لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم قاسى القلب، ولم يكن يعتزل النساء، بل كان رجلاً يسعد بما يسعد به الرجال ويحب الطيب والنساء وقرة عينه فى الصلاة، ولم يكن ليفهمه السلفية والمتشنجون والمتشددون فى فهم السنة، لدرجة أن روايات نقلت عن بعض من يدعون التمسك بالسلف تقول فيها زوجاتهن حينما يمزح مع أصدقائه "يا دا بيضحك عادى".
ولم تكن حياة النبى قاتمة بلا ابتسامة، أو جامدة بلا مشاعر، أو حادة بلا تلذذ بجمال الحياة وبهجتها، التى تمثل النساء جزءًا كبيرًا فى هذا الجانب، من حيث الحب والرومانسية والامتزاج الذى وصل إلى درجة من التوحد فى بعض الأحيان ومنح المرأة مكانة بين المسلمين، لينصح النبى المسلمات قائلاً: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء" قاصدًا السيدة المحببة إليه عائشة، والحميراء تصغير حمراء يراد بها المرأة البيضاء المشربة بحمرة الوجه تغزلاً فى جملها وتعمد إسعادها.
وعن حالات الرومانسية والمداعبة، تأتى زوجة النبى "عائشة" المحببة إليه فى الصدارة، والتى كان يسابقها لتغلبه، ويغازلها بلقب يا "عائش" و"عويش"، ويشرب الماء شفتاه مكان شفتاها، تعبيرًا عن الحب وخاصة فى وقت حيضها ليؤكد لها حب شخصها، ولمخالفة قاعدة اليهود أن المرأة تكون نجسة متدنية لأنها تحيض وأن النجاسة تلزمها فى ذلك الوقت.
مداعبات النبى لحبه الأعظم عائشة لها مشاهد أخرى للتعبير عن الحب، فكان النبى يأكل بقايا قطعة لحم أكلت منها زوجته متعمدًا الأكل من نفس المكان الذى أكلت منه، فى موقف يشرحه نص منقول عن السيدة عائشة: "كنتُ أشربُ منَ القدَحِ وأنا حائضٌ فأناولُهُ النَّبى فيضعُ فاهُ على موضعِ فى فيشربُ منْهُ وأتعرَّقُ منَ العرقِ وأنا حائضٌ فأناولَهُ النَّبى فيضعُ فاهُ على موضعِ فيَّ".
وفى وصلة من وصلات الغزل الزوجى قال لعائشة حبى لك كعقدة فى حبل، فتضحك هى ثم كلما مرت عليه سألته: كيف حال العقدة يا رسول الله؟، فيقول: كما هى.
ولم تخلوا مصالحات وقت الغضب من حديث ودى يضع خلاله يده على كتفـها وقال: "اللهم اغفر لها ذنبـها واذهب غيظ قلبها، وأعذها من الفتن"، وكان يقول "لا تأذونى فى عائشة".
وفى سلوك النبى استمرار لعيد الحب والمداعبة والغزل يوميًا بين الزوجين، وكان من أعظم مظاهر الحب عند الرسول، هذا الذى ملأ قلبه وكيانه، بحبه لزوجته خديجة، فهو عاش حياته مخلصًا ووفيًا لها إلى أبعد الحدود ولم يتزوج غيرها إلا بعد وفاتها، وظل يذكرها كثيرًا ويدعو لها، ويوزع الهدايا على من أحبت، حتى قالت السيدة عائشة رضى الله عنها "ما غِرْتُ على امرأة لرسول الله كما غِرْتُ على خديجة، لكثرة ذِكر رسول الله صلى الله عليه وآله إياها، وثنائه عليها".
وظهر حب النبى لزوجاته برغبته فكان يرفع من شأنهن ومن قدرهن ويدللهن وكان لا يخجل فى إظهار مشاعر الحب تجاههن ويظهر حبه ووفاءه لهن، وكان الرسول إذا ذبح الشاه فيقول أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت فأغضبته يوما فقلت خديجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى قد رزقت حبها.
عن أنس بن مالك قال: كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر، وكان ذلك يومها فأبطأت فى المسير فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تبكي، وتقول: "حملتنى على بعير بطىء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بيديه عينيها ويسكتها" ومسح دمعتها بيده ليعبر لها عن مدى اهتمامه ومحبته لها.
ولم يتوقف الرسول عن مداعبة عائشة حتى وفاته وكان يقول لها "تعالى أسابقك" فسابقته، لتسبقه على رجلها، وكانت معه فى سفر، فقال لأصحابه: "تقدموا" ثم قال: "تعالى أسابقك" ونسيت الذى كان، وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله، وأنا على هذه الحال؟ فقال: "لتفعلن" فسابقته، فسبقنى، فقال: "هذه بتلك السبقة".
ولم تخلُ حياة النبى من مشاهد رومانسية مع زوجاته حتى وقت الشدة والحروب رغم المسئوليات والمشقة، ففى وقت خروجه إلى المدينة -قادما من خيبر- جلس النبى عند بعيره، ليضع ركبته وتضع زوجته صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب البعير، فلم يخجل من أن يرى جنوده هذا المشهد وهو يظهر الحب والمودة لزوجته السيدة صفية.
ولم ينس النبى ممازحة زوجاته، حسب رواية لعائشة حينما دعاها النبى لتشاهد كيف يرقص أهل الحبشة بالحراب فى المسجد، فتقول إن النبى سمع لغطًا وصوت صبيان، فقام فإذا قوم من الحبشة يرقصون، والصبيان حولها فقال: "يا عائشة، تعالى فانظرى"، فجاءت عائشة ووضعت ذقنها على كتف الرسول وأخذت تشاهد من ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لها: "أما شبعت، وأما شبعت؟" قالت: فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتى عنده".
المزاح لم تخلُ منه حياة النبى الزوجية قالت: زارتنا سودة يومًا فجلس رسول الله بينى وبينها، إحدى رجليه فى حجرى، والأخرى فى حجرها، فعملت لها حريرة فقلت: كلى! فأبت فقلت: لتأكلى، أو لألطخن وجهك، فأبت فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها، فرفع الرسول رجله من حجرها لتستقيد منى، فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهى، والرسول يضحك.
وكان الرسول يعيش الحياة الزوجية كإنسان أكثر منه نبى فكان يغتسل مع زوجته فى إناء واحد، فيبادرها وتبادره، حتى يقول لها دعى لى، وتقول له دع لى.
ومن حب النبى لزوجاته قبول وتقدير غيرتهن، فكان النبى قد استضاف مرة بعض أصحابه فى بيت عائشة فأبطأت عليه فى إعداد الطعام، فأرسلت زوجته أم سلمة طعامًا فدخلت عائشة لتضع الطعام الذى أعددته فوجدتهم يأكلون، فغارت وغضبت وأحضرت حجرًا ناعمًا صلبًا ففلقت به الصحفة التى أرسلتها أم سلمه، فجمع النبى بين فلقتى الصحفة، وقال لأصحابه: "كلوا.. كلوا.. غارت أمكم.. غارت أمكم"، وهو يضحك، ثم أخذ الرسول صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة.