الأعمال الأدبية والفكرية، هى نشاط إنسانى، يحاول فيه المبدع أن يكون صورة العالم ومفهومه الخاص ورؤيته لتخرج فى النهاية على هيئة عمل إبداعى مثل الشعر أو العزف أو الرسم، وفى النهاية من الممكن أن يواجه هذا العمل النقد أو الذم، وأحيانا يصل بصاحبه إلى المحاكمة وربما السجن أيضا.
وبسبب بعض الأعمال الفكرية والأدبية، تعرض العديد من المبدعين والكتاب إلى المحاكمة أو الفصل من أعمالهم بسبب ما كتبوا، ومن هؤلاء:
طه حسين
عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، كان أحد هؤلاء الذين ذهبوا إلى المحكمة، بسبب كتاباتهم، وذلك على خلفية صدور كتابه الشهير "فى الشعر الجاهلى"، والذى اعتبره الكثيرون وقتها مسيئا للدين الإسلامى، وبحسب كتاب "محاكمة طه حسين" للأديب الكبير الراحل خيرى شلبى، فإن المحاكمة بدأت بعدما تقدم عبد الحميد البنان عضو مجلس النواب حينها بدعوى أن كتاب "فى الشعر الجاهلى"، طعن وتعدى على الدين الإسلامى- بعبارات صريحة واردة فى كتابه سنبينها فى التحقيقات"، وبعد شهور من التحقيقات، قرر المحقق حينها براءة الدكتور طه حسين من تهمة الإساءة للدين، مؤكدا أن ما ورد فى الكتاب كان بهدف البحث العلمى.
على عبد الرازق
أصدر الدكتور على عبد الرازق، كتابه المثير للجدل "الإسلام وأصول الحكم" العام 1925، والذي تلخصت أطروحته باعتبار نظام "الخلافة" شكلاً تاريخياً دنيوياً، وليس نظاماً ملزماً من صميم الدين، وأنه مجرد اجتهاد من قبل الصحابة لجأوا إليه ليحافظوا على تماسك الجماعة المسلمة بعد وفاة النبي.
أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة في حينه، وتوالت عليه ردود علمية كثيرة، شعر الملك فؤاد أن عبد الرازق سيقطع عليه الطريق أمام تولي الخلافة، فصدرت في حقه أحكام قاسية بإجماع كبار المشايخ والعلماء في الجامع الأزهر قضت بطرده من زمرة العلماء، وفصله من وظيفته في القضاء، وسحب إجازته العلمية من الأزهر.
مكرم عبيد
السياسى المصرى الراحل مكرم عبيد، كان أحد المقربين للزعيم الراحل مصطفى النحاس لفترة كبيرة، حتى وقعت الخلافات بينهما، وبدأ العداء، وبعد فترة قام الأول بإصدار كتاب يحمل عنوان "الكتاب الأسود"، يتهم فيه "النحاس" فى استبعاده بعدما أراد أن يتخلص منه ليخلو له الجو فيستغل الحكم كما يشاء أو يرخص كما يشاء ويستثنى كما يشاء.
واستكمل مكرم عبيد حديثه، بدأ النحاس باشا فى فكرة الدس فى الصحافة ضدى، ثم تلتها فكرة التخلص منى كوزير للتومين، واستقر الرأى بالفعل على إخراجى من الوزارة أصلا.
وترتب على ما جاء فى الكتاب فُصِلَ مكرم عبيد من المجلس بعد ثلاثة أيام فقط من طَرْح ذلك الاستجواب واعتقل بعد ذلك على إثره، إلا أن هذا الكتاب كان بمثابة المعول الذي هز أركان الفساد السياسي، ومهد بعد ذلك للتطهير الشامل وبداية عهد جديد.
نصر حامد أبو زيد
"نقد الخطاب الدينى" كان ذلك الاسم الذى عنون به المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، رسالته لنيل درجة أستاذ فى قسم اللغة العربية، الذى تقدم بها للجنة العلمية فى جامعة القاهرة خلال العام الدراسى فى عام 1992، وذلك حسبما تدور الأعراف الأكاديمية بأن يحصل الباحث على ترقياته العلمية عبر خطوات معروفة ومحددة، حيث تقدم أبو زيد ببحثه إلى لجنة من كبار الأكاديميين لتعتمده ونشره كتابًا أكاديميًا يدرسه الطلبة كمقرر علمى.
تقدم "أبو زيد" بالفعل إلى لجنة الترقيات ببحثه الذى يحمل العنوان سالف الذكر، وكانت تضم فى عضويته كلاً من "عبد الصبور شاهين، ومحمد عونى عبد الرؤوف، ومحمود مكى".
وفى حين أشاد كل من مكى وعبد الرؤوف بالبحث، وقدما تقريرًا يشيد بمنهجية أبو زيد العلمية، كان موقف عبد الصبور شاهين، على النقيض تمامًا، بل إنه لم يتطرق لمنهجية البحث ومدى دقته البحثية والعلمية، لكنه لجأ إلى التفتيش فى عقيدة أبو زيد، متهمًا إياه بالتشكيك فى الغيبيات وتمجيد الماركسية.
دراسة نصر حامد أبو زيد، لم تقف عند حدود باب الجماعة فقط، بل وصلت إلى حد إصدار المحكمة حكما شرعيًا بتفريقه عن زوجته، إلا أن أبو زيد اتخذ قراره بترك مصر موليًا شطر هولندا التى عينته أستاذ كرسي فى جامعة ليدن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة