"مرتاح لأننا قدمنا شيئا للناس".. بهذه الجملة المقتضبة علق رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري أمس على استقالة حكومته نزولا على رغبة حراك شعبى لبنانى أصر على البقاء فى الساحات لمدة 13 يوما غاضبا من السياسات الاقتصادية ووجوه سياسية فاسدة، وبذلك يكون قد غادر الشيخ سعد –بحسب ما يلقبه أنصاره- معادلة التسوية السياسية اللبنانية فى 2016 والتى شارفت بلوغ علمها الثالث غدا الخميس 31 أكتوبر، بعد انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية العمال ميشال عون، ليبرز السؤال الأهم: من سيخلف سعد الحريري لرئاسة الحكومة ويعيد للبنانيين الثقة فى السلطة السياسية؟ وهل يمتلك قصر بعبدا بدائل حال رفض العودة؟.
في البداية، ما هو مؤكد في الأزمة اللبنانية، أن استقالة الحريرى لم تأت نتيجة رفض الشارع اللبناني لشخصه، بل جاءت بسبب تعنت بعض التيارات السياسية المكونة للتسوية والرافضة لإجراء تعديل حكومة يلبى رغبة الشارع، ففضل الحريرى أن ينحاز هو لمطالب الجماهير وينقذ رصيده المتبقى من ثقة اللبنانيون، هكذا يرى أنصاره، لكن معارضى الاستقالة يروا أنه يرغمهم بذلك على التغيير، لأن استقالة رئيس الحكومة تعنى اسقاط الحكومة كلها وفقا للدستور.
على أيه حال، يطوى لبنان اليوم ، صبيحة استقالة الحريرى، الخطوات الدستورية لتحديد رئيس حكومة جديد، ومنها تحديد موعد الاستشارات النيابية التى يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون بحسب الدستور لتكليف رئيس جديد للحكومة، وتأمل لبنان أن تجرى هذه الخطوات سريعا وسط وضع اقتصادي ومالي يوشك على الانهيار، وباتت أسماء مطروحة تتردد فى الإعلام اللبنانى لخلافة الحريرى حال رفض هو العودة بحكومة جديدة من المتخصصين.
أسماء عدّة مرشحين من الوسط السياسي يتم تداولها، في حال لم يرغب سعد الحريري بالعودة إلى رئاسة الحكومة، أو لم تكن الظروف مناسبة لعودته، فى مقدمتها تمام سلام رئيس وزراء لبنان الأسبق، فهو الأوفر حظاً، للحلول مكان الحريري، إذا ما أصرّ على البقاء خارج الحكومة، الشخص الثانى الذى تردد بقوة أيضا اسم نائب بيروت فؤاد مخزومي، بحسب صحيفة اللواء اللبنانى.
وقالت الصحيفة فى تقرير لها تحت عنوان «صدمة الاستقالة» تطوي صفحة التسوية السوداء " أن رئيس الجمهورية، عون بعدما تسلم الاستقالة الخطية من الحريري، أجرى سلسلة مشاورات فيما خص المرحلة المقبلة، فيما بدا لافتاً للانتباه ان قصر بعبدا اكتفى بنشر كتاب الاستقالة، من دون صدور بيان رسمي في هذا الشأن. وبحسب اللواء فإن، معلومات أفادت ان البيان سيصدر اليوم على مهل، علماً أنه لا توجد قوانين دستورية تلزم رئيس الجمهورية فى لبنان فيما خص قبول الاستقالة أو تحديد مواعيد الاستشارات النيابية.
أما صحيفة الجمهورية اللبنانية قالت "تسريب أسماء مستفزّة لرئاسة الحكومة" وأضافت أن أوساطا سياسية لاحظت أنه بدل تنفيس الإحتقان الذي يُترجم غضباً في الشارع يُحاول البعض تسريب أسماء مستفزّة لرئاسة الحكومة لن يقبل بها المحتجون إطلاقاً.
وعمّا اذا كان الحريري مرشحاً لترؤس الحكومة الجديدة، قالت المصادر للصحيفة اللبنانية "لا نريد استباق الامور، فالرئيس الحريري قدّم استقالته الى رئيس الجمهورية، ويجب انتظار ما سيصدر حيالها من قصر بعبدا، علماً انّ استقالة نهائية".
فى الوقت نفسه يبدو وجود إجماع بين الأوساط السياسية على عودة الحريرى لكن بحكومة تكنوقراط، وقال مصادر، إنه يتردّد فى أوساط سياسية، باستثناء "التيار الوطنى الحر" أن لا رئيس للحكومة المقبلة سوى سعد الحريرى، وإن جميع القوى، بما فيها الثنائى الشيعى و"القوات اللبنانية" والحزب "التقدمى الإشتراكي" لا يوافقون على أى اسم لتأليف الحكومة العتيدة سوى الحريرى بحسب تقريره لموقع لبنان 24.
رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى اللبنانى وليد جنبلاط، حليف الحريرى، قال أن الحزب لن يشارك فى حكومة لا يترأسها الحريرى، وأكد فى تصريح لصحيفة الجمهورية اللبنانية، أنّه يؤيد إعادة تكليف الحريرى برئاسة الحكومة المقبلة إذا كان مرشحاً أو مستعدّاً للعودة، معتبراً انّه لا بدّ للعبة الديموقراطية من أن تأخذ أبعادها الكاملة وإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلّف.
الاجماع أيضا بين السياسيين فى لبنان على وجوب تشكيل حكومة تكنوقراط وليست قائمة على المحاصصة الطائفية، وفى هذا السياق، قال جنبلاط أن المطلوب فى هذه المرحلة الحساسة تشكيل حكومة تكنوقراط تتولى التصدى للأزمة الاقتصادية - المالية وترميم ثقة الداخل والخارج فى الدولة، لافتاً إلى انّه سبق له أن دعا مع بداية الحراك، إلى إجراء تعديل وزارى جوهرى يُخرج الأسماء المستفزة من الحكومة، «ثمّ دعمت خيار التوافق على التغيير الشامل نحو حكومة تكنوقراط، إلّا أن عناد البعض أوصلنا إلى هنا».
وحول موقع حزب الله فى الحكومة الجديد، والذى كان يعارض استقالة الحكومة أو ادخال تعديلات عليها ويرى أن خطوة الحريرى تهدف لضغوط على الرئيس عون واحداث فراغ فى البلاد -بحسب وجهة نظره-، قال وسائل اعلام لبنانية أن الحزب عقد ليل امس، سلسلة اجتماعات مع حركة امل والتيار الوطني الحر، من اجل الاتفاق على تصور للمرحلة المقبلة. فى الوقت نفسه قال جنبلاط حزب الله يجب الّا يشعر بالقلق ويرى أن محاولات إبعاده فى المرحلة الراهنة ليست من الحكمة السياسية.