صدر حديثاً عن سلسلة " كتاب اليوم " كتاب جديد بعنوان "على خط النار يوميات حرب أكتوبر " بقلم الكاتب والأديب الراحل جمال الغيطانى، وتمثل جانبا من رسائله الصحفية التى أمد بها جريدة الأخبار عندما عمل كمراسل عسكرى على الجبهة خلال حرب الاستنزاف، ثم حرب ونصر أكتوبر العظيم، خلال الفترة مابين عامى 1969 ـ 1974 والتى رصد فيها الأحداث والتطورات العسكرية على الجبهة.
نجح الغيطانى فى إبراز بطولات الرجال ممن جاءوا من مختلف ربوع مصر، وكيف تحول الفلاح، العامل، الطبيب، المهندس، من مجرد إنسان عادى إلى مقاتل يبذل روحه عن طيب خاطر واصرار لا يلين فداء لهذا الوطن، وقد نجح الأستاذ الغيطانى فى رصد الجوانب الإنسانية لمقاتلى الجبهة بدرجة مبهرة، إلى الحد الذى تحتار فيها أن كان يكتب بروح الأديب أم بروح المراسل العسكرى الذى يتعرض لنفس المخاطر التى يتعرض لها مقاتلو الجبهة.
على خط النار
كما نجح الغيطانى فى رسائله بدرجة كبيرة لدرجة استرعت انتباه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذى أشاد بأول تحقيقات الغيطانى عن "الجندى المصرى على خط النار"، وأصبحت شهادة الرئيس عبد الناصر شهادة ثبتت أقدام الغيطانى فى موقعه الجديد كمراسل عسكرى فى مقتبل حياته آنذاك، وقد توحد الغيطانى مع عمله كمراسل عسكرى إلى مرحلة التعايش الكامل عندما أصر على الالتحاق بتدريبات المجموعة 39 قتال بقيادة إبراهيم الرفاعى، واجتاز التدريبات التى تؤهله لعبور للقناة فى حرب الاستنزاف وظل على تواصل مع أبطال هذه المجموعة بعد الحرب وحتى رحيله وعندما سئل عن المشهد الأخير الذى سيظل ماثلاً أمام عينيه فأجاب: "إنه مشهد العلم المصرى مرفوعاً على الضفة الشرقية للقناة على حطام خط بارليف، فهو علم رفع فى القتال وليس فى احتفال" .
يحتوى الكتاب على ثلاثة فصول : رسائل فترة حرب الإستنزاف، المصرى على خط النار.. سواء لأحوال الجنود والضباط أو لسكان محافظات القناة ، ويتناول الفصل الأخير بعض رسائل الأعمال العسكرية على الجبهة مع العدو الإسرائيلى أثناء حرب أكتوبر .
فى الفصل الأول رسالة صحفية مهمة للغيطان يتحدث فيها فى ذلك الوقت عن سر عن سر حربى يذاع لأول مرة ويقول : أخيراً وبعد صمت إستمر عامين كاملين، يزاح الستار عن عملية بحرية من أجرأ العمليات العسكرية التى تمت بعد حرب يونيو 1967 لقد أثار أختفاء الغواصة الأسرائيلية داكار كثيراً من التساؤلات فى مختلف أنحاء العالم وترك حيرة عميقة فى عقول المعلقين، الخبراء العسكريين لماذا؟
لأن الغواصة اختفت تماماً ولم يظهر لها أى أثر فى مياة البحر المتوسط وكأن أحد الاحتمالات القوية وقتئذ هو احتمال تعرض الغواصة الإسرائيلية لقذيفة من إحدى السفن الحربية وفعلاً داكار أغرقتها البحرية المصرية فى مياهنا الإقليمية .. ويكشف التفاصيل الكاملة للعملية الرائعة التى لا تقل أهمية عن تدمير المدمرة " إيلات " درة البحرية الإسرائيلية .
ويشير علاء عبد الهادى رئيس تحرير كتاب اليوم فى مقدمة الكتاب الى أن الأديب الكبير الراحل جمال الغيطانى قضى النصف الأول من حياته الصحفية محررا عسكريا على خط النار ، على جبهة القتال مع العدو الصهيونى ، يسجل بالكلمة ، عايش الغيطانى الجنود والقادة فى الدشم ، وفى الخنادق ، أكل من أكلهم ، وتعرض للخطر مثله مثل أى جندى من الجنود المقاتلين ، رصد بقلمه ولغته الأدبية الراقية ، هموم وأحلام العسكرى المصرى الأصيل ، ورسم بكلماته ، روح الصمود والتحدى التى زرعت فيهم ، وكيف تحولنا من النكسة الى التهيئة للمواجهة من جديد ثم النصر ، رصد معاناة وصمود أهلنا فى مدن ومحافظات القناة ، وكيف كان دورهم لا يقل أهمية وعظمة عن دور المقاتلين ، كشف وعايش الدور العظيم الذى قامت به كل الأسلحة فى حرب الاستنزاف حتى لا يهنأ العدو بما صنع .
وقال أننا فى كتاب اليوم نقدم للقارئ العزيز بعضا من مشاهد عظمة الجيش الوطنى الذى كرمه النبى المصطفى بوصفه بأنه خير أجناد الأرض ، سواء ما تم فى حرب الاستنزاف ، أو أثناء حرب أكتوبر لأن النصر لم يكن وليد الصدفة ، ولكنه ابن شرعى لإعادة بناء وحرب لم تقف مدافعها منذ نكسة 67 .
ويقول محمد ابن الأديب الكبير فى مقدمة الكتاب تحت عنوان " المقاتل بالقلم " : أن المتتبع لخطى الغيطانى، يدرك كيف لعب القدر دورا فى توجيه موهبة الصحفى الشاب آنذاك ، الذى شعر بشكل عارم بالرغبة فى تحمل مسئوليته لدفع العدوان عن مصر، فبعد التحاقه بمؤسسة أخبار اليوم بعد سنوات من العمل فى تصميم السجاد، يلح الغيطانى فى العمل على خط النار، ليقيم على الجبهة فى الخنادق بين الرجال، وليصبح الاستثناء ان يعود لتسليم كتاباته كى تجد طريقها للمطبعة، وهو ما تطور لاحقا بعد أن خصص الأستاذ موسى صبرى سيارة مجهزة بهاتف، الأمر الذى كان يعد خياليا فى تلك الأيام، لجمال الغيطانى ورفيق دربه المصور الفدائى مكرم جاد الكريم لاختصار الوقت اللازم للوصول للقارئ.
وحرص الغيطانى فى كتاباته من الجبهة على تدوين بطولة الإنسان المصرى ممثلا فى الجندى المقاتل، الذى تعرض عقب 1967 لحرب نفسية مكثفة لنزع الثقة وتصوير المصريين باعتبارهم شعبا لا يجيد القتال، فإن أجاد الفن والحضارة، فإن الأمر لا ينطبق على قدرته على درء العدوان، وهو ما حرصت اسرائيل والداعمون لها على تكريسه بشكل ممنهج لنزع الثقة وإحباط أى محاولة لتحرير الأرض، الأمر الذى جعل الغيطانى يحرص على أبراز بطولة الرجال ممن جاءوا من مختلف ربوع مصر، كيف يتحول ذلك الفلاح أو العامل أو المهنى أو الطبيب أو المهندس من إنسان اعتيادى، إلى مقاتل، وهو ما نجح فيه بامتياز لدرجة استرعت انتباه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذى أشاد بأول تحقيقات الغيطانى عن الجندى المصرى على خط النار، مما اعتد به كشهادة تثبيت فى موقعه الجديد للمراسل العسكرى الشاب آنذاك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة