لا أشك في أن خبر إنتاج مسلسل "الاختيار" الذي يتناول حياة الشهيد "أحمد المنسي" نزل بردا وسلاما على كل مصري مؤمن بوطنه موقنا من أن الانتماء إليها شرف لا يعادله شرف، وأن أي عمل درامي يدعم هذا الانتماء عند أبناء مصر هو بلاشك عمل وطني عظيم يفخر به الجميع، بداية من شركة الإنتاج "سينرجي" التى عودتنا في الفترة الأخيرة على مغادرة التوقعات السلبية وحجز أول مقعد في قطار التفاؤل بمستقبل الدراما في مصر، مرورا بصناع المسلسل وأبطاله وعلى رأسهم المخرج المتألق بيتر ميمي والمؤلف باهر دويدار، ونجم العمل أمير كرارة الذي يقطع خطوات واسعة في تطوير أدواته والذي يقوم بدور أسطورة الجيش المصرى "المنسى" وأحمد العوضي الذي يقوم بدور الخائن عشماوي، ووصولا لأصغر عامل وفني في هذا العمل المرتقب.
نتعشم بكل الحب أن يظهر هذا المسلسل المنتظر بأبهى صوره، وأن يتصدر قائمة الأعلى مشاهدة في مصر والعالم العربي، وأن يصبح علامة فارقة في تاريخ الدراما العربية، مثلما فعل مسلسل "رأفت الهجان" قديما، خاصة أن الأجواء مهيأة تماما لمثل هذا التحقق الكبير، وأن الشعب المصري أثبت أن تاريخه الوطني وإنجازات جيشه من أهم عوامل الجذب بالنسبة إليه، ملقيا بمقولة "الجمهور عايز كدة" التي يتحجج بها منتجو التفاهة عرض الحائط، ومن باب الحرص على أن يظهر هذا المسلسل في أبهى صوره نبرز هنا أبرز 5 تحديات من الممكن أن تظهر أمام القائمين عليه هذا المسلسل المرتقب، وهي كالتالي:
1- صوفية المنسي
نعرف جميعا أن العقيد أركان حرب "أحمد المنسي" كان من أهم كوادر الجيش المصري، كما نعرف تفاصيل كثيرة عن مسيرته العسكرية الناصعة وإسهامه الذي لا ينسى في القضاء على الإرهاب في رفح والعريش بمحافظة شمال سيناء، كما نعرف أيضا الكثير من تفاصيل استشهاده هو و10 من جنوده أثناء صد عملية إرهابية خسيسة، لكن ربما ما لا يعرفه الكثيرون أن الشهيد "المنسي" كان يتمتع بشخصية صوفية يتمازج فيها عشق الله مع عشق الوطن، ويتحول فيها العشق إلى هيام ووله، وهذا الأمر بالنسبة لي هو مفتاح رئيسي من مفاتيح شخصية المنسى، وهو الذي يستطيع أن يفسر لنا كيف كان هذا المقاتل البطل أسدا في المعارك، ملاكا في الحياة، وهو ما يستطيع أن يفسر لنا تلك الابتسامة الآمنة المطمئنة التي تظهر في صوره أثناء التدريبات أو حتى في أثناء المعارك، فهي ابتسامة الواصلين الآمنين المطمئنين الذي يرون الحياة جسرا إلى الأمان الرباني المنشود، وفي اعتقادي أن هذا الخيط الخفي الذي يربط ما بين شدة البأس في القتال وشدة الرحمة في الحياة هو أمر سيمثل تحديا كبير الصناع الفيلم.
2- قرب الأحداث
في العادة، يختار صناع الأفلام والمسلسلات التي تنتمى إلى هذه النوعية من الدراما أحداثا ووقائع تاريخية حدثت منذ وقت بعيد وغاب عن البعض تفاصيلها وخباياها، لكن الحالة في مسلسل الاختيار الذي يجسد حياة الشهيد البطل أحمد المنسي مختلفة تماما، فغالبية الأحداث الساخنة في المسلسل حدث قبل سنوات قليلة، ما زال الشهيد الكريم ماثلا في أذهان الجميع بابتسامته ومقولاته وما ينشر عن حياته في كل مناسبة، فقرب الأحدث زمنيا قد يكون من الأمور التي من الممكن أن تؤثر على عنصر التشويق في المسلسل، وفي اعتقادي أن المخرج السحري لهذا المأزق هو صنع خطوط درامية تتناول حياة المنسي والعائلية والاجتماعية بشكل مواز للحبكة الأساسية التي اختارها صناع المسلسل، وهي المفارقة ما بين شخصية المنسي "الأصيلة" وشخصية العشماوي "الذليلة".
3- الأمل في مشاهدة عمل درامي عالمي
التحدي الثالث الذي يوجه صناع "الاختيار" هو ارتفاع الذوق العام في الآونة الأخيرة بشكل كبير، وذلك بعدما توغلت المسلسلات الأجنبية التاريخية ذات الإنتاج الضخم مثل صراع العروش والفايكينج وبيكي بلايندر وغيرها إلى الشاشات المصرية، بفضل المنصات الرقمية الجديدة والقنوات الأجنبية المتخصصة في الدراما، وهذا الأمر لا يشكل تحديا أمام صناع "الاختيار" فحسب، ولكنه يواجه الدراما المصرية والعربية أيضا، فقد كانت المسلسلات السورية والتركية في وقت ما هي المنافس الوحيد أمام الدراما المصرية، أما الآن فقد نمت في مصر شريحة كبيرة من محبي الدراما العالمية لا فرق بين مسلسل أمريكي وآخر بريطاني وثالث إسباني ورابع ألماني، وقد أسهمت هذه المسلسلات في تطوير الحس النقدي لدى المشاهد المصري الذي أصبح لا يتسامح مع الأخطاء المنطقية أو الإهمال في تجهيز المشاهد وصناعة الديكورات والملابس والموسيقى، ولذلك فقد تنامى الأمل في رؤية عمل عالمي يقف على قدم المساواة مع الأعمال التي اجتذبت الجمهور في الفترة السابقة
4- أسطورية المنسي المتحققة بالفعل
"منسي بقى اسمه الأسطورة" هكذا كانت تتغنى مصر كلها بفضل الأغنية الرائعة التي تغنى بها "رجالة منسي" من أبناء الجيش المصري فصارت على كل لسان وداخل كل بيت وفي قلب كل مصري، تغنى بها الجميع فاحتلت شاشات الفضائيات وحازت على نسب مشاهدة خرافية على مواقع الأنترنت، ومن المعروف أن الأعمال الدرامية تضيف إلى الذاكرة الجمعية المصرية ذاكرة بصرية تعمق هذه الأسطورة وتخلدها في العيون كما خلدت في الأذهان، وهو أمر أراه تحديا كبيرا أمام "أمير كرارة" الذي يقع عليه عبء كبير لأنه المسئول المباشر عن تجسيد الشخصية بأسطوريتها، وأيضا أمام المخرج بيتر ميمي لأنه المسئول الأول عن روح العمل وتناسقه وانسجامه.
5- مشاهد الحركة
آخر هذه التحديات هو تنفيذ مشاهد الحركة بشكل احترافي كبير، وفي الحقيقة فإني وضعتها في آخر التحديات لأني أرى أنها الأسهل بالنسبة لطاقم عمل بهذا التشكيل، فقد نفذ الثنائي "أمير كرارة وبيتر ميمي" أعمالا مشابه أهمها فيلم كازابلانكا الذي حاز على إعجاب الملايين واحتل مقدمة إيرادات السينما المصرية بفضل إتقان تنفيذ مشاهد الحركة التي اقتربت من العالمية ولا يعني هذا أن تلك التجربة سهلة بالنسبة لطاقم العمل ، فطبيعة المشاهد وتكنيكات الكر والفر في معارك الجيش المصري مع الإرهابيين، وطبيعة الذخائر المستخدمة وطبيعة التدريبات البدينة التي من المفترض أن يخضع لها نجوم الفيلم تجعلنا نقدر تمام التقدير عظم هذا التحدي، وفي النهاية فإني على ثقة تامة بأن هذا العمل سيخرج في شكله الأمثل بفضل الروح الوطنية الدافئة التي يتحلى بها بيتر ميمي ورفاقه وذكاء شركة الإنتاج بقيادة المنتج الكبير تامر مرسي، وخبرة نجوم العمل وعلى رأسهم أمير كرارة.