البابا تواضروس: المنتدى العالمى يعكس اهتمام الرئيس بالشباب.. والملتقيات تعطى أملا فى المستقبل.. وتعيين الرئيس لمجموعة منهم نوابا للمحافظين قفزة للأمام
وظيفتى «بابا» وكل من ينتقدوننى أولادى.. وأتقبل الأمر بل وأراجع نفسى وأتراجع إن أخطأت
-- أرغب فى كتابة مذكراتى وظروف الوقت تمنعنى
-- جمعتنى جلسة ودودة بالملك سلمان وبسمو ولى العهد
-- الكنيسة قدمت أكثر من 11 مليون جنيه لتزويج الفتيات فى 10 أشهر.. ونبنى مدارس ومستشفيات كمساهمة فى خدمة المجتمع
-- سألناه عن ليلة مقتل الأنبا أبيفانيوس.. فأجاب: "متقلبوش المواجع".. وسألناه عن المتشددين فقال: "أولادى وأصلى لهم"
-- هذه تفاصيل كواليس نصف ساعة حاسمة قضاها البابا داخل هليكوبتر فى مهمة إنقاذ مصر
-- الكنيسة القبطية عمود الوطنية وصوت الضمير.. رأيت ملايين المصريين سعداء بعد إعلان خارطة الطريق وسمعت فرحتهم من الطائرة.. وأتمنى السلام لمصر كلها وليس للكنيسة فقط
-- تأسيس مكتبة كان حلمًا يداعبنى منذ الطفولة.. وكنت أنتظر بالساعات على سلالم المكتبة مع أختى.. وأساقفة الكنيسة غيورون على الإيمان "ومينفعش حد يشكك فيهم"
بابتسامته الحانية التى تجمع بين حكمة الشيوخ وتواضع الرهبان، استقبلنا قداسة البابا تواضروس الثانى فى المقر الباباوى، بعد أن استجاب بصبر وأناة لتعليمات المصورين، وهم يضبطون انعكاس الضوء على وجهه الخجول.
رحب بى قداسة البابا كمن يلتقى ابنًا غائبًا أو صديقًا قديمًا، استأذنته فى الجلوس فاختار لى مقعدًا فى مواجهته مباشرة، وهو يبتسم ثانية وكأنه يفتح بالمودة باب الحوار.
لم يكن حوارنا الثانى مع بطريرك الكنيسة القبطية، كحوارنا الأول الذى أجريناه العام الماضى عشية الانتخابات الرئاسية إذ كان البطريرك يستعد للإدلاء بصوته فى الصباح التالى بعد أن جاء من ديره، وأجرى سلسلة اجتماعات، أما فى هذه المرة فقد خيمت تراتيل شهر كيهك القبطى على أجواء اليوم، فبعثت فى الكاتدرائية سلامًا وسكينة اعتادت كنيسة مارمرقس أن تستقبل بهما أيام فرحها بميلاد مخلصها المسيح.
من ذكريات الطفولة التى شكلت شخصية الطفل «وجيه» مرورًا بالراهب «ثيؤدور»، ثم الأنبا تواضروس أسقف البحيرة وحتى البابا البطريرك خليفة القديس مارمرقس، تجول بنا قداسة البابا تواضروس فى حواره الدافئ فمر على الماضى عابرًا بالحاضر، ومستبشرًا بالمستقبل الذى يحلم به لمصر وللكنيسة.
فى هذا الحوار يفتح قداسة البابا تواضروس قلبه، ويجدد عهده بالسلام والمسرة وبرسالة المسيح التى وهب لها حياته طفلًا وراهبًا وراعيًا وبطريركًا.
- قبل أيام من عيد الميلاد المجيد ما الفرق بين عيد الطفل وجيه والراهب ثيؤدور والأسقف تواضروس ثم بابا الإسكندرية؟
فى طفولتى كان العيد هو فرحتى الخالصة، أنتظر الملابس الجديدة، ونأكل بعد الصوم، ونصلى بالكنيسة فى قداس العيد الليلى على عكس باقى القداسات طوال السنة التى تصلى صباحًا، قداس عيد الميلاد يأتى بعد أول أصوام الكنيسة القبطية، قبل الرهبنة كنت أحتفل مع أسرتى ونصلى معا ونأكل «لقمة»، وأحصل على العيدية من أهلى ثم أعود للكنيسة مع أصدقاء طفولتى، أما بعد الرهبنة فقد كان لدينا تقليد جميل جدًا فى دير الأنبا بيشوى، فاعتدنا أن نذهب مع أبينا الأسقف رئيس الدير، لنعايد إخوتنا الرهبان فى دير السريان الملاصق لديرنا، فمن النادر وجود ديرين متجاورين، بعدها ومع عصر اليوم ننتظر معايدتهم لنا، ونستقبل إخوتنا رهبان دير السريان ونقضى الوقت نحتفل معاً، وفى عيد القيامة نكرر الأمر نفسه.
ومنذ أن أصبحت أسقفًا ثم بطريرك صار العيد مناسبة لاستقبال الزيارات الرسمية وإظهار المحبة من كل طوائف المجتمع المصرى، سواء فى خدمتى بالبحيرة أو بعد ذلك فى الكاتدرائية.
- هل مازال قداسة البابا تواضروس يستشعر فرحة العيد بعد كل هذه المسؤوليات؟
ميلاد المسيح فرحة خالصة نتذوقها بقلوبنا وأرواحنا، فننتقل من الصوم إلى الفطر والصلاة بالطقس الفرايحى وهى فرحة تخترق الوجدان.
- ماذا يتمنى البابا تواضروس للكنيسة فى عام 2020؟
أتمنى السلام لمصر كلها وليس الكنيسة فقط، السلام حين يعم يظلل حياتنا، وينتشر من مؤسسة لأخرى، ومن بيت إلى بيت ومن جيل إلى جيل.
- على عكس المعتاد، أعلن الأنبا سرابيون مطران لوس أنجلوس الاحتفال بالعيد مرتين فى 25 ديسمبر وفى 7 يناير.. فما رأى قداستك فى ذلك؟
نحتفل بعيد الميلاد مرة كل شهر، فى كل يوم 29 من الشهر القبطى نحتفل بالبشارة والميلاد والقيامة، وطوال الصيام نصلى قداسات فى الكنيسة، ولكن فى قداس ليلة 25 ديسمبر أطلقنا عليه قداس الميلاد، وهو قداس عادى ككل قداسات أيام الصوم، ولكنه فرصة لمن لا يستطيع حضور قداس 7 يناير خاصة فى بلاد المهجر إذ يحل الجليد فى تلك الفترة، ففى العام الماضى لم يستطع أب كاهن فى كندا أن يترأس صلوات قداس العيد بسبب الجليد فى يناير، ولم يستطع شعب الكنيسة الحضور أيضًا بعد أن غطى الجليد الطرقات ليلًا، فمن لا تسمح ظروفه سيحضر القداس فى ديسمبر خاصة من لديه أطفال صغار.
- يولى قداسة البابا تواضروس عناية خاصة لبرامج الرعاية الاجتماعية بسبب صعوبة الظرف الاقتصادى حاليًا.. فما طبيعة هذه البرامج؟
من ستة سنوات بدأنا استراتيجية محددة لبرامج الخدمة الاجتماعية فهى تشمل المساهمة فى زواج البنات، ودعم التعليم الجامعى وما قبل الجامعى وحالات المرض، والعمليات والفحوصات، بدأنا فى السنة الأولى بكنائس القاهرة ثم عممناها على القاهرة الكبرى ثم وجه بحرى والقناة ثم وجه قبلى كله، هذه المنظومة تدار بالرقم القومى، بحيث يتم تسجيل بيانات متلقى الخدمة، وهو ما يمنع أى صورة من صورة الاحتيال، ويقدر الاحتياجات الرعوية من خلال حصرها ومعرفتها بدقة، وبعد أن انتهينا من حصر متبرعى الكنائس بدأنا العمل على خدمة المؤسسات الخيرية، وأصبح لدينا خطة واضحة لمواردنا ومن يعمل عليها ومن يحتاج لها، وجعلنا المؤسسات الخيرية كشركاء للتنمية يعملون تحت مظلة أسقفية الخدمات.
- هل لدى الكنيسة أرقام محددة تكشف حجم المساعدات التى تقدمها؟
فى القاهرة فقط ساهمنا بما يزيد عن 11 مليون جنيه فى تزويج الفتيات فى 10 شهور، أى أكثر من مليون جنيه شهريًا، وهى أرقام كبيرة، وبالتوازى مع ذلك حالات العلاج الدوائى التى بلغت 12 مليون إضافة للعمليات الدقيقة مثل زرع قوقعة الأذن وفص الكلى التى تخطت 20 مليون، وهى مجرد دليل على حجم العمل، إضافة إلى مساهمات الأطباء وتبرعاتهم.
- كيف تقسم الكنيسة برامج الرعاية الاجتماعية المناسبة لكل فئة؟
على سبيل المثال هناك برنامج يسمى «بنت الملك»، وهو دفتر توفير للفتيات من عمر 14 سنة، حتى تصل سنا مناسبة للزواج فتجد مبلغ يساعدها على الزواج بكرامة، وهى أموال تستثمر فى البنوك ومكاتب البريد، أما مساهمتنا فى التعليم فهى برنامج «علم ابنك»، وهو عبارة عن مجموعات تقوية بأعداد قليلة تعقد فى الكنائس لمساعدة الأسر البسيطة على تعليم أبنائها، وهى أنظمة نحولها من المساعدة النقدية إلى التنمية.
- إذن ما طبيعة دور مكتب البابا للمشروعات؟
حين بدأت خدمتى كبطريرك، أردت أن أشجع الأساقفة على إنشاء المدارس والمستشفيات، لأنها تخدم المجتمع كله، وهى مساهمة صغيرة جدا من الكنيسة جوار جهود الدولة، فأسسنا كيانا هو المكتب الباباوى للمشروعات، ونعنى أنه يحظى باهتمامى المباشر، وأنشأناه من خمس سنوات، وأصبح المكتب همزة وصل بين الكاتدرائية والإيبراشيات، فكلما جاءنا متبرع سألناه «تحب تبرعاتك تروح فين؟» فيجيب: مبانى الكنائس، أو علاج أو زواج وغيرها، وضمن المكتب صندوق يؤسس مدارس أو عيادة أو مستشفى.
- على ذكر التعليم.. ما رؤية قداسة البابا لتطوير المؤسسات التعليمية الكنسية مثل معاهد وكليات اللاهوت؟
لدينا نوعان من التعليم فى الكنيسة، نظامى وغير نظامى، والنظامى هو المعاهد اللاهوتية والكليات الإكليريكية وهى تمنح شهادات إتمام التعليم، أما غير النظامى، فهو الوعظ ومدارس الأحد، ولاحظنا وجود قصور مالى فى هذه المؤسسات، فطلبنا من الأقباط توجيه تبرعاتهم للمؤسسات التعليمية، وعملنا على تجويد العمل التعليمى، وقد بدأنا بمعهد الدراسات القبطية وأنشأنا فيه استديو للألحان الكنسية، وجددنا المبنى وهكذا.
- استحدث معهد الدراسات القبطية هذا العام قسمًا للتراث العربى المسيحى فلماذا؟
معهد الدراسات القبطية يدرس التاريخ من أيام السيد المسيح حتى اليوم، وفى القرن العاشر الميلادى بدأت الكنيسة تستخدم اللغة العربية، إذن لدينا 10 قرون تجاور فيها اللغة العربية لغتنا القبطية، فتكون تراثا من كتابات ومخطوطات وشروحات باللغة العربية، وامتدت للشام وما بين النهرين، وكان لابد أن يدرس معهد الدراسات القبطية هذا التخصص الذى يمتد لألف سنة، بل إن عدم دراسة تلك الفترة قصور فى المعهد، وهذا لا يعنى إن إضافة علم يلغى علما آخر.
- هناك جيل جديد من اللاهوتيين الشباب تلقى تعليمه فى الخارج.. فكيف تنظر للحركة التى خلقها هؤلاء فى التعليم الكنسى؟
هناك إقبال كبير من الشباب والآباء الكهنة لدراسة ما نسميه الآبائيات، أى علوم آباء الكنيسة، وتفاسير القرون الأولى للكتاب المقدس، وهى تفاسير صافية أصيلة، وقد ترك الآباء تراثهم بلغات متعددة بعضها يونانى ولاتينى وفرنسى، مما وسع الحركة الدراسية، كذلك فإن دراسة اللاهوت فى العالم كله تزايدت، وأصبحت العلوم اللاهوتية جزءا من المعرفة العامة، كما نرسل بعثات لهذه الدراسة، لأنها تكشف لنا أصول المعرفة الكنسية، خاصة فى ظل وجود أصحاب التفاسير والمعرفة القاصرة وأقول لهم «ادرسوا واقروا أكتر».
- حضرت من قبل منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ.. فما رأى قداستك بالتجربة؟
هذا المنتدى يعكس اهتمام الرئيس بشخصه والأجهزة التنفيذية بالشباب، وهى ملتقيات تعطى أملاً فى المستقبل، وهذا العام أضيف للمنتدى عرض مسرحى بعدة لغات والروبوت صوفيا سيشارك، وهى كلها تصورات تواكب العصر، وتأتى بالتزامن مع قيادة مصر للاتحاد الأفريقى، وأفخر أن بلادى تقيم مؤتمرات للشباب وأحد أوجه الفخر أيضا هو تعيين الرئيس لمجموعة من الشباب نواباً للمحافظين فى مطلع الثلاثينات وهى قفزة للإمام.
- كيف تقيم قداستك خدمة الشباب فى الكنيسة القبطية؟
خدمة الشباب بحر واسع ولدينا شباب كثر، ولكن القادة المنوط بهم خدمة الشباب أقل عدديًا، ونعمل على إعداد قادة جدد وأسقفية الشباب تقوم بدور كبير فى هذا الإطار، وهناك اجتماعات شباب كبيرة فى كل كنيسة، و«مقدرش أقول إننا فى حالة امتياز»، بل فى تطوير مستمر.
- هل يفكر قداسة البابا فى مراجعة قرار المجمع المقدس عام 1980 الذى يمنع الأقباط من زيارة القدس؟
هذا القرار اتخذ عام 1967 بعد احتلال الأراضى العربية فى عصر البابا كيرلس، ثم صدر به قرار مجمعى، ولكن الزمن تغير حاليا، حرمان القدس من زيارة الأقباط ساهم فى إضعاف الوجود القبطى، رغم أنه أكبر سند لمصر هناك.
- ما الجديد فى ملف دير السلطان القبطى بالقدس الذى استولى عليه الرهبان الإثيوبيين؟
مازال الموضوع مجمدا، بل إن كل الجهود مع إثيوبيا تتركز فى قضية سد النهضة والكنيسة تلعب دور فى هذا الملف، ولكن الحياة السياسية فى إثيوبيا تغيرت، ولم تعد الكنيسة الإثيوبية مؤثرة مثل الماضى.
- فى عصر البابا تواضروس تحولت الكنيسة القبطية لمؤسسة قوى ناعمة فى الخارجية المصرية كيف تنظر لهذا التحول؟
مصر كالمعبد، ولا يمكن الاستغناء عن عمود منه، أحد الأعمدة هى الكنيسة، والأزهر والجيش المصرى، فالكنيسة المصرية صوت وضمير وحق وسنقدم شهادتنا بكل صدق لأى رئيس أجنبى يزورنا، لأننا كنيسة وطنية، ومن بين تلك الزيارات لقائى بالملك سلمان بن عبدالعزيز، وقد كانت جلسة ودية للغاية روى فيها ذكرياته فى القاهرة، وكذلك زارنا سمو ولى العهد فى الكاتدرائية، وبعدها بدأنا فى ابتعاث مطران للصلاة لأبنائنا الأقباط العاملين فى السعودية.
هل تتوقع قداستكم أن تقدم المملكة العربية السعودية على تأسيس أول كنيسة قبطية هناك بعد تلك المبادرات الطيبة؟
أظن أن هذا ليس بعيدًا.
- كيف يصف قداسة البابا تواضروس علاقته بالدولة المصرية فى السنوات السبع الماضية؟
عاصرت ثلاث رؤساء الدكتور محمد مرسى، والمستشار عدلى منصور، والمشير عبد الفتاح السيسى، الكنيسة دائمًا مؤسسة لها ضمير، ولها صوت وتتعاون مع الجميع، ولكنها لا تسمح بالاعتداء على الوجود الكنسى، ومع مرسى كان هناك إحساس عام أن «البلد بتتسرق»، ومع الرئيس عدلى منصور شعرت أنه عصر التوازن واستعادة مصر، وفى عصر السيسى بدأت مصر تنطلق فى نهضة غير مسبوقة، سواء مشروعات أو برامج متعددة تبنى المستقبل، مثل الطرق التى هى شرايين جديدة تمتد فى قلوب المدن المصرية.
- أروِ لنا كواليس اللحظة التى تلقيت فيها اتصالا للمشاركة فى خريطة الطريق يوم 3 يوليو 2013؟
كنت جديداً على كرسى مارمرقس 7 أشهر فقط، ولكننى كنت أقرأ عن حالة الغليان فى الشارع التى بلغت أقصاها بعد الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس مرسى، ورغم أننا شعب يحب الدين، ولكنه يكره الحكم الدينى، ونتيجة لهذا الغليان اضطررت لإلغاء اجتماع الأربعاء الأسبوعى، واتجهت لمنطقة تابعة للكنيسة قريبة من برج العرب، ثم بعدها تلقيت اتصالا للمشاركة فى اجتماع مهم، فقلت إننى بعيد عن القاهرة، فقالوا إن طائرة ستأخذك من برج العرب بعدها بـ20 دقيقة وصلت المطار، واستقبلنى مديره، وكانت أول مرة فى حياتى أركب الطائرة الهليكوبتر، ووصلت إلى القاهرة قبل الثالثة ثم توالى حضور الشخصيات العامة، وبعدى جاء فضيلة الإمام الأكبر من الأقصر، وحضر الفريق السيسى، وتناقشنا بشكل ديمقراطى ثم بدأوا فى صياغة الاقتراح فى بيان راجعه الإمام الأكبر لغويًا، ثم اقترح الرئيس السيسى أن نقف حوله، فوجدنا أن عددنا كبير فجلسنا، ثم اقترحوا أن يلقى كل منا كلمة، ووزعوا علينا أوراقا بيضاء لنكتب فطلبت ورقتى بيضاء، لم أستطع أن أكتب شيئا وقررت الارتجال، لمحت العلم المصرى وتحدثت عن ألوانه، وبعد البيان «كلنا أخدنا بعضنا بالحضن»، ثم تناولنا الغداء، وفى طريق العودة بالهليكوبتر رأيت فرحة المصريين فى الشوارع وسمعت أصوات الفرحة فى السماء.
- ألم تتردد فى الاستجابة لهذه الدعوة فى ظل ارتباك المشهد السياسى آنذاك؟
لم أتردد إطلاقًا، وشعرت أن كل من أعرفهم فى الشارع فيما عدا أنا، وكان من الصعب أن أشارك فى المظاهرات فقررت المشاركة الوطنية على طريقتى، وذهبت لاجتماع خارطة الطريق.
- وبعد كل هذه السنوات.. كيف تقيم قضية المواطنة فى مصر؟
اتخذت الدولة خطوات كبيرة وواسعة لتصحيح المسار والأخطاء التى كانت ترتكب السنوات الماضية، فعلى سبيل المثال قانون بناء الكنائس قنن أكثر من ألف كنيسة حتى اليوم، فى محاولة لعلاج أزمة عاشت عشرات السنين عجزنا فيها عن بناء كنائس بسبب عدم وجود القانون، أما تقنين بناء الكنائس فجعل من كنائسنا مبانى شرعية ومسجلة لدى الدولة.
- كيف راجع البابا تواضروس ملف الرهبنة القبطية؟
البابا لا يعمل منفردًا، بل لدينا لجنة لشؤون الرهبنة تضم فى عضويتها 30 أسقفا، ومن حق البابا أن يستدعى أى لجنة وقتما شاء، وقد حرصت الفترة الماضية على حضور كل اجتماعات لجنة الرهبنة، وأصدرت قرارات ضبط الرهبنة وبعد مرور سنة بعض الضوابط انتهت، وكان التأكيد كله على الاختيار الحسن لمن يلتحق بالدير، فنقابل أحيانا من لم يتلقوا الدراسة الكافية أو من لا تؤهلهم نفسياتهم للرهبنة.
- ما ذكرياتك عن اليوم الذى تلقيت فيه خبر مصرع الأنبا ابيفانيوس؟
متقلبوش علىَّ المواجع.
- إلى أى مدى يعتبر قداسة البابا تواضروس مواقع التواصل الاجتماعى تحدياً يواجه الكنيسة المعاصرة؟
السوشيال ميديا شكلت تحديا لنا، ولكننا استفدنا منها فى الخدمة، فى التواصل مع الشباب وتقديم الخدمة بالفيديو، على سبيل المثال اجتمعت مع كنائس المهجر بالفيديو وكونفرانس، ولكن هناك جوانب سلبية، فالبعض استغلها وأصبحت منصات للألفاظ الخارجة والاتهامات الكاذبة والشائعات المغرضة، وكل «واحد بقى يحس إنه مهم أوى علشان بيقول كلمتين»، وأحيانا ينتقدوا أى شىء فى الكنيسة رغم إن المجمع المقدس وآباءه حراس على العقيدة والطقس، ولديهم غيرة «مينفعش حد من الشارع يقول عليهم كدا»، ومع ذلك أتقبل كل الانتقادات بصدر رحب، فأنا وظيفتى «البابا» وكل هؤلاء أولادى، وأتراجع أحيانا عن قرارات إن كانت خاطئة.
- ألا تؤثر هذه الاتهامات فى نفس قداسة البابا تواضروس؟
تعلمت فى كنيستى أن يكون لدى ضمير، وأن أخدم بصورة إيجابية، وأن أتمتع بالمسؤولية وبمعرفة بالمكانة التى أشغلها وهى مكانة لم أسع إليها، وهو تكليف إلهى، والله يسندنى وأعمل على هذا الأساس وماض فى طريقى، ونظرتى للجميع أنهم أبنائى وأحيانا «بيصعبوا على»، لأنهم لا يعرفون الحقيقة.
- ألا يعكس ذلك خلافات بين آباء المجمع المقدس؟
الاختلاف شىء طبيعى، فنحن 128 أسقفا، ولسنا قوالب جامدة، ولدينا فى المجمع آراء ورؤى، وهناك أمور نختلف عليها فنؤجل النقاش فيها، وأمور أخرى تحصد الأغلبية كبيرة، ففى المجمع الماضى كنا نناقش قضية وأبدينا فيها آراء وحين أجرينا التصويت وافقنا جميعا ما عدا أسقف واحد فقط، المجمع المقدس يتألف من 10 لجان فإذا اختلف الآباء فى لجنة معينة حول قضية بعينها، يرفعون القضية إلى بقية الآباء بمختلف وجهات النظر، لكى نصل إلى رأى محدد، وكأن المجمع المقدس هو الحكم.
- خلال السنوات الماضية تطورت علاقة الكنيسة القبطية وأصبحت موجودة مع كل كنائس العالم.. ما أحلامك فى هذا الملف؟
أحاول أن أعقد علاقات طيبة مع كل كنائس العالم، بل وكل المؤسسات فى العالم، وهدفنا من ذلك السلام والمسرة، فضلا عن علاقاتنا فى مصر بفضيلة الإمام الأكبر وبدار الإفتاء وبالطوائف الأخرى، فكلما اقتربنا من بعض تفاهمنا أكبر لكى نعيش فى سلام.
- ما المواصفات التى ينظر فيها البابا تواضروس حين اختيار أب أسقفاً جديدً؟
المواصفات الروحية أساسية ونضيف عليها الإدارة أو التدبير الكنسى، ثم الروح الاجتماعية وإجادة اللغات ونشجع الدراسة، وأحيانا ننظر لمن سافر إلى الخارج وعمل بوظائف عامة وفى نفس الوقت كان ملتحقا بالكنيسة، أى الخدمة والعمل بالتوازى.
- اتفقت مع الأنبا مكاريوس لتقسيم المنيا إلى ثلاثة إيبراشيات فما الجديد؟
اتفقنا على ذلك، ولكن لم نعين أشخاصا ولم نحدد وقتا بعينه، والأنبا مكاريوس يدبر العمل هناك، ويقوده فى المنيا.
- هل هناك أى تطور فى قانون الأحوال الشخصية للأقباط؟
مطلوب منا كرؤساء كنائس قانون أحوال شخصية واحد، وحاليا نعمل على المسودات، ووصلنا إلى أكثر من 95% ويتبقى الكنيسة الكاثوليكية ننتظر ملاحظاتها.
- هل فكر قداسة البابا تواضروس فى كتابة مذكراته؟
ليس لدىَّ وقت لكتابة مذكراتى، ولكننى أرغب فى ذلك فعلا، والوقت مشكلة كبيرة بالنسبة لى، سواء العمل الروتينى اليومى أو متابعة كنائس المهجر فى الفجر، بسبب تغيير التوقيت أو الزيارات التى نقوم بها.
- ما رأيك فيمن يشبهك بالبابا كيرلس الرابع أبوالإصلاح؟
«مجيش حاجة فيه»، البابا كيرلس الرابع أسس أول مدرسة للبنات فى عصره، واستقدم مطبعة فى مصر، وقد كان متطورا جدًا، وما يجرى هنا ليس إصلاحا، بل إنى أعيد ترتيب البيت الكنسى من الداخل، وهى مسؤولية مهمة أعمل عليها حاليًا، فلم يكن هناك مكتب لسكرتير البابا على أقل تقدير.
- افتتحت منذ أيام المكتبة الباباوية وهى جديدة على الكنيسة.. ما هدفك من تأسيسها؟
وجدت الكتب الكنسية متناثرة فى أكثر من مكان، أردت أن أجمعها فى مكان واحد يستفيد به الجميع، ورأيت أن أسسها كمكتبة قبطية كبرى، وهو حلم تمنيته، فلقد تربيت فى دمنهور فى مكتبة البلدية، فقد كنت فى أولى إعدادى وأختى فى رابعة ابتدائى، كانت المكتبة تفتح أبوابها فى الخامسة مساء، وقد كنت أجلس على السلالم فى انتظارها لتفتح، وكنا نقضى الصيف كاملا فى هذه المكتبة، وكان هذا الحلم يداعبنى فلم أجد أرضًا فى القاهرة، وقررت أن أنشأها فى المقر الباباوى بدير الأنبا بيشوى وهى مكتبة كبيرة، وأتطلع أن تساهم فى حفظ التراث الكنسى لقرون فى التاريخ المصرى.