شهد الاقتصاد المصرى على مدار 3 سنوات مضت، تنفيذ أجرأ برنامج للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى تنفذه مصر فى العصر الحديث، وذلك عبر آليات تمثلت فى تحرير سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء وأن يخضع سعر الدولار لقوى العرض والطلب بالبنوك العاملة فى مصر، وإصلاح منظومة الدعم وخفض الدين العام وعجز الموازنة وتنويع مصادر العملة الصعبة.
ويعنى الإصلاح الاقتصادى، القيام بصياغة وتنفيذ مجموعة من الإجراءات والخطط الاقتصادية، مالية ونقدية، لعلاج تشوهات متراكمة على مدار عقود، وتشمل تحرير سعر الصرف وهو ما انعكس إيجابًا بتوفير النقد الأجنبى، ودخول أكثر من 200 مليار دولار إلى شرايين الاقتصاد المصرى، والعمل على خفض عجز الموازنة العامة للدولة والدين العام كنسب من الناتج المحلى الإجمالى، والمحافظة على مستوى منخفض للتضخم – ارتفاع أسعار السلع والخدمات – إلى جانب الإصلاحات فى مجالات الضرائب والجمارك والسياحة.
ويدير البنك المركزى، دفة السياسة النقدية للبلاد، بما يعزز أهداف دعم النمو والاستثمار وتعبئة أرصدة الاحتياطى الأجنبى، ويستخدم فى ذلك أدوات مثل سعر صرف العملة المحلية، وأسعار الفائدة.
ومع تزايد الثقة فى القطاع المصرى سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج – يقدر عددهم بأكثر من 8 ملايين مصرى - نحو 25.1 مليار دولار خلال العام المالى 2018 – 2019، مقارنة بنحو 26.5 مليار دولار، فى السنة المالية 2017 – 2018، ومقابل نحو 21.9 مليار دولار خلال السنة المالية 2016 – 2017، أى بإجمالى يقدر بنحو 73.5 مليار دولار خلال 3 سنوات، خاصة مع انتهاء عصر السوق السوداء للعملة.
وتعد حصيلة رسوم المرور فى قناة السويس، إلى جانب تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والصادرات والاستثمار والسياحة، مصادر العملات الأجنبية للاقتصاد المصرى، والداعم الرئيسى للاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى.
وعلى مدار 3 سنوات، منذ تحرير سعر صرف الجنيه "التعويم" والذى تم فى 3 نوفمبر 2016، وخلال تلك الفترة شهدت مؤشرات الاقتصاد المصرى تحولات هامة، تمثلت فى زيادة نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى 5.5% وأبرزها تحسن أداء الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى، والذى يلامس حاليًا مستوى 16 جنيهًا للدولار، مقابل أكثر من 18 جنيهًا، فى الفترة التى أعقبت قرار التعويم، وتدفقات دولارية بأكثر من 200 مليار دولار على مدار 3 سنوات.
وشهد الاحتياطى الأجنبى لمصر على مدار 3 سنوات، ارتفاعًا إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، ليسجل حاليًا أكثر من 45.2 مليار دولار، فى نهاية شهر أكتوبر 2019، ليغطى نحو 9 أشهر من الواردات، مقارنة بـ19 مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2016، بزيادة تقدر بنحو 26 مليار دولار، بفعل خطة مدروسة انتهجها البنك المركزى المصرى والمجموعة الاقتصادية، تعتمد على ترشيد استخدامات العملة الصعبة والاستيراد من الخارج، وزيادة آجال الدين الخارجى لمصر، وتنويع مصادر العملة الأجنبية من القروض الدولية بدعم مؤسسات مثل صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، إلى جانب إصدار سندات دولية لمصر فى الأسواق العالمية.
و"تعويم الجنيه"، أو تحرير سعر الصرف، يعنى أن يتم ترك السعر فى السوق الرسمية بالبنوك العاملة فى السوق المحلية، ليتحدد وفقًا لآليات العرض والطلب – قوى السوق- ولا يتدخل البنك المركزى المصرى ، فى تحديد السعر، فى حين يعنى "التعويم المدار" أن يتم خفض فى سعر العملة، ثم بعدها يتدخل البنك المركزى فى السعر جزئيًا.
وأتمت مصر الحصول على التمويل المقدم من صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار لدعم برامج الإصلاح الاقتصادى الذى طبقته مصر على مدار 3 سنوات، بما دعم الثقة فى أداء الاقتصاد، وزيادة أرصدة الاحتياطى الأجنبى ودعم موارد الموازنة العامة للدولة، وسط أشادة من صندوق النقد الدولى بالسلطات المصرية لتنفيذها إجراءات الحماية الاجتماعية التى خففت عبء الإصلاح الاقتصادى عن محدودى الدخل.
وخلال السنوات الماضية قامت مؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية برفع التصنيف الائتمانى لجمهورية مصر العربية عدة مرات متتالية، بما يعد بمثابة شهادة من مؤسسات عالمية على نجاح جهود الحكومة المصرية فى تنفيذ برنامجها الشامل للإصلاح الاقتصادى، وهو ما سيسهم فى زيادة درجة الثقة فى قدرات الاقتصاد المصرى، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وخفض تكلفة التمويل للحكومة وللقطاع الخاص.
ويتيح تحقيق وفورات مالية فى اقتصاد مصر والموازنة العامة، ضمان وجود تمويل مستدام للإصلاحات المستهدفة فى قطاعى الصحة والتعليم، مع التركيز على الاستثمار فى رأس المال البشرى مما سينعكس إيجابيا على زيادة إنتاجية الاقتصاد المصرى وتحسن جودة الخدمات المقدمة للمواطن وعلى معدلات النمو وفرص العمل الجديدة وهو ما سيدفع الى مزيد من تحسن الجدارة الائتمانية للاقتصاد المصرى، بما يعزز تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر بمعدل 11 مليار دولار سنويًا.
وخلال الفترة المقبلة، من المتوقع أن يواصل الاحتياطى الأجنبى رحلة الصعود، إلى مستوى الـ50 مليار دولار مع التزام تام بدفع أقساط المديونيات الخارجية فى موعدها، واستمرار تراجع التضخم إلى مستوى أقل من 7%، ومع توافر العملة الصعبة، وتوقعات مؤشرات الاقتصاد المصرى الإيجابية، من المتوقع خلال الفترة المقبلة أن يشهد الدولار الأمريكى مزيد من الانخفاض أمام الجنيه المصرى حتى نهاية العام الجارى، مع زيادة الاستثمار الأجنبى المباشر فى البنية الأساسية ومشروعات محور قناة السويس، ليتراجع إلى أقل من 16 جنيهًا للدولار خلال الفترة المقبلة.
ومع انتهاء السوق السوداء والمضاربة على العملة، مع تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016، ارتفع معدل بيع العملة الصعبة للبنوك المصرية، وارتفع إجمالى تحويلات المصريين العاملين بالخارج لتسجل نحو 26 مليار دولار خلال عام، وهو ما يعكس ثقة المصريين فى التعامل مع الجهاز المصرفى المصرى كنتيجة إيجابية لقرار تحرير سعر صرف الجنيه المصرى.
وشهد معدل التضخم على أساس سنوى، تراجعًا إلى 4.3%، مقابل 15.4% فى سبتمبر 2018، وبعد أن ارتفع إلى نحو 33% فى منتصف عام 2017، مع الإجراءات الخاصة ببرنامج الإصلاح الاقتصادى، وسط توقعات بأن يواصل البنك المركزى المصرى خفض أسعار الفائدة، لتشجيع الإقراض.
ومن المتوقع أن يستمر البنك المركزى المصرى، فى سياسة خفض أسعار الفائدة بنسبة 1% خلال الشهر الجارى، بعد الخفض بنسبة 2.5% خلال الاجتماعين الأخيرين، للجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى المصرى، وهو الخطوات التى تستهدف تشجيع الاستثمار والطلب على القروض.
يأتى تطور مؤشرات أداء الاقتصاد المصرى، وسط إشادات دولية متواصلة من مجتمع الاستثمار العالمى، والمؤسسات الدولية، حيث قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى فى صندوق النقد الدولى، رداً على أسئلة "اليوم السابع"، خلال اجتماعات صندوق النقد الدولى الشهر الماضى فى واشنطن، إن هناك تحسنا ملموسا فى مؤشرات الاقتصاد الكلى فى مصر، مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى على مدار الثلاث سنوات الماضية.
وأشار إلى ارتفاع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى 5.5% على مدار العامين الماضيين، وتمكنت الحكومة المصرية من تغطية الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا، لافتا إلى تراجع معدل التضخم - مستوى أسعار السلع والخدمات - فى مصر ومعدل البطالة، لافتًا إلى أن المشاورات مستمرة مع الحكومة المصرية، لمستقبل التعاون مع المؤسسة الدولية، وذلك بهدف الاستمرار فى الإصلاحات الهيكلية، وخلق فرص عمل ودعم دور القطاع الخاص وتعزيز الحوكمة والشفافية فى المؤسسات العامة.
ويعتبر صندوق النقد الدولى، مصر، قصة نجاح لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، حيث نجح البرنامج فى علاج مشكلات هيكلية عانى منها الاقتصاد المصرى على مدار عقود، ونجحت الحكومة والبنك المركزى المصرى فى علاج مشكلات توافر النقد الأجنبى والقضاء على السوق السوداء للعملة وخفض عجز الموازنة العامة للدولة وإعادة هيكلة الدعم، وخفض البطالة والتضخم.