لم تفلح سنوات الاختباء والابتعاد عن الأنظار فى أن تنجى أبو بكر البغدادى، زعيم تنظيم داعش، من أن يلقى نفس المصير الذى لاقاه أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق.
فمع تأكيد عدد من المسئولين الأمريكيين والعراقيين والسوريين مقتل البغدادى فى الساعات الأولى من ليل الأحد فى محافظة إدلب السورية، تُعاد إلى الأذهان الطريقة التى تم بها القضاء على أسامة بن لادن عندما قامت وحدة من القوات الخاصة بالبحرية الأمريكية المعروفة باسم "سيلز" بمهاجمة مخبأ بن لادن فى مدينة أبوت أباد بباكستان فى مايو 2011 وقتلوه فى الحال، وتم القبض على أفراد أسرته الموجودين معه ومصادرة الكتب والوثائق الموجودة بالمخبأ.
وربما كان هذا هو السبب الذى جعل البغدادى لا ينتظر رصاص الأمريكيين، ويقوم بتفجير نفسه على الفور بسترة ناسفة. فبحسب ما ذكرت تقارير وسائل الإعلام الأمريكية، نقلا عن مسئولين، بمجرد مداهمة وحدة من العمليات الخاصة للموقع المتواجد فيه البغدادى فى قرية بريشا بمحافظة إدلب، وقع قتال بسيط قبل أن يفجر البغدادى نفسه بسترة ناسفة، وكذلك فعلت زوجتاه المتواجدتان بالمكان.
ورغم أن البغدادى كان هاربا مرواغا استطاع التملص من طائرات الدرونز التى كانت تبحث عنه ولم يظهر علنا إلى مرة واحدة فقط، إلا أن محاولته للخروج من سوريا على ما يبدو أو على الأقل إخراج أفراد عائلته كانت السبب فى نهايته. فقد ذكر مسئولون عراقيون لوكالة رويترز أن اكتشاف مخبأ البغدادى جاء بعدما حاول إخراج عائلته من سوريا إلى الحدود التركية.
ويبقى السؤال: هل سيصبح مصير تنظيم داعش بعد البغدادى مثل مصير القاعدة بعد أسامة بن لادن. فعلى الرغم من تسلسل القيادة الهرمى داخل القاعدة ووجود ذراع أيمن واضح لبن لادن، وهو أيمن الظواهرى، وقادة آخرين، إلا أن التنظيم لم يعد أبدا كما كان مع مؤسسه. فقد ضعف وذبل، ليس فقط بسبب الحرب الأمريكية فى أفغانستان، التى كبدته خسائر فى مقاتليه وتضييق الخناق عليه، ولكن أيضا بسبب عدم وجود من يستطيع القيادة فى مرحلة مليئة بالتحديات.
لكن الأمر قد يكون مختلفا مع داعش. فرغم أن أبو بكر البغدادى كان مؤسس التنظيم وقائده منذ ظهوره فى العراق عام 2010 باسم "الدولة الإسلامية فى العراق"، إلا أنه لم يكن وحده سبب صعوده وحمله لواء أخطر التنظيمات الإرهابية فى العالم. فكانت هناك عوامل أخرى ساهمت فى ذلك فى مقدمتها الفوضى العارمة التى شهدتها سوريا، والعراق بدرجة أقل، فى الفترة التى صعد فيها التنظيم، والتى شكلت أرضا خصبة سمحت له بالنمو خاصة، وأن الحرب فى سوريا كانت تزداد تعقيدا بالتدخلات الخارجية من قبل العديد من الأطراف.
كما أن وجود المقاتلين الأجانب الذين جاءوا من مناطق مختلفة فى العالم وخاضوا معارك باسم داعش، وعاد بعضهم إلى بلدانهم الأصلية يحملون أفكار التنظيم المتطرفة ونفذوا هجماتهم، ساعد إلى انتشار التنظيم خارج حدود سوريا والعراق، وأصبح داعش ليس مجرد تنظيم مسلح، وإنما عقيدة إرهابية اعتنقها العديد من الشباب اليائس الذى وجه طاقته لتنفيذ عمليات إرهابية فى البلدان الغربية، وساعد على ذلك النشاط القوى الذى قام به التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعى والذى ساعده على الوصول إلى أماكن بعيدة.
كل هذه الأسباب تجعل مقتل البغدادى مجرد معركة فى الحرب على داعش لا تعنى بالضرورة هزيمته، ولكنها قد تكون سببا فى استجماعه لقواه مرة أخرى أو فتح الطريق أمام ظهور تنظيمات جديدة منبثقة من رحمه مثلما ظهر هو من رحم القاعدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة