تعد عمليات زراعة الكبد طوق النجاة من شبح الموت للمرضى المصابين بالفشل الكبدى لتكتب شهادة ميلاد جديد للحالات التى تجريها، حيث تستنزف أمراض الكبد مرضانا ماديا وصحياً لتسلبه كل شيء فلا تبقى إلا روحا هزيلة تحتاج إلى منقد يغرس فص كبد يعيد الحياة إلى الجسم مرة أخرى.
اللافت فى الأمر أن هذا النوع من الجراحات يتكلف مبالغ طائلة لا يستطيع المرضى دفعها ثمنا لشراء حياتهم فمثلا فى مستشفيات القطاع الخاص تصل التكلفة من 750 ألف جنيه إلى مليون جنيه وهو ما تتحمله الدولة لتصل التكلفة إلى صفر ضمن برامج العلاج على نفقة الدولة والتأمين الصحى لتجرى الجراحة وفق البرتوكولات العالمية فى زرع الأعضاء خاصة فى ظل توجيهات القيادة السياسية بتحسين الخدمة الطبية وإجراء الجراحات الحرجة والعاجلة للمرضى ضمن مشروع قوائم الانتظار الذى أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسى مؤخرا.
"اليوم السابع" قضت يوما داخل وحدة زراعة الكبد بالمعهد القومى للكبد، والتى تجرى أكثر من 25 عملية زراعة كبد بالمجان سنوياً فيما يسمى بنظام الكبسولات الجراحية كأعلى نظام متطور لمكافحة العدوى وتأمين المريض فالوحدة مقسمة إلى عيادات للكشف وفحص المرضى ومتابعة الإشاعات والتحاليل وعمل قرارات العلاج على نفقة الدولة أو خطابات العلاج على نفقة التأمين الصحى، وكذلك تحضير المريض للعملية بعد استخراج رخص الزرع بموافقة اللجنة العليا لزراعة الأعضاء.
وتأتى خطورة إجراء الجراحة فى المرتبة الثانية حيث يتم حجز المريض وتحضيره للعملية بعد حضور المتبرع ويوجد بالمعهد القومى للكبد كبسولتين لإجراء عمليات الزرع للمرضى يعمل بهم فريق مدرب وعلى كفاءة عالية ويضم كافة التخصصات الجراحية التى تضمن أمان المريض وخروجه معافى إلى الحياة بعد سلسلة متابعات دقيقة تستمر بعد اجراءه الجراحة لمدة من 6 شهور إلى عام بحسب الحالة وتطوراتها.
وأثناء التعرف على نشاط وحدة زراعة الكبد بالمجان بالمعهد والذى رافقنا فيها الدكتور محمد إسماعيل مدير برنامج زرع الكبد وعميد المعهد التقيانا المرضى الذين روى لنا تفاصيل رحلة علاجهم من الفشل الكبدى بزراعة عضو جديد وحتى الشفاء الكامل، وكانت البداية مع عبير محمد والدة "نور" الذى انتهى منذ أسبوع من زراعة كبد من متبر، قائلة: "نور عنده 20 عاما اكتشفنا وجود فشل كبدى بسبب التهاب كبدى مناعى ونصحنا الأطباء بأجراء عملية زرع سريعا وفعلا جينا على معهد الكبد وبدأت الإجراءات وأجرينا الجراحة ونور بحالته حالياً مستقرة".
وتابعت: "كل الاجراءات تمت بدون أى تكاليف كلها على نفقة الدولة وحتى مبالغ نفقة الدولة لم تكفى، وقام المعهد بتوفير مبالغ مالية من أحد الجمعيات الخيرية وكذلك من أحد البنوك والمعهد سدد لنا مبالغ تصل إلى 25 ألف جنيه والحمد لله العملية تمت بنجاح وقريب هنخرج ونور يتابع مع الدكاترة، وقالوا لنا هتصرفوا علاج ما بعد الزرع من المعهد بالمجان".
ومن أم نور إلى عم حلمى محمد 45 عاما من البساتين، الذى انتهى منذ شهر من إجراء عملية زرع الكبد بالمعهد وتبرعت له ابنته هدى حلمى محمد 20 عاما، فعم حلمى سعى لإيجاد متبرع فلم يفلح الأمر لأكثر من مرة فبحث بين أخوته فما كان من أخية الأصغر إلا أن وافق على العملية، ومع إجراء التحاليل والفحوصات كانت المفاجأة أنه لن يستطيع الحصول على فص من أخيه، وقال عم حلمى: الموضوع بقى صعب أوى والدنيا قفلت فى وشى فبنتى الكبيرة هدى قالت أنا هتبرعلك يا بابا فى الأول خفت عليها ورفضت وأمام إصرارها مع والدتها توكلنا على الله وانهينا الإجراءات فى المعهد وبصراحة كل الناس وفقت معانا وعملنا العملية بنجاح وبتردد على المعهد علشان المتابعة كل 3 أسابيع وبصرف علاجى كلة بالمجان، وتابع : لما بتأخر عن الحضور للمعهد الأطباء بيتصلوا بيه يسالوا انت فين يا عم حلمى؟ لازم تيجى للمتابعة.
وهنا تدخلت هدى ابنة عم حلمى فى الحديث، قائلة: للأسف مفيش اختيار قدامنا بابا لازم يخف ملناش غيره وأنا كنت مخطوبة وطبعا الموقف صعب لكن أنا والدى كلى حياتى مفكرتش كتير وبلغت خطيبى وروحنا يوم العملية وتم الحجز وعملنا العملية فى الأول كنت خايفة خاصة إن والدى انتظر كم شهر لحد ما تميت 19 سنة علشان العملية لأنه مينفعش تبرع من أقل من كدة والحمد لله العملية نجحت والأهم بقى أننا عملنا كل حاجة من غير أى تكلفة.
وإلى هنا نخرج من غرفة الانتظار والمتابعة لمرضى زراعة الكبد، لنجد عم شبل المحمدى 53 عاما من محافظة المنوفية، يتجول بين عيادات الفحص والكشف واللجنة الثلاثية ليحرر قرار علاج على نفقة الدولة لإجراء عملية زرع كبد من متبر، قائلا: "أعانى من تليف كبدى بسبب الإصابة بفيروس سى وهو ما تسبب فى فشل كبدى واحتاج زراعة كبد ضرورى"، وتابع: "أنا حاليا بجهز الأوراق وخلصت كل التحاليل وهنجيب موافقة الزرع وفى المعهد كل التكلفة عليهم وبصراحة دا نتيجة اهتمام الدولة بالصحة وزمان الناس كانت بتموت لان الزرع كان حلم كبير ميقدرش علية غير المقتدر" .
وفى نفس السياق، كشف الدكتور محمود طلعت منسق برنامج زرع الكبد، آليات استقبال المرضى بالمعهد لإجراء عمليات الزرع، قائلا: "بنستقبل المريض من 9 صباحا ويقوم بقطع تذكرة على نفقة العلاج المجانى وبيتم الكشف الكامل له، مضيفا: "نطلب ما لا يقل عن 90 تحليل و15 نوعا من الأشعة للمريض يقوم بإجرائها وبعد ذلك يقوم بالحصول على موافقة الزرع من اللجنة العليا لزراعة ونقل الأعضاء وبنقوم بعملية الزرع خلال فترة بسيطة ونوفر المتابعة الدقيقة والعلاج لكل المرضى".
وأكد الدكتور محمد إسماعيل عميد معهد الكبد لـ"اليوم السابع": يوجد بمصر 18 مركزا لزراعة الكبد ولدينا كوادر بشرية على أعلى مستوى وتتم العمليات وفق البرتوكول العلاجى العالمى، مشيرا إلى أنه يتم زراعة ما يقرب من 25 حالة سنوياً بالمعهد وتابع قريبا سيتم رسميا ادخال خدمة زراعة الكبد للأطفال بعدما اجرينا حالتين تجربتين وحققوا نجاح كبير، لافتاً إلى أن الدولة تولى اهتمام كبير بالعمليات الحرجة والعاجلة ومشروع قوائم الانتظار كان فاتحة خير على المرضى جميعا خاصة غير القادرين.
وأوضح أن تكلفة العملية للأطفال تتعدى الـ 225 ألف جنيه بينما الكبار 275 ألف جنيه والدولة مع المجتمع المدنى تتحمل كامل التكلفة وعلاجات ما بعد الزرع، وأضاف: العيادات تعمل يومياً بدون توقف ونرحب بكل المتعاونين معنا لصالح المرضى، مشيرا إلى أن المعهد يتوفر فيه أحدث الأجهزة والعلاجات للمرضى.