يعد الإسكندر الأكبر أحد أبرز الشخصيات فى العالم القديم، التى حققت خلودها الخاص، فرغم موته سنة 323 قبل الميلاد فى بابل بالعراق شابا، لكن لم يتركه الجميع فى شأنه، فجنوده تقاسموا مملكته، والمؤرخون قد شرحوا حياته، ورجال الآثار لا يزالون يواصلون البحث عن مقبرته، والباحثون يواصلون تحقيقهم فى طريقة موته، وفى هذا الجانب كشف علماء بجامعة أرسطو اليونانية، أن سبب وفاة الإسكندر الأكبر هو مرض "نخر البنكرياس" وليس الملاريا أو الالتهاب الرئوى كما كان شائعا من قبل.
الإسكندر الأكبر
وقال الباحث اليونانى توماس إن هذه الدراسة بدأت عام 1995، حيث حلل الباحثون خلال هذه الفترة الطويلة أعراض المرض والأيام الأخيرة من حياة القيصر المقدونى التى وصفها المؤرخون اليونانيون القدماء.
إحدى المنحوتات للإسكندر الأكبر
ووفقا للباحث توماس غيراسيميديس الأستاذ الفخرى فى الطب، كان سبب وفاة الإسكندر المقدونى، التسمم الحاد الناجم عن مرض نخر البنكرياس، وتطور هذا المرض بسبب الحصى فى كيس الصفراء وإدمانه تناول الأغذية الدهنية والكحول، وفقا لما جاء فى "نوفوستى" الروسية.
منحوتة لرأس الإسكندر في مطلع شبابه من المتحف البريطاني.
وتفيد نتائج الدراسة بأن "بداية الأعراض كانت على شكل آلام حادة فى البطن بعد تناول الطعام والخمور، ترافقها حمى وقشعريرة، كانت تسوء يوما بعد آخر خلال 14 يوما".
وبعد التوصل إلى هذه النتائج دحض غيراسيميديس جميع الفرضيات السابقة عن سبب وفاة الإسكندر المقدونى، بما فيها الملاريا والالتهاب الرئوى والتيفويد وحمى النيل.
ومن المعروف أن النظريات كثرت حول وفاة الإسكندر، فكان هناك باحثة نيوزلندية وهى كاثرين هول، أحد كبار المحاضرين فى كلية طب دنيدن التابعة لجامعة أوتاغوا النيوزلندية وأحد المختصين فى التجارب السريرية، أكدت من قبل أنها توصلت إلى هذه الأسباب بشكل كبير، وقالت إن الإسكندر الأكبر ربما يكون مات بسبب اضطراب عصبى يسمى بمتلازمة غيلان باريه، وأرجعت ذلك إلى أن جسد الإسكندر لم يظهر عليه أى علامات على التحلل إلا بعد 6 أيام من وفاته، وهذا يعنى بالنسبة لليونانيين القدماء أنه إله.
الإسكندر على فراش الموت
وأكدت هول أنها تميل إلى نظرية أخرى بخلاف التى يؤمن بها اليونانيون القدماء، وهى أنه ربما يكون تاريخ وفاة الإسكندر خاطئا، والأعراض التى تسببها متلازمة غيلان باريه صعوبة فى الكلام والمضغ، وسرعة دقات القلب، ومشاكل فى التنفس، وربما يكون قد تعرض للشلل.
الإسكندر يُغطي جثة دارا بعبائته
واختتمت هول أن الإسكندر دخل فى غيبوبة واستفاق منها خلال الـ6 أيام التى سبقت وفاته، وعلى الأرجح أنه كان يسمع همسا من حوله، وربما أيضا قد سمع الجنرالات وهم يتحدثون عن خليفته فى الحكم.
نقش فسيفسائي للإسكندر
وهناك دراسة أخرى تؤكد أنه مات بسبب إدمان الكحول، حيث إن حالته الصحيه تدهورت عقب "حفلة سكر"، حيث تزعم بعض التقارير أنه تجرع فيها 12 كأساً دفعة واحدة، وأتبعها بـ12 كأساً أخرى فى اليوم التالى، حسبما نشرت صحيفة The Daily Mail البريطانية.
وهناك أسباب أخرى مقترحة حول سبب وفاته فوفقا لجامعة ميريلاند فى كلية تقرير الطب لعام 1998، والتى تشير إلى أن الإسكندر الأكبر توفى بحمى التيفويد بجانب الملاريا التى كانت شائعة فى بابل القديمة.
وتشمل الأسباب المقترحة عن وفاة الإسكندر مرض الكبد الكحولى، والحمى، وتسمم الإستركنين، ولكن القليل من البيانات تدعم هذه الروايات. وفقا لجامعة ماريلاند بالولايات المتحدة فى كلية تقرير الطب لعام 1998.
وربما توفى الإسكندر بحمى التيفويد (بجانب الملاريا، التى كانت شائعة فى بابل القديمة)، حيث ظهرت عليه علامات المرض قبل وفاته بأسبوع وهى "قشعريرة، تعرق، إرهاق وارتفاع فى درجة الحرارة، وأعراض نموذجية من الأمراض المعدية، بما في ذلك حمى التيفويد، كما قال ديفيد دبليو أوداش من المركز الطبى بجامعة ميريلاند، كان للإسكندر ألم شديد فى البطن، مما جعله يصرخ من العذاب".
الإسكندر وأرسطو في مجلس العلم
وفى رواية أخرى، قال الأثرى أحمد عبد الفتاح المشرف العام على متاحف وآثار الإسكندرية السابق، إن الإسكندر الإكبر تلقى رسالة تؤكد أن طبيبه الخاص دس له السم فى الدواء، غير أنه استهان بما جاء فى هذا الخطاب، بل إنه أعطاه لطبيبه وتناول الدواء كعادته لثقته الشديدة بهذا الطبيب.
وأشار المشرف العام على متاحف وآثار الإسكندرية السابق، خلال ندوة فى الإسكندرية عام 2005، أنه عندما جاء "أوغسطس" للإسكندرية بعد وفاة الإسكندر بنحو ثلاثة قرون وزار مقبرة الإسكندر وتحسس أنفه كانت النتيجة سقوط جزء من طرف الأنف، وهذا حادث نادر لأنه من الصعب فى تحنيط مومياء لملك أن يسقط الأنف أو أى جزء من الجسد بهذه الصورة، ومن المعروف علميا وطبيا أن الذى يتناول سما يحدث له تحلل كامل فى جسده.
الإسكندر يدخل بابل على عربة الشاه دارا الثالث
هكذا تعدد الروايات بين الباحثين عن سبب موت الإسكندر الكبر، ولن تكون هذه الأبحاث هى الأخيرة من نوعها، لكن من المحتم أن تظهر روايات أخرى حول موته الذى يعد غامضًا مثل قبرة الذى لم يعثر عليه حتى الآن.
جنازة الإسكندر (الإسكندر) حاملي النعش
لمحة تاريخية ..
الإسكندر الثالث المقدونى، عرف بأسماء عديدة أبرزها الإسكندر الأكبر، الإسكندر الكبير، الإسكندر المقدونى، الإسكندر ذو القرنين، هو أحد ملوك مقدونيا الإغريق، ومن أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ.
ولد الإسكندر فى مدينة بيلا قرابة سنة 356 ق.م، وتتلمذ على يد الفيلسوف والعالم الشهير أرسطو حتى بلغ ربيعه السادس عشر، وبحلول عامه الثلاثين، كان قد أسس إحدى أكبر وأعظم الإمبراطوريات التى عرفها العالم القديم، والتى امتدت من سواحل البحر الأيونى غربًا وصولاً إلى سلسلة جبال الهيمالايا شرقًا، يعد أحد أنجح القادة العسكريين فى مسيرتهم، إذ لم يحدث أن هزم فى أى معركة خاضها على الإطلاق.