احتفلت المشيخة العامة للطرق الصوفية اليوم السبت، بالمولد النبوى، حيث سيرت موكبا ضخما ضم الآلاف من أبناء الطرق الصوفية احتفالا بالمولد النبوى الشريف للعام الهجرى 1441، من مسجد سيدى صالح الجعفرى بمنطقة الدراسة المجاور لمشيخة الأزهر، وصولا لمقر المشيخة العامة للطرق الصوفية الجديد، وذلك للمرة الأولى فى تاريخ الموكب الذى غير مساره حيث كان من المعتاد أن ينتهى بدخول الموكب لمسجد الإمام الحسين، ليغير اتجاهه لمقر المشيخة العامة الجديد.
وانطلق الموكب عقب صلاة العصر من مسجد سيدى صالح الجعفرى تقدمته الطريقة الحامدية الشاذلية، وذلك وسط انتشار رجال الأمن لتأمين الموكب كما تقدم الموكب الخيالة التابعة لوزارة الداخلية، وسط ترديد الأناشيد الدينية، كما ردد البعض هتافات تحيا مصر معلنين دعمهم لمصر وقيادتها.
وفور وصول الموكب الذى ضم الآلاف من أبناء الصوفية احتفالا بالمولد النبوى إلى المقر الجديد للمشيخة العامة للطرق الصوفية امام قسم شرطة الجمالية، وكان فى استقبالهم الدكتور عبد الهادى القصبى، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، حيث حرصت كل طريقة على تجديد البيعة وقراءة الفاتحة على سلم المشيخة امام القصبى.
وشهد الموكب تأمين كبير من رجال وزارة الداخلية وسط انطلاق الزغاريد وتوزيع الحلوى من سكان المنازل المجاورة فرحا وابتهاجا بالموكب، حيث شاركت معظم الطرق الصوفية ومنها الطريقة الحامدية الشاذلية، والطريقة الصديقية الشاذلية، والطريق الجعفرية، والطريقة الجازولية، والطريقة البرهامية، والطريقة الرفاعية.
ويحيى الشيخ محمود التهامى نقيب المنشدين، احتفالا بساحة مسجد الامام الحسين فى العاشرة مساء اليوم، بمناسبة المولد وسط توقع بتوافد الآلاف للمشاركة بتلك الاحتفالات بينما تنظم المشيخة العامة للطرق الصوفية مؤتمرا لها بجوار الباب الأخضر لمسجد الحسين بحضور الدكتور عبد الهادى القصبى شيخ مشايخ الطرق الصوفية.
من ناحية أخرى قال مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، إنَّ بدرَ التتمةِ، وسيدَ الأئمَّةِ، نبينَّا محمدًا ﷺ هو الذى أتمَّ اللهُ تعالىٰ به النعمةَ، وقوَّم به الملةَ، وهدىٰ به العربَ والعجمَ، وحلَّت به أكابرُ النِّعَم، واندفعت به عظائمُ النِّقَم، فميلادُه ﷺ كان ميلادًا للحياة.
وفى يوم الميلاد تتم نعمةُ الإيجاد التى هى سببُ كلِّ نعمةٍ بعدَها، ويومُ ميلاد النبى ﷺ سببُ كلِّ نعمةٍ للخَلْقِ فى الدنيا والآخرة.
وقد كرَّم اللهُ تعالىٰ أيامَ ميلادِ الأنبياء علىٰ نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وجعلها أيامَ بركةٍ وسلامٍ؛ فقال سبحانه وتعالىٰ عن سيدنا يحيىٰ بن زكريا علىٰ نبينا وعليهما الصلاةُ والسلامُ: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ...} [مريم:15]، وقال علىٰ لسان سيدنا عيسىٰ ابنِ مريم علىٰ نبينا وعليهما السلام: {وَالسَّلَامُ عَلَى يَوْمَ وُلِدْتُ...} [مريم:33].
وكما كانت لبنى إسرائيلَ أيامٌ نجَّاهم اللهُ تعالىٰ فيها من ظلمِ فرعونَ وبَطْشِهِ، وأمر نبيَّه موسىٰ علىٰ نبينا وعليه الصلاةُ والسلامُ أن يذكِّرهم بها؛ فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسىٰ بِآيَاتِنَا أن أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَىٰ النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ أن فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5]، فكذلك من أيام الله تعالىٰ علىٰ أهل الأرض مولدُ النبى ﷺ الذى دفع اللهُ به عن أهل الأرض ظلماتِ الغى والبغى والضلالة.
وقد سنَّ لنا رسولُ اللهِ ﷺ بنفسه جنسَ الشكرِ لله تعالىٰ علىٰ ميلاده الشريف؛ فقد صحَّ أنه ﷺ كان يصوم يوم الاثنين، فلما سُئل عن ذلك قال: «ذلك يومٌ وُلِدتُ فيه» أخرجه مسلم.
وإذا ثبت ذلك وعُلم فمن الجائز للمسلم -بل من المندوبات له- ألا يمرَّ يومُ مولدِه من غير البهجة والسرور والفرح به ﷺ، وإعلانِ ذلك، واتخاذ ذلك عُنوانًا وشعارًا.
قال الإمام السخاوى رحمه الله تعالىٰ فى (الأجوبة المرضية جـ3 صـ1116 ط. دار الراية 1418هـ):
(ثم ما زال أهلُ الإسلامِ فى سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون فى شهر مولده ﷺ وشرَّف وكرَّم، يعملون الولائمَ البديعةَ المشتملةَ علىٰ الأمورِ البهِجَةِ الرفيعة، ويتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات، ويُظهرون السرورَ، ويَزيدون فى المبرَّاتِ، بل يعتنون بقراءة مولدِه الكريمِ، وتظهر عليهم من بركاته كلُّ فَضْلٍ عميم)اهـ.
وما ذكره الإمامُ السخاوى رحمه الله تعالىٰ هو ما نقصده بعمل المولدِ النبوى الـمُنيف صلىٰ الله وسلم علىٰ صاحبه.
فهل ينكر عاقلٌ ذو لُبٍّ سليمٍ جوازَ الفرحِ بمولدِه، والاحتفاءِ بطلعته المُنيرةِ علىٰ الأرض ﷺ بهذه الطريقة الشرعية التى تندرج كلُّ تفصيلةٍ منها تحتَ أصلٍ من أصولِ الشرع الشريف، وقواعده الكلِّيَّة!
وعليه؛ فالاحتفال بمولده ﷺ من المندوبات، وهو مظهر من مظاهر تعظيمه وتوقيره ﷺ الذى هو عنوان محبته ﷺ التى لا يكتمل إيمانُ العبدِ إلا بتحقيقها.