كانت الساعة السابعة والنصف مساء الأربعاء 27 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1968حين اجتمعت اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى بدعوة من الرئيس جمال عبدالناصر، لمناقشة مظاهرات طلاب المدارس الخاصة والمعهد الدينى فى المنصورة يوم 20 نوفمبر 1968، وكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية يوم 23 نوفمبر 1968، واعتصم طلابها وفض الاعتصام يوم 25 نوفمبر.. «راجع، ذات يوم 23 و25 نوفمبر 2019».
دعا عبدالناصر أعضاء المؤتمر القومى للاجتماع فى شهر ديسمبر، وانعقدت اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى يوم 27 نوفمبر للتصديق على الدعوة، وجرت المناقشات حول المظاهرات فيها بصراحة وديمقراطية، وكانت شهادة الدكتور محمد حلمى مراد وزير التربية والتعليم، أمام الاجتماع مهمة وعميقة وكاشفة، وقراءتها الآن تلقى الضوء على حقائق مهمة، خاصة أن الرجل ليس محسوبًا على ما يمكن تسميتهم بـ«رجال عبد الناصر»، كما أن ما ذكره من أسباب للمظاهرات وبالقياس عليه، لا يعد فعلًا ماضيًا، وإنما الحاضر موجود فيه بطريقة وبأخرى.
قامت المظاهرات بسبب قانون «تطوير التعليم» كانت مصر تحتاج إليه بالفعل، وقدمه «مراد» بما هو معروف عنه من كفاءة ونزاهة ووطنية، وبالرغم من ذلك قامت المظاهرات فى المنصورة، التى يتذكرها الكاتب الطبيب الدكتور إيمان يحيى فى كلمات موجزة معبرة، فى تعليقه على ما كتبته يوم 23 نوفمبر 2019: «كنت فى سنة ثانية إعدادى بالمدرسة الأميرية الإعدادية «المنصورة»، ولم تخرج مدرستنا، كانت الكتلة الأساسية من مدارس خاصة «وقتها كانت المدارس الخاصة سبة، ودائما تلم الفاشلين».. خرج طلاب المعهد الدينى يحملون «عمر عبدالرحمن الشرير» المدرس الشاب آنذاك ليقودهم، رأيته بأم عينى يهتف: «أقبل، أقبل، ياديان».. يؤكد يحيى: «كانت حركة رجعية فى الأساس ركبها التيار الدينى، لكن استخدام الرصاص الحى من قبل الشرطة تجاه المتظاهرين، أعطى للأحداث معنى أكبر وأخطر.. تعاطف الناس مع المتظاهرين بعد ضرب الرصاص، بالنسبة لى ذهبت إلى منزل العائلة مذبوحًا من وقع هتاف عبدالرحمن الذى يرحب بالعدو ويطعن فى صمود 1968».
قال «مراد» أمام اللجنة المركزية، إنه بذل جهده وزملاؤه فى الوزارة للكشف عن العيوب والمآخذ فى نظام التعليم، وتم جمع هذه العيوب ووضع وسائل علاجها، وتم طرحها فى الصحف، وانعقدت لجانًا مختلفة ضمت جميع الأطراف المعنية، ومُثل الطلاب فى لجان عليا، وأبدوا رأيهم، وعٌدلت هذه القوانين عدة مرات أثناء المناقشات، ثم بعد ذلك عٌرضت فى اللجان الوزارية، وانتهى المطاف به إلى مجلس الوزراء، حيث وافق على المشروع فى صيغته النهائية».
أكد «مراد» أن النقاش دام ستة أشهر، ووافق عليه مجلس الوزراء مساء الأحد 17 نوفمبر، وفى اليوم التالى عقد مؤتمر صحفى شرح فيه مزايا القانون، ثم سافر فى اليوم التالى إلى المنيا لحضور مجلس مديرى التربية والتعليم الذى كان يعقد مرة كل شهر فى إحدى عواصم المحافظات. يوضح مراد أنه فى اليوم التالى لحضور الاجتماع فوجئ باتصال تليفونى من محافظة الدقهلية، يبلغه بأن هناك مظاهرات واضطرابات فى مدرستين من المدارس الخاصة بالمنصورة، والسبب أن طلاب المدرستين يحتجون على نقطتين.. الأولى: أن النظام الجديد قضى بأن الطالب يجب أن ينجح فى جميع المواد، بدلًا من إجازة نجاحه مع رسوبه فى مادة أو مادتين، كما يقضى بذلك القانون القديم، وأن طلاب الصف النهائى يقولون: إن الوقت الباقى من السنة لن يكفى لاستيعابهم المواد المتخلفة عنهم..أما النقطة الثانية، فهى أن القانون الجديد حدد عدة مرات الرسوب فى امتحان شهادة إتمام الدراسة الثانوية.
وقال مراد إنه تم الرد على ذلك، وأوضح كل نقطة بالتفاصيل.وأضاف «عندما علم الطلاب بهذا فى المدرستين الخاصتين بالمنصورة، هدأت الحالة، وانتظمت الدراسة، والواقع أن هاتين المدرستين الخاصتين لهما طبيعة خاصة، وهما معروفتان فى الوجه البحرى، إذ أنهما تقبلان الطلبة الذين فشلوا فى دراستهم، وفٌصلوا من المدارس الحكومية، ويعيدون الثانوية عدة مرات، هذه المدراس تعيش على هذه النوعية من الطلاب الذى يفكر باستمرار فى الفشل وعدم النجاح، وأبرئ القاعدة الكبيرة من الطلاب من هذا الاتجاه».
كشف «مراد» أن الرئيس طلب منه السفر إلى المنصورة يوم الجمعة ليكون فى قلب الأحداث، وسافر رغم مرضه الشديد بالأنفلونزا، وعقد اجتماعا حضره بعض ممثلى اتحاد طلاب الجمهورية، وتناقش معهم، وكانت نتيجة النقاش أن قالوا: إن هذا أكثر مما نريد، ويؤكد أنه زار المستشفى الجامعى فى المنصورة، ووجد أن عدد الطلاب المصابين خمسة، وقال إنه للأسف الشديد حدث يوم السبت تظاهر وإضراب فى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، وكانت سببًا لإثارة المدارس المجاورة.
اختتم مراد شهادته متسائلًا، متعجبًا، متحسرًا: «لا أعرف ماذا سنقول للعالم؟.. إن حركة الطلاب التى قامت فى فرنسا كانت ضمن مطالبها زيادة المناهج والمواد، بإدخال المواد ذات العلاقة بالتكنولوجيا والرياضة الحديثة، فهل نقول إن طلاب العالم يطالبون بدعم المناهج وتقويتها، وزيادتها، ونحن هنا فى الجمهورية العربية المتحدة، حيث نريد أن ننهض ونحقق التنمية والوحدة العربية ونقود الدول الأفريقية، نقوم بإضرابات ومظاهرات لكى نزيد من عدد مرات الرسوب».