- المؤثرات والخدع وأصوات الرصاص والانفجارات بمب وزجاج
- الكومبارس الشعبى من شارع محمد على بأجر 15 قرشاً والأرستقراطى من النادى الروسى بـ50 قرشاً والإنجليزى بـ5 جنيهات
افتتح مهرجان القاهرة السينمائى دورته الـ41 وهو المهرجان الذى بدأ فعالياته لأول مرة عام 1976، وهو أحد أهم المهرجانات الدولية للسينما، هذا الاختراع الذى أثر فى حياة الشعوب منذ أن عرفته البشرية.
وكانت مصر من أوائل الدول فى العالم التى عرفت السينما، حيث كان أول عرض سينمائى تجارى فى العالم فى باريس عام 1895، وبعده بأيام كان أول عرض سينمائى فى مصر فى مقهى ازوانىب بمدينة الإسكندرية فى يناير 1896، ثم افتتحت أول سينما للأخوين لوميير بالإسكندرية ومنتصف عام 1897، وظلت لسنوات طويلة تسجل مشاهد لبعض المناظر المصرية ثم تطورت إلى أفلام تسجيلية قصيرة وبعدها عرفت مصر الأفلام الروائية الصامتة.
وفى عام 1932 عرض أول فيلم مصرى ناطق وهو فيلم أولاد الذواتب الذى قام ببطولته يوسف وهبى وأمينة رزق، وعلى مدار سنوات طويلة شهدت السينما المصرية تطورًا كبيرًا للتغلب على الصعوبات التى واجهتها فى بدايتها حتى وصلت إلى ما هى عليه، حيث عانى رواد السينما فى بداياتها معاناة كبيرة لتصوير الأفلام فى وقت لم يكن التطور العلمى والتكنولوجى وصل إلى ما وصلنا إليه، واضطروا إلى استخدام وسائل بدائية وحلولًا قد تبدو طريفة وغريبة للتعامل مع المشكلات التى واجهتهم.
فمع بدايات السينما فى مصر لم تكن الأمور كما هى الآن فيما يتعلق بالديكور والمجاميع والكومبارس وفريق عمل الفيلم، واستخدام المؤثرات الصوتية والخدع، ولم يكن هناك استديوهات، وكان يتم التعامل مع هذا الوضع ببدائل مختلفة يحيطها الكثير من الطرائف والمفارقات.
وفى عدد نادر من مجلة الكواكب صدر بتاريخ 6 نوفمبر من عام 1956، حكى المخرج والريجيسير والمنتج قاسم وجدى أحد أوائل من عملوا فى السينما، وقدم لها العديد من الوجوه الذين أصبحوا نجوما للفن بعض ذكرياته عن بدايات عمل السينما المصرية قبل وبعد افتتاح استوديو مصر الذى افتتح عام 1935 وما كان يواجهها من عوائق وكيف كان يتم التعامل مع هذه التحديات لإنتاج وتصوير الأفلام.
المؤثرات والخدع بمب وزجاج
وقال وجدى، إنه فى عام 1927 كانت فرقة رمسيس المسرحية بلغت ذروة النجاح والتفوق، ورأى يوسف وهبى بعد أن حقق طموحه فى المسرح أن يتجه إلى السينما، ولكن قال له الكثيرون إن وجهه لا يصلح للسينما، فلم يقتنع بهذا الرأى وأراد أن يثبت عكس ذلك، فعمد إلى إخراج أفلام قصيرة جدا للإعلان عن رواياته المسرحية المقبلة، وكان يذهب إلى شركة مصر للتمثيل والسينما مصطحبا معه أعضاء فرقته ليقدموا مشهدا من مشاهد المسرحية المقبلة، وكانت هذه الأفلام القصيرة تعرض على المتفرجين بين فصول المسرحية المعروضة فيرون المشاهد العنيفة والمشوقة من المسرحيات المقبلة، وكان المخرج محمد كريم عائدا لتوه من ألمانيا فاتفق معه يوسف وهبى على أن يضمه لفرقته ليقوم بإخراج هذه الأفلام، ولم تكن السينما الناطقة قد وجدت، لذلك عمد يوسف وهبى إلى طريقة بارعة فى أن ينطق الممثلون.
والممثلات على الشاشة وهى طريقة الدوبلاج، حيث كان الفنانون يصورون المشاهد الصامتة ثم يقفون حول الشاشة فى الظلام وكل واحد منهم ينطق بالكلام الذى كان مفترضًا أن يقوله وهو يمثل، أما المؤثرات الصوتية كإطلاق الرصاص وعصف الرياح وكسر الزجاج فكان قاسم وجدى يقف خلف الشاشة ممسكا بيده بمب الأطفال وألواح الزجاج ليحدث هذه الأصوات.
الاستديو بيت المحافظ
وذكر قاسم وجدى أنه لم يكن هناك استديوهات مصرية حين ولدت السينما فى مصر، وكان من الطبيعى أن تكون أغلب الأفلام متشابهة فى ديكوراتها، حيث كان المكان الوحيد الذى يتم فيه تصوير هذه الأفلام هو قصر محافظ القاهرة وقتها وهو محمود صدقى باشا، وكان يقع فى منطقة الهرم.
كان محمود صدقى باشا من هواة السينما ومن أشد المعجبين بالفنانين المصريين، ولهذا كان يضع قصره الفاخر تحت تصرفهم لتصوير الأفلام، وكان المخرجون يصورون أفلامهم فى هذا القصر، لذلك يلاحظ المشاهد للأفلام القديمة تشابه الديكور والغرف، فتظهر نفس غرفة النوم فى أكثر من فيلم.
وكان فريق عمل الفيلم يتألف من فردين فقط وهما المخرج والمصور، فكان كل منهما يقوم بعمل 5 أفراد، وكان على كل ممثل وممثلة أن يقوم بعمل الماكياج لنفسه، حيث لم يكن ظهر وجود الماكيير فى العمل الفنى، كما لم تعرف السينما فى بداياتها مدير الإنتاج ومساعدى المخرج ومساعدى المصور وغيرها من الوظائف المهمة، وبعد إنشاء استوديو مصر تم التفكير فى إيفاد بعثات فنية إلى أوروبا للتدرب على مختلف الوظائف الفنية، وبافتتاح استدويو مصر عام 1935 سمع الناس عن هذه الوظائف لأول مرة.
مظاهرة طلبة ثانوى للمشاركة فى فيلم وداد
وعندما تم افتتاح استوديو مصر عام 1935 كان من بواكير أعماله فيلم وداد، التى قامت ببطولته كوكب الشرق أم كلثوم، ولم تكن السينما المصرية عرفت شيئا عن الكومبارس أو كيفية جمعهم وتدريبهم على الوقوف أمام الكاميرا.
وذكر قاسم وجدى بعض الطرائف المتعلقة ببدايات استعانة السينما بالمجاميع والكومبارس، ومنها أنه خلال تصوير فيلم وداد طلب المخرج كرامب وهو ألمانى الجنسية حوالى 300 شخص من الكومبارس للتمثيل فى أحد المشاهد.
وفكر قاسم وجدى فى طريقة لجمع هذا العدد، فذهب إلى بعض الطلبة فى مدرسة الخديوى إسماعيل الثانوية، وعرض عليهم أن يظهروا على الشاشة فتحمسوا للفكرة، لكن المخرج وجد أن هذا العدد لا يكفى وطلب عددًا مثله، فلجأ الريجيسير قاسم وجدى إلى حيلة لجمع هذا العدد الكبير، واتفق مع بعض الطلاب على أن يقفوا فى أول الأمر ويخطبوا فى زملائهم ويطلبوا منهم الإضراب عن تلقى الدروس لمشاركة البلاد فى الكفاح والمظاهرات ضد الإنجليز، وأن يخرجوا بطلبة المدرسة كلها إلى مكان متفق عليه وهناك تنقلهم سيارات خاصة إلى الاستوديو ليقوموا بالتمثيل، وبالفعل نفذ الطلبة هذه الفكرة.
والطريف أن الاستوديو لم يكن يدفع أجورًا لهؤلاء الطلبة، ولكنه تكفل بطعامهم، فكان الكثيرون منهم يذهبون إلى البوفيه عشرات المرات فى اليوم لتناول الطعام وعجز البوفيه عن تلبية طلباتهم، فاتفق الاستوديو معهم على أن يدفع لكل منهم عشرة قروش فى اليوم مقابل عملهم فى الفيلم، ومن هنا نشأت فكرة إعطاء الكومبارس أجرًا فى الأفلام.
الكومبارس الشعبى 15 قرشا والروسى 50 قرشا
وأوضح قاسم وجدى، أنه كان يلجأ لجمع العنصر النسائى من الكومبارس لفتيات شارع محمد على، وكانت كل فتاة تتقاضى ما بين 15 قرشا و25 قرشا، وتكرر ظهور هؤلاء الفتيات فى الأفلام حتى كان الجمهور يضحك عليهم لمجرد ظهورهن على الشاشة لأنه حفظ وجوههن.
وأشار وجدى إلى أنه احتاج أثناء التحضير لفيلم الحل الوحيد للبحث عن فتيات يصلحن للظهور فى مشهد صالون بأحد البيوت الأرستقراطية، ولم يكن مناسبًا أن يستعين بفتيات شارع محمد على كما هو معتاد، فاهتدى إلى طريقة لجلب عدد من الكومبارس حين ذهب إلى النادى الروسى، فوجد هناك الأمراء والأميرات والجنرالات الذين طردتهم الثورة الروسية وكانوا يتبعون مراسم الإتيكيت فى المعاملة، واتفق معهم على القيام بأدوار الكومبارس مقابل 50 قرشا لكل واحدة منهن فوافقن على هذا العرض، وظل هؤلاء الروس البيض يقومون بأدوار الكومبارس فى السينما المصرية زمنًا طويلًا.
السفارة الإنجليزية تمنع رعاياها من العمل فى الأفلام المصرية
وقال قاسم وجدى، إن جميع الأجناس فى العالم عملت فى الأفلام المصرية ومنهم الإيطاليون واليونانيون والفرنسيون، ماعدا الجالية الإنجليزية، وفى أحد أفلام محمد عبدالوهاب أصر المخرج محمد كريم أن يكون الكومبارس من الوجوه الجديدة التى لم تظهر، فسمع وجدى من أحد أصدقائه أن بعض أفراد الجالية الإنجليزية يجتمعون فى حى الزمالك، فذهب ليفاوضهم فى الأمر، فأمهلوه يومًا ثم عادوا وأبلغوه موافقتهم بشرط أن يدفع لكل واحد منهم خمسة جنيهات فى اليوم وأن تكون مدة العمل 8 ساعات، ووافق المخرج على هذه الشروط، وعندما شرعوا فى العمل عرفت السفارة البريطانية، فأرسلت إليهم تطلب منهم أن يمتنعوا عن التمثيل فى الأفلام المصرية احترامًا لكرامة الجالية ولكنهم رفضوا الانسحاب.
علقة من فتاة مصرية
وفى فيلم آخر أراد قاسم وجدى، أن يستغلهم فى أدوار الكومبارس واقتضت حوادث الرواية أن تشترك بعض الفتيات المصريات مع الكومبارس الإنجليز، فاشتبكت فتاة مصرية مع فتاة إنجليزية بالأيدى، وتطور الأمر فانسحب الكومبارس الإنجليزى.
وأضاف قاسم وجدى، أن الأفلام المصرية فى بداياتها كانت تظهر فيها الشخصية الأجنبية شريرة ومكروهة ودخيلة فى الحياة المصرية، لذلك تلقت وزارة الخارجية المصرية احتجاجات من بعض الدول ونبهت الوزارة وقتها بمنع هذه الشخصية فى الأفلام المصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة