفوز بترشيح حزبهم لخوض الجولة النهائية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ملقيا باللوم على قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، والذى تزامن مع العدوان التركى على منطقة الشمال السورى، والذى سيفتح الباب أمام عودة داعش من جديد إلى صدارة المشهد، فى الوقت الذى تهدد فيه أنقرة بفتح أبوابها أمام اللاجئين (ومن يتسلل بينهم) لدخول الأراضى الأوروبية، فى تهديد صريح من قبل النظام التركى باستخدام ورقة "داعش" للضغط على حلفائه الغربين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
ولعل التصريح الذى أطلقه بايدن يأتى فى إطار حملة تهدف إلى تشويه قرار الإدارة الحالية، بالانسحاب العسكرى من سوريا، إلا أنه فى الوقت نفسه يحمل إعترافا ضمنيا بخطايا الإدارة السابقة، والتى شغل بايدن بها منصب نائب الرئيس، فى ظل الدعم الكبير الذى قدمه الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما لتركيا، باعتبارها الحليف الرئيسى لواشنطن فى منطقة الشرق الأوسط، على حساب القوى الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية، فى إطار سياستها التى قامت على تمكين التيارات المتطرفة من السلطة فى دول المنطقة تحت غطاء "الربيع العربى"، بينما تقاعست فى حربها على داعش، عبر التحالف الدولى، مما ساهم بصورة كبيرة فى استعادة روسيا لجزء من نفوذها فى المنطقة عبر البوابة السورية.
مخاطر داعش.. صفقة أوباما وحلفاءه مع الإرهاب
يبدو أن تصريحات بايدن حول المخاطر التى تشكلها داعش على الولايات المتحدة، أو الغرب بشكل عام، وإن كانت تهدف إلى تشويه صورة إدارة ترامب، إلا أنها فى الواقع تمثل إدانة لسياسات الإدارة الديمقراطية السابقة، فى ظل تعاونها مع العديد من التنظيمات الإرهابية، والحكومات الداعمة لهم فى المنطقة، وعلى رأسهم تركيا، فى إطار رغبتها فى إعادة تقسيم المنطقة، عبر التحالف مع التنظيمات الإرهابية، شريطة ألا تتعرض لها، وهى السياسة نفسها التى انزلق فيها حلفاء أمريكا الأوروبيين، وعلى رأسهم دول الاتحاد الأوروبى، والتى اعتمدت استراتيجية تقوم على فتح أبوابها للمهاجرين، ومن بينهم عناصر متطرفة.
ولكن بالرغم من ذلك، لم تنجو دول المعسكر الغربى، من استهداف التنظيمات المتطرفة منذ عهد الإدارة الأمريكية السابقة، سواء بصورة فردية من قبل موالين لهم، تمثلت فى حوادث إطلاق النار المتتالية التى تشهدها المجتمعات الغربية بصورة متواترة، أو فى صورة عمليات جماعية منظمة، أدت إلى مقتل المئات من مواطنى تلك الدول فى الداخل، بالإضافة إلى قيامهم باستقطاب عناصر متطرفة من تلك المجتمعات للانضمام إليهم، سواء فى سوريا أو العراق، ليصبحوا فيما بعد قنبلة موقوته تهدد دول الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
إرث أوباما.. خيارات محدودة أمام ترامب
وهنا يمكننا القول بأن التداعيات المحتملة لعودة داعش هو فى حقيقته جزءا لا يتجزأ من الإرث الذى تركته إدارة أوباما، سواء بالتحالف مع تركيا، والتى تعد الداعم الأكبر لداعش فى الشرق الأوسط، أو مهادنتها للتنظيمات الإرهابية، إلى الحد الذى وصل ليس فقط إلى التقاعس فى مواجهتها عسكريا فى سوريا والعراق، ولكنه امتد إلى تمكينهم من السلطة فى العديد من بلدان المنطقة، كما أنه على الجانب الأخر نتيجة لسياسة المؤسسات الأوروبية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبى، والتى قامت على فتح الحدود أمام القادمين للدخول إلى دول القارة العجوز من كل حد وصوب، لتصبح الإدارة الأمريكية الحالية بين خيارين، وهما إما البقاء العسكرى للقيام بدور شرطى المنطقة، فى الوقت الذى تعانى فيه من تهديدات أمنية بالداخل، أو الانسحاب العسكرى لخفض التكاليف الباهظة التى تتكبدها الخزانة الأمريكية بسبب انتشارها العسكرى، مقابل تشديد الإجراءات الأمنية فى الداخل.
ولعل مسألة الأمن فى الداخل الأمريكى كانت تمثل أولوية قصوى للإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما بدا واضحا فى الإجراءات التى سعى الرئيس الأمريكى إلى اتخاذها لمكافحة ظاهرة الهجرة غير المشروعة، والتى ساهمت فى زيادة معدلات الجريمة، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية المترتبة عليها، وهو الأمر الذى يحظى بقبول كبير من قبل قطاع كبير من المواطنين الأمريكيين، بينما أثار جدلا كبيرا داخل أروقة السياسة الأمريكية، خاصة بعدما استعاد الديمقراطيون أغلبيتهم فى الكونجرس بعد انتخابات التجديد النصفى التى أجريت فى شهر نوفمبر الماضى.
كابوس داعش.. الديمقراطيون على نفس الدرب
ويمثل النزاع بين الأغلبية الديمقراطية بالكونجرس من جانب، والبيت الأبيض من جانب أخر، على خلفية مواقف الأخير من مسألة الهجرة، دليلا دامغا على إصرار الحزب الديمقراطى على الاحتفاظ بإرث الإدارة السابقة، عبر التشدق بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، على حساب مصلحة المواطن الأمريكى، وحالة الاستقرار الأمنى فى البلاد، وبالتالى فشلهم الذريع فى إدراك دروس الماضى، والذى مازالت تداعياته حاضرة، وهو الأمر الذى تجلى بوضوح فى موقف الديمقراطيين من قضية بناء الجدار العازل على الحدود الأمريكية المكسيكية، والتى دفعت ترامب إلى إعلان حالة الطوارئ لتمويله رغم أنف خصومه.
يبدو أن الإجراءات التى اتخذتها الإدارة الأمريكية فى الآونة الأخيرة تمثل امتدادا صريحا لأولوياتها، وعلى رأسها الأمن فى الداخل الأمريكى، على حساب الطموحات المرتبطة بالنفوذ والهيمنة، وهو الأمر الذى دفع خصومها إلى اتهامه عدة مرات بالعمل لصالح الخصم التاريخى للولايات المتحدة، وهو روسيا، خاصة بعدما ترك الساحة السورية خالية تماما للدب الروسى للاستئثار بالنفوذ هناك فى المرحلة المقبلة.