مباركة باباوية.. كيف نجح الرئيس الروسى فى اقتحام الغرب عبر الفاتيكان؟.. رسالة فرنسيس لبوتين فوق سماء روسيا خطوة على الطريق فى قيادة "العالم المسيحى".. وتزامنها مع زيارته لهيروشيما ونجازاكى إدانة ضمنية لواشنطن

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019 08:30 م
مباركة باباوية.. كيف نجح الرئيس الروسى فى اقتحام الغرب عبر الفاتيكان؟.. رسالة فرنسيس لبوتين فوق سماء روسيا خطوة على الطريق فى قيادة "العالم المسيحى".. وتزامنها مع زيارته لهيروشيما ونجازاكى إدانة ضمنية لواشنطن بابا الفاتيكان وبوتين
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"أصلى لأجلكم، وللشعب الروسى كله".. بهذه الكلمات سطر البابا فرنسيس رسالته إلى الرئيس فلاديمير بوتين، بينما كان يحلق فى سماء موسكو، فى طريقه للعودة إلى الفاتيكان، بعد جولته الآسيوية، والتى شملت كلا من تايلاند واليابان، فى انعكاس صريح إلى الطفرة الكبيرة التى شهدتها العلاقة بين روسيا والكنيسة الكاثوليكية، فى السنوات الأخيرة، والتى بدت واضحة فى تواتر اللقاءات التى جمعت بين "القيصر" و"الحبر الأعظم"، منذ صعود الأخير إلى العرش الرسولى، فى عام 2013، وهو ما يمثل انتصارا كبيرا لروسيا فى ظل صراع يبدو محتدم مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى سعى لوضع نفسه قائدا للعالم المسيحى، منذ بداية حقبته، عبر التودد إلى القطاع المتدين، ليس فقط فى الداخل الأمريكى، ولكن فى العالم بأسره.

كلمات فرنسيس تعد بمثابة مباركة باباوية، ربما غير مسبوقة، لموسكو، والتى تمثل خصما تاريخيا مزدوجا للفاتيكان، سواء على الجانب السياسى على اعتبار أن الفاتيكان تمثل الامتداد المسيحى لأوروبا الغربية، التى عاشت عقودا من الحروب ضد المعسكر الشرقى بقيادة روسيا، أو حتى على الجانب الدينى، خاصة وأن موسكو تمثل مقرا للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الأكبر فى العالم، والتى عاشت صراعا عقائديا طويل المدى مع الكنيسة الغربية، وبالتالى فإن التطور الكبير فى العلاقة بين الجانبين هو بمثابة نقطة تحول كبيرة، ليس فقط على المستوى الثنائى، وإنما انعكاس لنجاح روسيا فى اختراق أوروبا الغربية عبر أحد أهم مراكز قوتها الناعمة، والتى تحظى بنفوذ كبير، فى ليس فقط فى القارة العجوز، بل فى العالم المسيحى بأسره.

البوابة المسيحية.. صراع أمريكى روسى لقيادة العالم عبر الفاتيكان

ولعل الصراع الأمريكى الروسى حول قيادة العالم عبر بوابة "المسيحية" بدا بارزا فى العديد السياسات، سواء فى الداخل أو الخارج، عبر التركيز على استخدام المصطلحات الدينية، سواء فى الخطابات الرسمية، أو القرارات، وهو ما تجلى بوضوح فى قانون روسى، وقعه بوتين قبل سنوات لتجريم إيذاء مشاعر المتدينين، بينما اتخذ نظيره الأمريكى نفس المنحى فى توجهه الحاد نحو محاربة قوانين حرية الإجهاض فى الولايات المتحدة، على اعتباره مخالف للعقيدة المسيحية، أو دعوته لتدريس "الإنجيل" فى المدارس الأمريكية، فى خطوة تمثل مغازلة صريحة للقطاع المتدين فى الداخل الأمريكى، والذى يمثل أحد القواعد الشعبية التى دعمت وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وبالتالى يسعى للاحتفاظ بهم قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقررة فى 2020.

علاقة قوية بين البابا فرنسيس وبوتين
علاقة قوية بين البابا فرنسيس وبوتين

ويعد استقطاب الفاتيكان كان أحد أهم محاور الصراع الروسى الأمريكى، للحصول على المباركة الباباوية، وهو ما بدا فى لقاءات بوتين المتواترة مع فرنسيس، وكذلك الانفتاح غير المسبوق بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والفاتيكان، فى حين كان الرئيس الأمريكى حريصا هو الأخر على زيارة البابا فى مقره خلال أول جولة خارجية يقوم بها بعد تنصيبه فى البيت الأبيض، فى مايو 2017، والتى شملت المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بالإضافة إلى الفاتيكان وهى الدول التى تمثل مقرا للديانات الإبراهيمية الثلاثة، فى إشارة صريحة لاستخدام الإدارة للدين فى خطابها السياسى.

انقلاب أمريكى.. سياسات ترامب لا تروق للفاتيكان

إلا أن رسالة فرنسيس لبوتين تضفى انطباعا للتقارب الكبير بين رأس الكنيسة الغربية، مع قائد المعسكر الشرقى، فى ظل حالة تبدو واضحة من الامتعاض من قبل الفاتيكان على ما يمكننا تسميته بـ"الانقلاب" الأمريكى على المبادئ الغربية، فيما يتعلق بالجانب الإنسانى، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى خطابات متواترة للبابا أمام الملايين من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، سواء فى ساحة القديس بطرس فى قلب الفاتيكان، أو فى زياراته المتواترة للعديد من عواصم العالم، وهو ما بدا واضحا فى انتقادات البابا الصريحة لسياسات واشنطن الجديدة تجاه المهاجرين واللاجئين، والتى بدأت منذ الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى فى 2016.

 

زيارة ترامب للفاتيكان
زيارة ترامب للفاتيكان

لم تتوقف الاختلافات بين الفاتيكان وترامب على أزمة اللاجئين، وإنما امتدت إلى قضايا أخرى، أبرزها انتشار الأسلحة النووية، فى ظل الانسحاب الأمريكى من معاهدة القوى النووية المتوسطة والقصيرة المدى، بالإضافة إلى الانحياز الأمريكى السافر لإسرائيل، فيما يتعلق بمعاهدة إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووى، فى الوقت الذى تمارس فيه الإدارة الأمريكية ضغوطا كبيرة على الحكومة الإيرانية من أجل منعها ليس فقط من الحصول على أسلحة نووية، ولكن أيضا لتطوير أسلحتها بشكل عام، وهو القضايا التى أثارت انتقادات كبيرة من جانب موسكو فى الآونة الأخيرة، ظهرت بوضوح فى تصريحات بوتين حول ضرورة مشاركة حلفاء واشنطن فى أية معاهدات جديدة تتعلق بامتلاك الأسلحة النووية، فى إطار الرغبة الدولية لتحقيق السلام العالمى.

إدانة باباوية.. رسائل فرنسيس لواشنطن من ضحايا أمريكا النووية  

وهنا يمكننا القول أن الارتباط الزمنى بين زيارة البابا لليابان من جانب، ورسالته لبوتين، تحمل رسالة ضمنية مفادها مباركة الفاتيكان للنهج الروسى، خاصة فيما يتعلق بالقضية النووية، والتى كانت محورا لخطابات رأس الكنيسة الكاثوليكية، خلال جولته بالمدن اليابانية، وعلى رأسها مدينتى هيروشيما ونجازاكى (أبرز الضحايا النووية لأمريكا)، واللتين حملت زيارته لهما فى التوقيت الحالى رسائل أخرى تحمل فى طياتها إدانة لواشنطن، ليطلق منهما دعوة صريحة بضرورة تقويض الخطر النووى، الذى يمثل تهديدا صارخا للعالم.

فرنسيس يزور نصب تذكارى لضحايا الحرب فى نجازاكى
فرنسيس يزور نصب تذكارى لضحايا الحرب فى نجازاكى

الرسالة الباباوية تمثل خطوة على طريق بالنسبة لموسكو، لتحقيق حلم القيادة عبر الفاتيكان، خاصة وأن الفوز بمباركة البابا يمثل اختراقا روسيا صريحا للمعسكر الغربى، والذى ينظر إلى الفاتيكان باعتباره أبرز قواه الناعمة، حيث سيمثل التقارب غير المسبوق بين الجانبين نجاحا مهما لبوتين، ليس لفرض نفسه على الأنظمة الأوروبية، ولكن أيضا على الشعوب، والتى تبقى مرتبطة إلى حد كبير بالكنيسة الكاثوليكية، بالإضافة إلى الشعبية الكبيرة للبابا فرنسيس بين المواطنين فى مختلف العواصم الأوروبية، على حساب الحليف الأمريكى التاريخى للقارة العجوز، والذى دأب على إضعاف أوروبا الموحدة، واستهدافها اقتصاديا، عبر العديد من الإجراءات الجمركية، بالإضافة إلى التلويح المتواتر بنزع الحماية الأمنية عنها سواء بالتهديد بالانسحاب من الناتو تارة، أو تغيير الوجهة العسكرية لواشنطن إلى أوروبا الشرقية، تارة أخرى، فى خطوة تثير قلق الدوائر الغربية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة