سيل وادى العريش بشمال سيناء، والذى يتخذ مساره من أقصى جبال جنوب ووسط سيناء وصولًا للشمال، لا تزال المياه الجارية فى مجراه بعد تجاوزها سد الروافعة الذى يحتجز قرابة 5 ملايين متر مكعب غير مستغلة وتتخذ طريقها للبحر المتوسط، وتهدر كميات كبيرة من المياه العذبة الحاملة للطمى.
كيف يمكن منع الهدر لهذه الثروة وأوجه الاستغلال الأمثل لها هذا ما أوضحه الدكتور كمال عودة غُديف أستاذ المياه بجامعة قناة السويس واستشارى المياه بالبنك الدولى لـ"اليوم السابع"، قائلاً إنه يمكن ذلك بتخزين مياه سيول وادى العريش تحت الأرض وهو علم سبقنا إليه سكان الصحارى بشكل مبسط، حيث تعلم العالم من حضارتنا وقدرة أهل الصحارى العربية للتكيف مع الجفاف والاستفادة من مياه السيول وعملوا على تطويرها من خلال تطبيق التكنولوجيات الحديثة اعتماداً على الثقافة المتوارثة لأهل الصحراء التى كانت تعنى بالأساس بالتخزين الجيد للماء وتعظيم الاستفادة من كل قطرة ماء من خلال زراعة محاصيل تتحمل الجفاف والاستخدام الكفؤ للمياه فى شتى المجالات، فلقد بنى أهل الصحراء الهرابات والسدود الاعتراضية لتخزين مياه السيول تحت الأرض وكذلك الزراعات المطرية.
وأشار عودة، إلى أنه لتطوير هذه الأفكار وتحقيق أقصى استفادة من مياه السيول فى حوض وادى العريش ينبغى الاستفادة من التكنولوجيات القائمة، واستخدام وسائل لا تتعارض مع الطبيعة بل تتوافق معها، وهذا ما أكدت عليه الأمم المتحدة فى شعار الطبيعة من أجل المياه والذى يهدف لإيجاد حلول لجميع قضايا المياه من الطبيعة وأن تتوافق معها.
وتابع أستاذ المياه بجامعة قناة السويس أنه طبقا لصور الأقمار الصناعية (لاندسات) يمكن تقسيم حوض وادى العريش إلى 6 أحواض فرعية (وادى البروك، وادى الرواق، وادى العقابة، وادى قرية وادى الجايفى وادى العريش)، وقد تم تحليل شبكة التصريف لكل حوض فرعى وحساب الخصائص الجيومورفومترية، وكذلك تحديد درجة الميل ونوع الرواسب وغيرها من معاملات، ووجد أن أنسب مكان لتجميع مياه الجريان السطحى من الأحواض الجنوبية فى المنطقة الواقعة بين "ضيقة أخرم"، و"ضيقة الحلال"، وبناء عليه نوصى بإنشاء موقعين لتخزين المياه تحت الأرض فى منطقة "طلعة البدن"، بخلاف السدود الصغيرة القائمة قبل "سد الروافعة"، مثل "سد طلعة البدن"، للتخفيف من شدة فيضان وادى العريش، وتجميع المياه خلف السدود الاعتراضية وتصفية المياه من الرواسب قبل تخزينها فى باطن الأرض لتنمية وتعمير منطقة "السر والقوارير" بين جبل الحلال وجبل المغارة فى وسط سيناء.
وأوضح عودة، أنه ساعد سد طلعة البدن كثيرا فى توجيه السيل لغمر منطقة السر والقوارير بالمياه تمهيداً لزراعتها بالطريقة القديمة.
وأضاف عودة، أنه غالبًا ما يتم الاستفادة من مياه السيول من خلال بناء عدد من المنشآت المائية لحصاد مياه السيول والاستفادة منها وفى نفس الوقت حماية مدينة كبيرة مثل العريش من مخاطر السيول الكبيرة المفاجئة، والتى حدثت عام 2010 وكادت أن تتكرر فى 2019، وقدرة بعض السدود التخزينية والاعتراضية القائمة وكذلك الهرابات وبحيرات التخزين الكبيرة فى تخفيف سرعة السيول، وتحقيق أقصى استفادة منها فى شحن خزانات المياه الجوفية والتخزين تحت سطح الأرض.
وأكد الدكتور كمال غديف الخبير المائى، أن إنشاء عدد من وحدات التخزين الإضافية فى باطن الأرض قبل سد طلعة البدن لتنمية منطقة السر والقوارير بين جبل المغارة وجبل الحلال وحماية مدينة العريش من مياه السيول، يعطى الفرصة لرى 350 ألف فدان صالحة للاستصلاح الزراعى بهذه المنطقة بمكن تنميتها اعتمادا على استغلال مياه السيول والمياه الجوفية فى رواسب العصر الرباعى والتى أمست اليوم مغطاة بالرمال، وكانت مليئة بالمياه فى العصور المطيرة والتى أنتهى آخرها منذ ما يقرب من ستة آلاف عام.
وأشار عودة إلى أن استغلال العلم والتكنولوجيا لإنشاء بنوك لتخزين المياه تحت الأرض فى خزانات المياه الجوفية الفارغة باستخدام طريقة الأحواض التى تعمل على ترشيح المياه وتنقيتها قبل وصولها إلى مستقرها فى باطن الأرض، ويمكن تقسيم منطقة التخزين إلى عدد من الأحواض بحيث تبلغ مساحة الحوض الواحد عشرة أفدنة، فوق الخزانات الجوفية الفارغة التى تعد بمثابة البنك الذى سوف يحتفظ بكميات المياه نقية وصحية للأجيال القادمة.
وأضاف عودة، أنه من هذا المنطلق فإننا فى حاجة إلى إنشاء عدد من بنوك المياه فى حوض وادى العريش، وتخزين مياه السيول فيها وحفظها من البخر والهدر والتلوث واستخدامها بطريقة مستدامة وفعالة، من خلال إنشاء أحواض الترشيح والتخزين فى باطن الأرض والاستخدام من خلال الآبار المحيطة بالموقع، هذه التكنولوجيات البسيطة اقتصادية وفعالة وتسمح بإعادة استخدام المياه بكفاءة فى الزراعة النوعية لمحاصيل متوطنة وتتحمل الجفاف، والتوسع فى مشروعات حصاد مياه الأمطار والسيول والتى بدأت فيها بالفعل وزارة الموارد المائة والرى من خلال إنشاء عدد من السدود التخزينية والاعتراضية لتجميع المياه والتربة الخصبة وكذلك إنشاء الهرابات وبحيرات التخزين الممتدة على طول الأودية الجافة سيحقق ما نرجوه لتنمية حوض وادى العريش وحماية مدينة العريش.
وكانت أعلنت الإدارة العامة للمياه الجوفية بشمال سيناء، امتلاء مفيض سد الروافعة فى وسط سيناء بعد ملء بحيرة السد عن آخرها بمياه السيول بسعة تخزينية 5.3 مليون م2، ويعتبر سد الروافعة هو الحاجز لمياه الأودية التى تصب فى مجرى وادى العريش.
وأضافت الإدارة العامة للمياه الجوفية بشمال سيناء، أنه تم تشكيل لجنة من مهندسى الإدارة متحدين مع مندوب من معهد الموارد المائية للمرور على منشآت الحماية لتقييم سدود الحماية بالإدارة، وكميات المياه التى خلفتها الأمطار، وضم الفريق من المهندسين كلا من خالد الأباصيرى وعبدالرازق صالح ومحمد محمد زينهم مندوب المعهد توجهوا لسد الروافعة بوسط سيناء، واتضح ملء بحيرة السد عن آخرها بالمياه بسعة تخزينية 5.3 م2 وفاضت مياه الأمطار من مفيض السد إلى مجرى وادى العريش فى اتجاه مدينة العريش الأمر الذى قررت معه اللجنة العودة لمتابعة سير المياه فى وادى العريش، وإخطار الجهات المعنية باتخاذ اللازم.