صدر عن دار المشرق فى لبنان كتاب جديد بعنوان الدراسات العربية وانتفاضات الربيع العربى، تأليف بلال الأرفه لى (الجامعة الأمريكيّة فى بيروت، لبنان)، ومها حسامى (جامعة ديوك، الولايات المتّحدة الأمريكيّة)، ورنا سبلينى (معهد الدوحة للدراسات العليا، قطر)، وباربرة وينكلر (جامعة مونستر، ألمانيا)، وكريستيان يونجى (جامعة ماربورغ، ألمانيا).
يقول الكتاب "شكّلت الانتفاضات العربية التى بدأت عام 2010 نافذة للتغيير والتحوّل لا على الصعيد السياسى فحسب بل على الصعيدين الاجتماعى والفكرى أيضًا. وهى وإن لم تُؤْتِ ثمارها بتغيير إيجابى على الصعيد السياسى فإنّها قد نجحت بتغيير صورة "الشعب العربى" الخاضع لحكّامه فى العالم، كما نجحت فى الإضاءة على تحدّيات اجتماعية وأخلاقية وفكرية تواجه العرب. وقد كان لهذه الانتفاضات أثرٌ فى الدراسة الأكاديمية للعالم العربى وفى العلاقات بين المؤسّسات الأكاديمية فى العالم العربى وخارجه.
ويهتم الكتاب بأثر الانتفاضات العربية على حقل الدراسات العربية فى أوروبا والعالم العربى ويرصد تغيّرات مهمّة حصلت، ناتجة عن استجابة باحثين ناشطين فى الحقل للظروف المحيطة بهم، والنماذج المقدّمة لا تهدف بالضرورة إلى مساءلة المعرفة، لكنّها تبيّن كيفيّة التفاعل معها وتشكيلها وكيفيّة تخطّى الصعوبات والتحدّيات والاستفادة منها لدفع الحقل قُدُمًا. تحثّ هذه النماذج على التفكير فى طرق جديدة لإنتاج المعرفة، عبر مناهج ورؤى ومنصّات وتجارب وروابط جديدة، متغيّرة بتغيّر الوقائع والظروف، تمنح موضوع البحث والقيّمين عليه والعاملين فيه قدرةً على التعبير وفرصًا للتغيّر والتغيير.
يرصد الفصل الأوّل أثر الانتفاضات العربية على دراسة اللغة العربية لغير الناطقين بها فى البرنامج الصيفى لمركز دراسات الشرق الأوسط فى الجامعة الأميركية فى بيروت، لبنان. فالكتب التقليدية المستخدمة فى تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها لم تساعد كثيرًا فى فهم ما كان يطلقه المحتجّون الغاضبون المطالبون بسقوط الأنظمة من لهجة عاميّة وكلام سوقيّ. لقد تركت العربية نخبة المجلس ونزلت إلى الميدان العامّ. ولا شكّ أنّ السفر إلى المنطقة غدا أصعب بل وخطر فى بعض الأحيان، مع أنَّ ضرورته لتعلّم اللغة فى محيطها الاجتماعى والثقافى قد تزايدت. وبات لبنان مأوى غير متوقّع للطلاب الذين كانوا يدرسون فى مصر وسوريا. واستوجبت أساليب التدريس الجديدة التخلّى لا عن سحر العربية التقليدية فحسب، بل الخلط أيضًا بين العربية الفصحى الحديثة ولهجاتها، فى ظاهرةٍ راحت تتّضح على نحو متزايد فى وسائل الإعلام والأدب. واضطرّ الطلاب فى برامج العربية الصيفية المكثّفة، مثل برنامج الجامعة الأمريكية فى بيروت، إلى ترك صفوفهم التقليدية ليختلطوا بالناطقين المحليّين وباللاجئين والفئات المحرومة فى الشوارع. وترك هذا التحوّل بصمته على المنهاج الدراسيّ، مع زيادة فى استخدام أغانى البوب والشِّعارات والبرامج الحوارية فى غرفة الصّفّ.
ينتقل الفصل الثانى إلى نطاق أوسع فيتتبّع أثر الانتفاضات العربية المتعدّد الأوجه فى حقل الدراسات الأدبية العربية بوجه عامّ، وفى هذا الحقل فى ألمانيا بوجه خاصّ. إذ سارت إلى جانب الاحتجاجات السياسية فى العالم العربى "ثورةٌ ثقافية" تنظر إلى ممارسات الأدب والفن على أنّها أدوات تعتبر الحياة العادية سياسة. وكان من عواقب ذلك أَنْ بدأت الدراسات الأدبية العربية تعيد النظر فى العلاقة بين الأدب والمجتمع، مفضيةً بذلك إلى "توسيع" مفهوم النصّ الأدبى التقليديّ. وبات باحثو الأدب العربى توّاقين إلى دراسة أشكال نصّية جديدة، مثل المدوّنات وكتابات الجدران والشعارات، واستكشاف ما يحيط بالنصوص من شروط اجتماعية سياسية وما يقترن بالكتابة من ممارسات اجتماعية ثقافية. غير أنَّ هذا التوسيع لا يقتصر بأى حال من الأحوال على البحث الأكاديمى فى الدراسات الأدبية العربية، بل يتعدّاه إلى توسيع التشبيك الأكاديمى ولغة التعليم والالتزام المجتمعى فى كلّ ما يتعلّق بهذا الفرع. ومع تعزيز التعاون بين باحثين فى الغرب وفى العالم العربيّ، وتدريس اللغة العربية بوصفها لغة حديثة للتواصل وإنتاج المعرفة، وإبراز الالتزام المجتمعى إزاء حضور اللاجئين والمهاجرين العرب المتنامى فى ألمانيا، فإنَّ حقل الدراسات الأدبية العربية يتحرك قُدُمًا.