احتفل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اليوم، بفوز حزب المحافظين بالانتخابات البريطانية، وقال جونسون في خطابه لمؤيديه بعد ظهور النتيجة: "لقد كسرنا الجمود، لقد أنهينا الجمود، وسحقنا حاجز الطريق".
وكان لخطاب جونسون بشأن الانسحاب من الاتحاد الاوروبي صدى عند الجمهور الذي سأم من عدم وجود قرار نهائي بالمسألة، واكد جونسون طوال حملته أنه سيحل المشكلة على الرغم من ان المملكة المتحدة ستواجه العديد من المفاوضات التجارية وعدم اليقين.
طارق فهمى
وفى هذا الإطار، قال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، إن بوريس جونسون قادراً على "إنجاز البريكست" بمعنى إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية يناير المقبل، مضيفا "ولكن هذا لا يعني أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يتم إنجازه فعلاً، حيث يلوح في الأفق طلب تمديد للموعد النهائي للانتقال إلى نهاية يونيو المقبل".
وأشار فهمى، إلى أن عملية الخروج ربما تستغرق وقتا أطول من الناحية الفعلية، حتى مع محاولات الحكومة إظهار أنها تمضى في الطريق إليها، ويعود بوريس جونسون إلى داوننج ستريت بتفويض جديد لحسم (بريكست)، قائلا "وبالمناسبة ملفات أخرى مرتبطة بها وتحتاج إلى إعادة نظر بعد ظهور نتائج العملية الانتخابية وتحول جونسون لتصدر المشهد السياسي".
واستطرد أستاذ العلوم السياسية: "الخروج البريطاني سيكون نقلة خطيرة، فأي حكومة مؤهلة ستكون قادرة على الإعلان عن هذا الإنجاز للالتزام لإرادة البريطانيين، وذلك للحفاظ على ما تم بهدف التأكيد على الجدل الراهن حول العلاقات مع الأوروبيين قائم، وإطلاق عدد من المبادرات السياسية الجديدة".
واستكمل فهمى: "وإجمالا سيكون نظريا الطريق بات ممهدا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، مضيفا: "ويُعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى انتصارا للمحافظين بزعامة جونسون حققوا انتصاراً غير مسبوق منذ عهد مارجريت تاتشر، وبعد انتزاع المحافظين الدوائر العمالية التي يسيطر عليها حزب العمال منذ عقود، بات المحافظون يملكون الصلاحية المطلقة لتنفيذ بريكست الذي وافق عليه 52 %من البريطانيين في استفتاء 2016 لكنه لم يحقق تقدما عمليا".
وتابع: "بهذا انتهي أمل مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي مع هزيمة العماليين وإخفاق الليبراليين الديموقراطيين، وهؤلاء قاموا بحملة لوقف بريكست ولم ينجحوا في إقناع الناخبين حتى أن زعيمتهم جو سوينسون خسرت مقعدها الذي تشغله منذ 12 عاما في اسكتلندا، كما قضت الانتخابات بذلك على أمل مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي مع هزيمة العماليين وإخفاق الليبراليين الديموقراطيين".
وأضاف فهمى، أن الحل المطروح والعملي والذي يبدو متاحا في المدي القصير أمام جونسون قد يكون ضمان إما صفقة تجارية بحتة أو خروج بشروط منظمة التجارة العالمية، لافتا، إلى أن نتائج الانتخابات ذات دلالات حقيقية، ووضعت الأغلبية البريطانية مصالح بلادها على المصالح الأوروبية ما سيكون له انعكاسات خطيرة علي العلاقات الأوروبية البريطانية، برغم سيل التصريحات الإيجابية من الجانبين، كما سيعيد النظر إلى دول أوروبية احتمالات تكرار الموقف البريطاني ومن ثم فإن اتفاقيات جديدة بريطانية أوروبية ستحدد شكل وإطار العلاقات المستقبلية، كما أن الشعب البريطاني وحده من سيقرر وسيكون موقف فرنسا وألمانيا محدد رئيسى في نمط وتوجه العلاقات البريطانية الأوروبية في الفترة المقبلة، وأن المصالح الاقتصادية والاستثمارية سبقت السياسية والتي ارتبطت بفكر القومية الأوروبية وتوافق الإرادات والتحديات المشتركة عصر أوروبي جديد يحدد إطار العلاقات مع بريطانيا.
ومن جانبه، أكد الدكتور طه على الباحث السياسى، أن سبب فوز بوريس جونسون بأغلبية الأصوات فى بريطانيا هى وعوده الخاصة بالبريكست، خاصة أن الشعب البريطانى مرن ويتسم بالديناميكية، فليس معنى فوز بوريس جونسون هو انتهاء حزب العمال البريطاني أو تيار بريطانى بعينه، ولكن لأن الشعب البريطانى يرفض بقاء دولته فى الاتحاد الأوروبى ويريد تنفيذ البريكست سريعا وهذا هو ما وعد به جونسون.
وقال على إن الشعب البريطانى فضل مصالح دولته عن القومية الأوروبية لأن الاتحاد الأوروبي يتخبط الآن وغير قادر على التوصل لرؤية موحدة بشأن العديد من القضايا، أبرزها قضايا الشرق الأوسط والموقف من أردوغان وكذلك صراع بريطانيا وألمانيا وإيطاليا على زعامة أوروبا.
ولفت الباحث السياسي، إلى أن دونالد ترامب ساهم كثيرا فى فوز جونسون من خلال وعوده لبريطانيا بعد اتفاقيات اقتصادية بمجرد خروجها عن الاتحاد الأوروبى، وهو ما شجع البريطانيين على التصويت لبوريس جونسون لسرعة تطبيق البريكست.
بوريس جونسون
بدوره أكد الدكتور محمد محمود الباحث بجامعة القاهرة، أن فوز جونسون بالأغلبية في بريطانيا يعني حتمية انسحاب لندن من الاتحاد الأوروبي ووضع حد لمرحلة التشكك الموجودة في بريطاني، متابعا: "طبيعة الشعب البريطاني متحفظ لأقصي درجة ويميل بكل تأكيد للهوية الوطنية، ولا يحبذ الأقليات او المهاجرين وهو الوجه الأخر للديمقراطية وتحقيق المصالح وفي أغلب الحالات يحافظ على القيم حتي وأن كان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تصدر القيم للعالم".
واستطرد: دائرة المصالح تحسم الجدل للمصلحة الوطنية بالدرجة الأولي ثم المصالح الإقليمية ونقطة الانفصال بحد ذاتها أشكاله للاتحاد الأوروبي كنموذج يتم تصديره عالمياً، ومن الممكن فتح الباب أمام دول أخرى لمحاولة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي والذي كان بمثابة حلم للقومية الأوروبية.
وتابع:" من الممكن أن يتم تعويض الاتحاد الأوروبي ببعض الإجراءات مثل اقامة تسهيلات اقتصادية كإقامة منطقة تجارة حرة او حتي تسهيلات لانتقال الافراد ورؤوس الأموال بين الطرفين ".
داليا زيادة
وفى نفس السياق، قالت داليا زيادة، مدير المركز المصرى للدراسات الديمقراطية الحرة، إن هذا الفوز لبوريس جونسون وحزبه هو امتداد لمظاهر صعود التيار الشعبوي في الغرب بوجه عام، متمثلاً في الأحزاب اليمينية المتحفظة التي تتبنى خطاب يشجع على عزلة الدولة عن المحيط وإعطاء الأولوية لبناء الدولة من الداخل عوضاً عن المتاجرة السياسية بمشكلات وأزمات الدول المحيطة سواء في إقليمها الأوروبي أو في منطقة الشرق الأوسط القريبة جداً من والمؤثرة جداً في أوروبا.
وأضافت مدير المركز المصرى للدراسات الديمقراطية الحرة، أن فوز جونسون بالنسبة لبريطانيا يعني انتصار الشعب لقضية البريكسيت بالأساس، ولكن لا يعني بالضرورة انفصال بريطانيا الكامل عن محيطها الأوروبي، مشيرة إلى أن علاقة بريطانيا بأوروبا ستبدأ في اتخاذ شكل جديد يضع الأولوية القصوى لمصالح بريطانيا، قد لا ترضى عنه بعض الدول الأوروبية، لكن ننتظر ونرى.
وتابعت زيادة:" على مستوى آخر، فإن فوز جونسون بالنسبة لنا في مصر، أو في منطقة الشرق الأوسط، يعني أن الضغط التي كانت تمثله بريطانيا على مصر في ملفات محورية مثل ملف الإخوان وملف حقوق الإنسان سوف يخف بدرجة أو بأخرى، وهو ما سيفتح الباب لتأسيس علاقة جديدة أكثر نفعاً للشعوب بين القاهرة ولندن، بعيداً عن سياسية الرقيب والمنظر الذي لطالما تبنتها بريطانيا تجاه مصر، وهذا سيفتح المجال أيضاً للتباحث مع بريطانيا لتغيير سياستها، ولو قليلاً، بشأن تبنيها لجماعة الإخوان، على غرار ما تم بين القيادة السياسية في مصر وإدارة ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية وساهم في تغيير سياسة أمريكا تجاه الإخوان بشكل كبير، وربما تنجح هذه المباحثات على الأقل، في السيطرة على ما تشكله هذه الجماعة على أمن الدول العربية، خصوصاً في ظل كونها أداة في يد قطر وتركيا، من الممكن أن تهدد أمن بريطانيا أيضاً في المستقبل لو أستخدمتها قطر في ذلك.
واستطردت مدير المركز المصرى للدراسات الديمقراطية الحرة، أنه بشكل عام فإن فوز بوريس جونسون بهذه الأغلبية الطاغية هو بداية لصفحة سياسية جديدة ليس فقط في بريطانيان ولكن في أوروبا كلها.