بينما كان القلم بين السبابة والوسطى أصابته قشعريرة وهو يحاول أن يلملم شتات حروف هجائية فى قالب يصل الى المتلقي ليعبر بسهولة ويُسْر عن ظاهرة مقيتة انتشرت فى أوصال مجتمعاتنا العربية كانتشار النار فى الهشيم اليابس فى يوم رياحه غاضبة وهى ظاهرة محاولة إضحاك الناس بامتهان المواقف والأحداث وذلك بالتقليل والتحقير تحت ستار المزاح أو الهزار وربما تكون تلك المحاولات مغموسة بالكذب والتدليس وهذا الكذب يؤذي الحاضرين، أو يكون مغضبا لله ولو أراد الإضحاك وتذكرت قول النبى صل الله عليه وسلم (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم، ويل له، ثم ويل له ) . صدق رسول الله صل الله عليه وسلم ، والويل اختلف تفسير المفسرين له حسب وروده فى العديد من الآيات القرآنية فمنهم من قال واد فى جهنم أو العذاب الشديد أو التهديد بالعذاب والوعيد. والشاهد من كل ذلك أنه أمر جلل ينتظر تلك الطائفة التى أتخذتها وسيلة لتشترى بها الحياة الحقيقية فى الأخرة عندما يتم العرض على الخالق المعبود جل جلاله .
وعندما ننظر إلى المجتمع اليوم نجد الابتذال هو شعار لمرحلة جديدة عنوانها الإسفاف فى كل شىء وبشتى الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة والمكتوبة من مسرحيات ، أفلام ، برامج ، مجلات ، جرائد ، حفلات وجلسات الأصدقاء والزملاء فى المنتزهات والمقاهى والشوارع وعلى صفحات الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي المتجددة النامية يوماً بعد يوم .
لفت انتباهي خاطرة من أحد الأصدقاء يتحدث فيها عن رد الفعل من بعض الفئات على ما يدور فى لبنان من مظاهرات مطالبة بإسقاط النظام الحاكم هناك والإسفاف فى حروفنا التى ننشرها تجاه هذا الحدث وتقزيمه فى نزول الحرائر فى هذا البلد وأنهم سيكونون لاجئين يتم استقبالهم فى أوطاننا للزواج منهم أو بغايا بسبب الاحتياج او الفقر ويقضون فيهم وطرهم وكأن الفحولة فينا أصبحت شغلنا الشاغل فى وطن يئن أيضا من ارتفاع الأسعار ، العجيب في الأمر أن مدعى الفحولة والذكورة من مرتادى الصيدليات للحصول على المنشطات الجنسية بدلا من رغيف الخبز أو السعى فى مناكب وأكناف الوطن للتعمير والبناء والتشييد بدلا من اللطم والندب واحتضان الحظ النحس ومعاقرة المواد المخدرة المغيبة للعقول والعيش فى الحياة كالمساطيل .
(ضحكني وقول لي نكته) كلمتان يتم ترديدهما كثيرا فى محاولة للانسحاب من الواقع المحيط وشتان بينهما وبين التبسم الذى تعلمناه من وجه الرسول البشوش الذى لم تنتفخ أوداجه الا عند انتهاك حدود الله وكان يدعو الى التبسم فى وجه الآخرين وكما روى لنا أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرَّجل في أرض الضَّلال لك صدقة، وبصرك للرَّجل الرَّديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشَّوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)).
صدق رسول الله صل الله عليه وسلم هذا هو ديننا وهذه أخلاقياتنا التى تندثر يوما بعد يوم ليتحول الوجه الطلق الطبيعى الى الوجه الطلق المصطنع المرتوى من كرامات الآخرين ولا انسى تلك السيدة التى كذبت على طفلها بإعطائه الحلوى ونهرها الرسول صل الله عليه وسلم وانها ان لم تعطيه فستكون فى طائفة الكاذبين فى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصِّدق، فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا ) .
وتأسيسا على ذلك فقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم بالباطل ليضحك الناس، عليه أن يصون لسانه وألا يعلق شيئًا يضحك الناس، وهو لا يجوز في نفسه إما كذب وإما سب لأحد وإما استهزاء بأحد وكل هذا من الأمور المنكرة التى يأنفها الشرع ويلفظها الخلق الحسن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة