- أرض "أم زغيو" علامة استفهام مثيرة فى ملفات "الإسكندرية الوطنية للصلب" وتقاعس الإدارة عن التسوية يزيد الشكوك
- ماسر موقف عاطف عبيد من إبراهيم محمدين وعلاقة نقل الملكية قبل 18 سنة بتهديد حقوق "الدخيلة" الآن؟
- ورثة البائع يحصلون على حُكم قضائى فى أبريل الماضى بثبوت ملكية الأرض تمهيدا لإزالة المخازن وطرد الشركة منها
- القضية الجديدة تطالب بزوال عقد ابتدائى تحرر عام 1999 للتقادم وسقوط حق الشركة فى التسجيل وإعادة الأرض للمالك
- تقديرات الخبراء تشير إلى خسارة الشركة 450 مليون جنيه بفقدان الأرض بنسبة تتجاوز 40% من رأس المال المرخص
خلاف تجاوز عمره عشرين سنة وبضعة شهور، يبدو فى وجهه المباشر نزاعا مدنيا على معاملة بيع لقطعة أرض، لكنه فى العمق يُفجر تساؤلات وعلامات استفهام لا تغيب عنها الشبهة، فضلا عن أنه يُشير إلى مخاطر حالّة تُهدد المال العام، وربما تنطوى على عصف بحقوق مواطنين ومساهمين فى شركات، لا يبدو أن إدارتها تلتزم القانون أو صحيح المعاملات التجارية وصيانة الأصول والمصالح المباشرة لتلك المؤسسات.
ملخص الأمر أن واحدة من أبرز المعاقل الصناعية، وصاحبة نحو 50% من إجمالى الإنتاج المصرى من الصلب، تواجه دعوى قضائية تتنامى احتمالات خسارتها على فرص كسبها، ما قد يترتب عليه سلبها كُتلة ضخمة من أصولها الثابتة، لا لشىء إلا أن إدارتها تقاعست عن اتخاذ المسارات القانونية والتنظيمية اللازمة، وفق الإجراءات والقواعد التجارية والمدنية المعمول بها
"شركة الدخيلة" فى مهب الريح
الأزمة التى نتحدث عنها تخص شركة الدخيلة للصلب، أو "الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب" قبل تغيير اسمها فى واحدة من الصفقات المدوية ، وباختصار فإن الشركة تواجه دعوى قضائية حرّكها ملاك الأرض المباعة بالعقد الابتدائى والمدعين فى القضية يطالبون فيها بزوال عقد بيع ابتدائى موقع مع الشركة، وإخلائها وطردها من قطعة أرض مُتنازع عليها، وهو الأمر الذى يُهدد "الدخيلة" بفقدان 29 فدانا من الأراضى المستخدمة كمخازن ونقاط دعم لوجستى، وتتجاوز قيمتها السوقية حاليا عدة مئات من الملايين، بحسب مختصين فى مجال العقارات.
من واقع أوراق الدعوى المشار إليها، فإن الشركة اشترت قطعتى أرض من "والد المدعى" الأولى مساحتها 26 فدانا و4 قراريط و6 أسهم، والثانية فدانان و20 قيراطا، بموجب عقد ابتدائى موقع بتاريخ الثالث من فبراير 1999، وسددت جزءا من قيمة الأرض ملتزمة باستكمال السعر مع استكمال إجراءات التسجيل، لكنها تقاعست طوال أكثر من 20 سنة عن تسجيل الأرض أو سداد مستحقات البائع وورثته، ما دفع الطرف الأخير إلى تحريك دعوى سابقة والحصول على حكم فى التاسع من أبريل الماضى بملكية الأرض، تأسس عليه تطوير الأمر إلى الدعوى الجديدة المطالبة بفسخ العقد الابتدائى السابق وسقوطه بالتقادم بموجب القانون المدنى، والإخلاء من الأشخاص والشواغل، وطرد الشركة، وتسليمه الأرض محل النزاع.
تُشير أوراق الدعوى إلى الحكم النهائى البات، الصادر فى الاستئناف برقم 6511 لسنة 59 قضائية بثبوت ملكية المدعى للأرض، وتستند إلى نص المادة 101 من قانون المرافعات "الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق. ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية..."، والمواد 204 و428 و932 و934 من القانون المدنى، والمادة 9 من قانون تنظيم الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946، بشأن نقل الملكية بالتسجيل وأن العقود الابتدائية لا تُرتب إلا التزاما شخصيا وأملا فى الملكية. وتستضئ الدعوة بعدد من أحكام محكمة النقض السابقة التى تُقرّ تلك الحقوق، ونصوص التقادم فى العقود المدنية، منتهية إلى سقوط حق الشركة فى الأرض المشار إليها، والدفع بزوال العقد وطرد الشركة ورد الأرض لورثة البائع.
بحسب المصادر القانونية المختصة، فإن كل الاحتمالات قائمة فى تلك الدعوى، لكن حظوظ المدعى المُمثّل لورثة البائع أرجح فى استيفاء دفوعه فى القضية، أولا بزوال العقد، ثم إخلاء الأرض وطرد الشركة الحائزة منها، تأسيسا على تقادم المعاملة لمرور المهلة الزمنية التى يُقرها القانون، وانتفاء حجية العقد الابتدائى فى إثبات الملكية، كما أن المسار الطبيعى والمتاح لدى الشركة يبدأ من التسوية الودية مع خصوم النزاع، خاصة مع توقع أن تكون الأرض محل النزاع أصلا مُثبتا ضمن أملاك الشركة وحساباتها المالية، وخروجها من تلك الولاية يُؤثر على مركزها المالى، فضلا عن تأثيره على أعمالها الجارية حال كانت ركنا أساسيا فى عملية الإنتاج والأنشطة التجارية المتعلقة بها.
موقف قانونى مرتبك
الموقف القانونى للشركة يبدو مُرتبكا، بالنظر إلى تغاضيها الطويل عن تسجيل العقد الابتدائى ونقل الملكية رسميا، بموجب نصوص القوانين المدنية، فى الفترة من إبرام البيع خلال العام 1999، حتى حصول المدعى على حكم بثبوت ملكيته للأرض فى أبريل 2019، وهى فترة تتجاوز مهلة التقادم التى تنص عليها المادة 374 من القانون المدنى بواقع خمس عشرة سنة.
وتنص الدعوى فى دفوعها: "لما كان الالتزام الأساسى على البائع فى عقود البيع، الذى نصت عليه المادة 428 من القانون المدنى، بأن يلتزم بما هو ضرورى لنقل الحق المبيع إلى المشترى، ولما كان الثابت من العقد المؤرخ فى 3 فبراير 1999 أن البيع على الأرض محل النزاع، وأن العقد يخلو من أى ميقات لبدء إجراءات التسجيل، وأنه مضى على تحريره أكثر من 20 سنة، ولما كان الثابت فى حق الشركة أنها لم تتقدم بأى طلب لشهر عقد البيع، ولم تُقم دعوى قضائية بطلب صحة ونفاذ العقد، ولم تُقم دعوى ثبوت ملكية كما فعل المُدعى، ولم يكن هناك أى حائل يمنعها من التسجيل المباشر أو غير المباشر" فهو أمر ينتفى معه حق الشركة فى طلب الشهر ونقل الملكية، ويسقط الالتزام بمرور أكثر من 15 سنة دون وجود حائل لنقل الملكية الرضائى أو القضائى، فإن المدعى يطالب بسقوط حق الشركة فى طلب نقل الملكية وشهر العقد الابتدائى بالتقادم الطويل وما يترتب عليه من آثار بقاء الأرض محل التداعى على ذمة المدعى إعمالا للحكم 6511 لسنة 59 قضائية وأحقيته فى التصرف بها، وزوال آثار العقد المؤرخ فى 3 فبراير 1999 وزوال كل التزاماته بثبوت الملكية للمدعى، وإخلاء وطرد الشركة من الأرض وتسليمها خالية من الأشخاص والشواغل، وإلزامها بأتعاب المحاماة والمصروفات بحكم مشمول بالنفاذ.
فى المقابل لا تملك الشركة إلا أن تحتج بالعقد الابتدائى والحيازة والانتفاع الفعلى، وفى النقطة الأولى فإن انقضاء مهلة التقادم بدون تسجيل العقد ونقل الملكية بدون مانع قانونى يُخلخل تلك الحجية، فضلا عن استناد المدعى إلى حكم بات بثبوت ملكيته للأرض، أما فى الثانية فإن الحيازة لا تُؤسس أحقية فى العين محل النزاع ما دامت الملكية ثابتة لصاحبها، كما أن عقد البيع الابتدائى لا يُنشئ إلا التزاما شخصيا من البائع يرتهن بالتسجيل، ومع وفاة البائع بدون نقل الملكية فإن الأرض تنتقل للورثة قانونا، وبحسب المصدر القانونى فإن تلك الدائرة المعقدة تزيد ارتباك الموقف القانونى للشركة، وتُرجح أنه لا حل إلا بالتسوية الودية.
بداية الأزمة وسبب المشكلة
تأسست شركة الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب فى العام 1982، وبدأت الإنتاج 1986، بشراكة بين بنوك وشركات مصرية، وقطاع البترول، وعدة شركات يابانية، ومنذ النشأة تولى إدارتها المهندس إبراهيم محمدين، وزير الصناعة الأسبق، لكنه لم يكن على وفاق مع رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، الذى اتخذ مواقف عديدة تبدو مجابهة للشركة، منها الإعفاء من الجمارك على الواردات الرأسمالية "ماكينات وأدوات إنتاج" ثم إلغائه بعدما تحركت الشركة باتجاه التوسع، ما كبدها خسائر فادحة، فضلا عن ضغوط أخرى من دوائر مقربة من "عبيد" عطلت تسجيل الأرض المشار إليها منذ توقيع العقد فى فبراير 1999 حتى الإطاحة بـ"محمدين" فى العام 2001، مع نقل ملكية حصة من الأسهم إلى شركة العز للحديد والصلب، التى نفذت عملية مبادلة أسهم لاحقة وزادت حصتها لأكثر من 50% من الأسهم، ثم ماطلت فى تسجيل عقد الأرض وسداد باقى الالتزامات المالية المترتبة عليه ،ليبدأ ورثة البائع جولة من محاولات الحصول على باقى السعر أو استرداد الأرض، بينما أبقت الشركة على مماطلتها!
بحسب مصادر مقربة من وقائع القضية، فقد عرضت الشركة قبل شهور سداد باقى المستحقات وفق القيمة السابقة للعقد الموقع قبل 20 سنة، وهو ما رأى ورثة البائع أنه إهدار لحقوقهم فى ظل منعهم من الوصول لتلك الأموال فى الموعد الطبيعى قبل 20 سنة، وتغير سعر الصرف وقيمة الأرض حاليا، وهى الوقت الذى سيشهد تسجيل العقد ونقل الملكية فعليا، ويتطلب تسوية مالية مغايرة لما كان عليه الأمر قبل عقدين، وهو ما ترفضه الشركة وتُماطل فى التهرب منه، بشكل دفع المدعى إلى استصدار حكم بثبوت ملكيته للأرض قبل 6 شهور، ثم مطالبته الآن بزوال العقد واستعادة الأرض فعليا!
الخلاف السابق يدور حول عدة ملايين من الجنيهات، والتسوية الجديدة المُحتملة ربما لا تتجاوز عدة أضعاف تلك القيمة، لكن إطاحة الصفقة بكاملها واستعادة الأرض تصب فى صالح ورثة البائع الذين سيلتزمون بسداد ما حصلوا عليه (10 ملايين جنيه تقريبا بحسب المصادر) ليحصلوا على أكثر من 29 فدانا فى واحدة من أهم مناطق الإسكندرية، بينما ستستعيد "الدخيلة" تلك الملايين الزهيدة مقابل فقدان أكثر من 450 مليون جنيه (القيمة الحالية للأرض بحسب خبراء عقاريين) وتتجلى فداحة تلك الخسارة بالنظر إلى أن رأس المال المرخص به للشركة 1.5 مليار جنيه، ورأس المال المصدر والمدفوع فى حدود 1.33 مليار جنيه تقريبا، ما يُعنى أن تلك الأرض تقارب 40% من القيمة الدفترية للشركة، وتُمثّل حصة ضخمة من أصولها الثابتة والرأسمالية.
الفادح فى الأمر أن تقاعس إدارة "عز الدخيلة" عن تسوية قضية أرض الإسكندرية الوطنية للصلب، يُهدد حقوق المساهمين فى الشركة، وبينهم نسبة غير هيّنة لشركات وبنوك تجارية حكومية ، وإذا كان لأصحاب الحصة الحاكمة فى الشركة أن يُغامروا بحقوقهم وأموالهم، فإن رهانهم بأموال شخصيات اعتبارية عامة، أو مساهمين آخرين فى شركات مالكة لحصص فى "الدخيلة"، أو مُلاّك للأسهم فى سوق المال، مخاطرة غير محسوبة العواقب
إدارة الشركة من جانبها لم تُعلق على الأمر، وبحسب المصادر فإنها لم تُحاول التواصل مع المُدعى لإنجاز تسوية مُرضية، وهى حالة غريبة يُفسّرها البعض بأنها استمرار لتعنت سابق ومماطلة فى سداد التزامات مالية تُهدد بفقدانها أصولا مؤثرة فى نشاطها الصناعى والتجارى. فهل تجهل الشركة مصالحها أم تراهن على استسلام المدعى لشروطها رغم امتلاكه لعديد من أوراق الفوز بالقضية؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة