كان للفن دور كبير فى تجسيد فرحة نصر أكتوبر وبث الحماس فى نفوس المواطنين ونقل تفاصيل أحداث العبور والانتصار وفرحة الجنود وتضحياتهم ، وعبر الفنانون عن هذه المشاعر وعن فرحة الجيش والشعب وعن صبر السنوات حتى تحقق النصر من خلال الأغانى والأعمال الفنية والدرامية والسينمائية التى لولاها ما عرف الناس أحداثا وتفاصيل كثيرة عن أحد أهم الأحدث الفارقة فى تاريخ مصر والأمة العربية.
ورغم دور الفن فى أوقات الحرب وحرص الفنانين والمشاهير على الوقوف إلى جانب الجيش خلال هذه الأحداث الحاسمة بأعمالهم الفنية ، إلا أن الكثيرين منهم لم يكتفوا بهذا القدر وتجاوز عطاءهم حدود الأعمال الفنية والغناء والتمثيل ، فشاركوا بالروح والدم والجسد أو ضحوا بأعز الأحباب فداء لتراب الوطن وتحرير أراضيه.
ومن بين هؤلاء الفنانين الفنان الكبير لطفى لبيب ، الذى يلاحظ كل من يتعامل معه أنه إضافة لما يتمتع به من خفة ظل وتصالح مع النفس وصفات طيبة جعلته يتسلل إلى القلوب بيسر فيحتل مكانة كبيرة فى نفوس الملايين، يحمل أيضا قلب وروح جندى مقاوم لا يستسلم ولا تخضع روحه حتى للمرض، حيث أثرت الفترة التى قضاها مجندا فى الجيش المصرى والتى اقتربت من 6 سنوات عاصر فيها حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر، فى تكوينه وصفاته وقدرته على تجاوز كل الأزمات.
يحتفظ لطفى لبيب دائما بروح الجندى الذى عبر وانتصر وواجه كل الصعاب وهو يضحك ويغنى ويحب ، وهو ما أكسبه صفات خاصة استطاع من خلالها أن يجد فى كل أزمة تواجهه مخرجا وخططا بديلة وألا يستسلم لليأس والإحباط ، وأن يعرف أين يقف وماذا يستطيع أن يقدم وكيف يواصل العطاء حتى فى أصعب الظروف، رغم أن هذه الفترة التى قضاها فى الجيش أثرت على مسيرته الفنية وعطلته قليلا عن زملائه ورفاق جيله ولكنه عاد بصفات الجندى الذى صبر وانتصر فحقق نجاحات سبقت أقرانه.
وفى حوار معه تحدث إلينا الفنان الكبير عن الفترة الطويلة التى قضاها كجندى فى الكتيبة 26 بالقوات المسلحة التى كانت من أوائل الكتائب التى عبرت القناة فى حرب أكتوبر، فبعدما أنهى لبيب دراسته بمعهد الفنون المسرحية بدأت فترة تجنيده التى بدأت من عام 1970 حتى ما بعد عام 1975.
وقال لبيب لليوم السابع :«عاصرت حرب الاستنزاف ونصر أكتوبر، وعشت أكثر من 5 سنوات جندى فى القوات المسلحة، وأثرت هذه الفترة فى شخصيتى وحياتى على المستوى الفنى والإنسانى، حيث عشت تجارب إنسانية حقيقية وصادقة ولحظات صعبة جعلتنى أرى كل الأمور بعين مختلفة، فى الجيش اتعلمت أشوف كويس لأن فى ناس القرنية بتاعتها مقلوبة ولا يرون إلا أنفسهم».
وتابع: «كنت أستقبل زملائى الفنانين وهم يأتون لزيارة الجبهة وتصوير أفلام عن الحرب».
يتحدث الفنان الكبير عن أصعب اللحظات التى مرت عليه خلال فترة الحرب قائلا: «أنا دموعى عزيزة، لكن بكيت عندما تم أسر أخى الأكبر خلال الحرب، وكنت وقتها محاصرا فى الثغرة، وسمعت صوته فى الراديو ضمن الأسرى، حيث كان مجندا فى نفس الفترة، وتم تبادل الأسرى قبل فك الحصار، وعاد شقيقى قبلى وهو الذى جاء وأخذنى من الحصار وهذه إحدى اللحظات الدرامية الصعبة التى عشتها خلال فترة الحرب والتى دونتها فى كتاب يحمل تفاصيل كل هذه السنوات وتلك التجربة بكل ما فيها من وجهة نظر العسكرى البسيط الذى عاش هذه الحروب».
وتابع الفنان الكبير متحدثا عن كتابه الذى يحوى تجربته وسنوات عمره التى قضاها فى الجيش قائلا: «يحمل الكتاب اسم «الكتيبة 26»، وصدر منذ ما يقرب من 40 عاما ونفدت منه ثلاث طبعات، ويتضمن مشاهدات حية ورؤية جندى، حيث يضم تفاصيل عن كيف كان يعيش الجندى المصرى وتفاصيل يومه خلال هذه الفترة من حرب الاستنزاف وحتى ما بعد العبور وكيف دخلنا وعبرنا واستشهد زملاؤنا وكيف لم تخرج العساكر عن طبائعها وظلوا خلال هذه الفترة الصعبة يغنون ويضحكون».
يشير إلى أنه أعد سيناريو وحوارا للكتاب، وكان يتمنى تقديمه فى فيلم يعبر عن تجربة الحرب من وجهة نظر ورؤية جندى، ولكن هذا لم يحدث.
وتابع: «كى أكون صادقا مفيش ولا فيلم من اللى اتعملوا يمثل حرب أكتوبر، ولو حذفنا أحداث الحرب كاملة من أى فيلم منها ستسير الأحداث والدراما دون أن تتأثر، وكان أفضل هذه الأفلام فيلم أبناء الصمت، ولكن للأسف تنتهى أحداث الفيلم مع بدء حرب أكتوبر».
وعن فيلمى "الطريق إلى إيلات" و"الممر" قال لطفى لبيب: «كلاهما يتناول أحداثا وعمليات خلال حرب الاستنزاف وقبل حرب أكتوبر، أما الفيلم الذى كتبته فيحوى كل تفاصيل وأحداث الحرب وكيف عبر الجنود قناة السويس، واقتحموا النقاط القوية والنقطة المسحورة ويوميات العسكرى الذى صنع كل هذا».
«قرأ الفيلم عدد كبير من زملائى الفنانين وبعض المخرجين وأشادوا به إشادة كبيرة، لكن مش عارف أروح فين علشان يتنفذ وماليش اتصالات قوية ومش بتاع بروباجندا».
رفض الفنان الكبير والجندى البطل لطفى لبيب عرضا لتكريمه بالسفارة الإسرائيلية بعدما جسد شخصية السفير الإسرائيلى فى فيلم السفارة فى العمارة.
وتحدث عن هذا الرفض قائلا: «طلبنى أحد المسئولين فى السفارة الإسرائيلية بالقاهرة بعد عرض الفيلم، وقالوا لى السفير عاوز يتعرف عليك ويكرمك، فاعتذرت ورفضت وقلتلهم الظروف لا تسمح»، وأردف قائلا :«إزاى أحاربهم فى الجيش 6 سنين وأروح لهم السفارة علشان يكرمونى» .