الادعاء الفيدرالي السويسري وتهمة "الفساد الخاص"
لقد مر عامان منذ أن وجّه الادعاء الفيدرالي السويسري تهمة "الفساد الخاص" إلى ناصر الخليفي وجيروم فالكي، وتشتبه الوزارة العامة للكونفدرالية (الجهاز المعني بالتحقيق والاتهام في سويسرا) في أن يكون ناصر الخليفي رئيس "بي إن سبورتس" BeIN Sports قد قام بتمويل فيلا الأمين العام السابق بالاتحاد الدولي، إذ إنه "مرتبط" بعقد آخر وقّعه الاثنان في نفس الوقت، وهو عقد شراء حقوق النقل التلفزيوني لكأس العالم من قِبل BeIN مقابل 480 مليون دولار.
وثائق سرية تم تحليلها من قِبل "ميديا بارت"، وشركائها في شبكة التعاون الأوروبية الاستقصائية (EIC)، والتي تكشف كواليس هذه القضية المحرجة للغاية بالنسبة إلى ناصر الخليفي، الذي سبق وأن وُجهت إليه اتهامات فساد في فرنسا فيما يخص قضية بطولة العالم لألعاب القوى.
تُظهر وثيقة سويسرية أن مالك قنوات BeIN ، هو من قدّم الفيلا في البداية إلى فالكي، واشتراها ناصر الخليفي في النهاية بواسطة شركة مسجلة في قطر، ثم أعاد بيعها إلى أحد أصدقائه الذي قام بتأجيرها على الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم بشروط غير اعتيادية.
يكشف تحقيقنا أيضاً عن وجود صلة محتملة بتنظيم كأس العالم 2022 في قطر، والذي يخضع إلى التحقيق القضائي بتهمة الفساد في فرنسا، وسويسرا، والولايات المتحدة الأميركية. حيث يهتم المحققون الفرنسيون بعقدٍ اقترحه ناصر الخليفي على الفيفا قبل التصويت في الثاني من ديسمبر 2010: وعدت قنوات BeIN بشراء حقوق النقل التلفزيوني لبطولة العالم مقابل 300 مليون دولار، بالإضافة إلى مكافأة قدرها 100 مليون دولار في حال فازت قطر بتنظيم نسخة 2022.
بعد دفع ثمن نقل كأس العالم، هل فعلت قطر الشيء نفسه بعد 4 أعوام من أجل الحفاظ عليه؟
تشير وثائق صادرة عن تسريبات كورة القدم (Football Leaks) ، إلى أن تمديد هذا العقد، الموقع عام 2014 ، في نفس الوقت الذي تم فيه تأجير الفيلا، من المحتمل أن يكون نظير قبول الفيفا بتنظيم كأس العالم في قطر خلال فصل الشتاء. ويُظهر تحقيقنا على كل حال أن الدوحة كانت كريمة مع الاتحاد الدولي وأمينه العام جيروم فالكي، في الوقت الذي كان فيه تنظيم كأس العالم في قطر مهددًا.
رفض محامي ناصر الخليفي، السويسري جريجوار مانجات، الرد على أسئلتنا وفضل التحدث مساء البارحة إلى صحيفة لوموند. واكتفى المحامي مانجات بالإشارة إلى أن موكله "أنكر بشدة ارتكابه أدنى مخالفة للقانون"، واستطرد بأنه "يستنكر التلاعب الإعلامي المستمر والمندرج على نحوٍ يثير الشك تحت خطابٍ سياسي تسبب في نشوء توترات موجهة ضد قطر وضد شخصه".
وأضاف قائلًا : "فيما يتعلق بموضوع الدعوى، سيكتفي الخليفي ببساطة بالقول مرة أخرى إنه لا يملك الفيلا، ولم يكن يوماً مالكاً لها".
وصرح المحامي، باتريك هونزيكر عن موكله فالكي: "إنه ينكر رسميًا أنه تلقى أي منافع غير مستحقه"، كما أشار لنا إلى أنه لم يكن المفاوض ولا صانع القرار فيما يخص العقود مع BeIN، وأضاف : "أنه لم يؤثر أبدًا على اتخاذ القرارات بطريقةٍ قد تتعارض مع واجباته".
بدأ كل شيء في صيف 2013، وبعد مرور ست سنوات على تواجد جيروم فالكي في الفيفا، الذي أصبح غنيًا؛ حيث يتقاضى 120 ألف يورو شهريًا ومكافأة قدرها 15 مليون يورو، لقد تذوق الصحافي السابق في قناة (Canal+) طعم الرفاهية. ويميل إلى الإفراط في السفر على متن يخت خاص على حساب الاتحاد، إحدى الحالات التي أدت إلى إيقافه في عام 2015، ومن ثم تم حظره لعشرة أعوام واتهامه من قِبل الادعاء الفيدرالي السويسري.
كما أشارت تسريبات أوراق بنما (Panama Papers)، لقد أنشأ جيروم فالكي في يوليو 2013م شركة خارجية سرية تسمى "Umbelina" في جزر فيرجن البريطانية، من أجل شراء يخت تصل قيمته إلى 2.8 مليون دولار، وطوله 32 متراً، وأعاد تسميته بـ"أورنيلا" تيمناً باسم زوجته، وتم تجديده بمبلغ 15 مليون يورو، وأشار محاميه إلى أن شركة Umbelina ليس لها أي حساب بنكي وتم إنشاؤها "للحفاظ على علم جزر فيرجن البريطانية التي كان فيها اليخت".
يحلم جيروم فالكي ، بإرساء يخته في بورتو سيرفو، وهي قرية غنية للغاية تقع شمال شرقي سردينيا، والتي تجذب نُخبة أثرياء العالم. حيث تقع فيلا سيليفيو بيرلوسكوني في الجوار، ويتمنى فالكي شراء "فيلا بيانكا" التي يملكها "ليلي مورا" رجل الأعمال الذي ينظم السهرات الشهيرة (bunga bunga) لرئيس الوزراء الإيطالي السابق. وتقع الفيلا داخل منطقة فخمة مسوّرة، إنه منزل الأحلام بمساحة 438 متراً مربعاً، يتضمّن 13 غرفة وحمام سباحة.
وفي الثالث عشر من أغسطس 2013، وقّع جيروم فالكي عرض شراء الفيلا بـ5 ملايين يورو، وتم قبوله في بداية شهر سبتمبر، وكَتَبَ في ذلك المساء لأحد المقربين منه : "تم تأكيد شراء المنزل الليلة، أنا أملك عقارًا في بورتو سيرفو!".
وفي الثاني من أكتوبر، كتب فالكي لمؤسسةٍ مالية أنه: "ينهي عملية تملك المنزل، بدون ائتمان بسبب التدفق النقدي الاستثنائي الذي يغطي تكلفة التملك، وهي 5 ملايين يورو"، تمت صياغة وثيقة البيع بتاريخ 8 نوفمبر، وهو اليوم المقرر للتوقيع. قامت أورنيلا زوجة جيروم فالكي (لقد تطلقوا منذ ذلك الحين) بالتوقيع كمشترية، لأنها تحمل الجنسية الإيطالية، وفقاً لمحاميها.
وفي الثلاثين من أكتوبر، أي قبل أسبوع من التوقيع، كتب فالكي وثيقة موجهة إلى ناصر الخليفي وهي عبارة عن تعليمات من أجل شراء الفيلا، "التي يبدو أنه قد سلمها" إلى رئيس نادي باريس سان جيرمان وقنوات BeIN Sports، كما دوّن ذلك الادعاء الفيدرالي السويسري في مذكرة موجزة.
كتب فالكي: "عليك توقيع [...] التوكيل الخاص، لمنح المحامي تفويضاً من أجل توقيع وثيقة البيع نيابةً عنك، لستَ بحاجةٍ إلى توقيعه، اِطلع عليه فقط، كل شيء على ما يرام"، وأضاف: "يجب إجراء حوالة بمبلغ 5,070,000 يورو في مطلع الأسبوع القادم إلى حساب كاتب العدل. ويجب أيضاً إجراء حوالة بمبلغ 200,000 يورو إلى حساب لتغطية الرسوم الإدارية للوكالة".
ولكن وفي اللحظة الأخيرة تم إلغاء البيع لزوجة جيروم فالكي، وتم استبداله بأسلوب أكثر سرية، وأقل خطورة بلا أدنى شك.
وفي الحادي والثلاثين من ديسمبر 2013، اشترى ناصر الخليفي "فيلا بيانكا" من خلال "Golden Homes real Estate" وهي شركة قطرية يملكها الخليفي أقرضها 5 ملايين يورو. بعد ذلك قام رئيس باريس سان جيرمان بنقل أسهم الشركة إلى صديق يعرفه منذ 15 عام والذي بدوره سدد القرض وقام بتأجير الفيلا لفالكي. صديق الخليفي هو رجل قانون فرنسي مقيم في قطر اسمه "عبد القادر بصديق"، يعمل أخوه أحمد في BeIN Sports ، وهو مستشار مقرب لناصر الخليفي، وكتبت مجلة ليكيب الفرنسية في ذلك الوقت: "في ظل ظله".
يؤكد محامي عبد القادر بصديق ، أن شقيقه هو الذي نصحه بتملُّك الفيلا لأنها كانت "صفقة جيدة"، لو اشتراها ناصر الخليفي منذ البداية، فلن يكون ذلك إلا بسبب مشكلة إدارية: "لم يستطع موكلي تملك العقار عن طريق شركة قطرية قبل الحصول على موافقة، وجاءت هذه الأخيرة بعد البيع مباشرة فأصبح فورًا مالك شركة "Golden Homes Real Estate"، أكد لنا محامي ناصر الخليفي هذه الحقائق، وعلى الرغم من ذلك لا يزال يدعي بأن موكله: "لم يكن يومًا مالكًا للفيلا"، وهذا غير صحيح.
رحلة بطائرة خاصة لزيارة الأمير
أخبرنا جيروم فالكي، على لسان محاميه، أن هذه صدفة. ويُؤكد أنه "لم يسبق أن كانت هناك أي مشكلة" في أن يموّل ناصر الخليفي ثمن الفيلا، التي كان يأمل في شرائها بمكافأة من الفيفا، قبل إلزامه بالتخلي عنها، ويقول إنه لم يعلم بذلك إلا بعد أن استأجر المنزل في النهاية من رجل ظَهَرَ فيما بعد أنه "مقرّب للسيد الخليفي".وتكشف وثائق سرية من تسريبات كرة القدم (Football Leaks) عن القصة السرية.
جيروم فالكه في قلب هذه القضية الشائكة
يَعتبر الأمين العام السابق للفيفا أنه من "الطبيعي" أن قطر قد درست "إمكانية التعويض عن خسارة بعض الإيرادات" المرتبطة بتنظيم كأس العالم في الشتاء.
وأوضح فالكي أنه عندما قال في أكتوبر 2013 ، إن هذه الأموال يمكن أن تأتي من "شركاء تجاريين"، فإن ذلك لم يكن يشمل "الشركاء الإعلاميين مثل BeIN".
ووفقا له، "يتوافق العقد مع BeIN مع اكتساب حقوق طويلة الأجل، وهو ما يتماشى مع ممارسة الفيفا" ويسمح بـ "تأمين" مصالحها.
واستمرت قطر، على أي حال، في تدليل جيروم فالكي، في فبراير 2015، خلال إحدى الرحلات إلى الدوحة، تلقى ساعة كارتييه (Cartier) بقيمة 40,000 يورو.
وأوضح محامو ناصر الخليفي لـ لوباريزيان، أن موكلهم ليس له صلة بهذه الهدية، المقدَّمة بمبادرة من دائرة المراسم في قطر.
يقول فالكي إنه "لا يعرف" من الذي قدّم له هذه الساعة التي "وُضِعَت في غرفته بالفندق".
وفي سبتمبر 2015، تم إيقاف جيروم فالكي من قبل الفيفا، ووفقًا لمعلوماتنا، فقد توقّف عن استئجار الفيلا في نفس العام.
ومن جانبه، نقل عبد القادر بصديق، صديق ناصر الخليفي، في مارس 2017 شركة جولدن هوم، مالكة فيلا بيانكا، من قطر إلى إيطاليا، وبعد رحيل جيروم فالكي، تم تأجيرها لسياح أثرياء، ولكن المسكن الأبيض ظل فارغًا منذ عامين، ولا يزال قيد الحجز القضائي، فقد انتهت الحياة الحلوة بالفعل.