يبدو أن السياحة فى فرنسا تمر بمرحلة حرجة، بعد أن تصاعدت حدة الاحتجاجات التى تشهدها البلاد قبل أيام من موسم أعياد "الكريسماس"، على خلفية إصلاحات نظام التقاعد التى يقودها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والتى أدت إلى شلل فى بعض المناطق الحيوية بقلب العاصمة باريس.
وتعتبر فرنسا من الوجهات السياحية الأشهر التى يقصدها مئات الآلاف حول العالم لقضاء احتفالات الكريسماس التى تنطلق فى 25 ديسمبر وأعياد رأس السنة، ولكن أدت الاحتجاجات إلى تنامى المخاوف لدى العاملين فى القطاع السياحى بفرنسا بتكرار سيناريو العام الماضى فى موسم الكريسماس، والذى شهد تأثرا كبيرا بمظاهرات "السترات الصفراء".
وقالت الحكومة الفرنسية خلال جلسة لجنة سياحة وزارية سابقة عن تلك الفترة، أن السياحة واجهت انخفاضا فى أول شهرين من العام 2019 على خلفية مظاهرات "السترات الصفراء"، مضيفة: "حدث انخفاض بنسبة 5,6% للسياح في الشهرين الاولين من عام 2019 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018".
وفى ظل عدم الاستقرار والإعلان عن إضراب على مستوى البلاد فى قطاع النقل شاملا النقل الجوى والبرى، بدأت تظهر المخاوف بشأن التداعيات على الاقتصاد في فترة التسوّق قبل عيد الميلاد، خاصة أن الإضرابات أدت فى الأيام الماضية إلى إغلاق موقع برج “إيفل” السياحي الشهير، كما طال أيضا القطاعات الحيوية الأخرى كالمستشفيات وخدمات البريد وأيضا وسائل النقل المشترك والمواصلات، وتوقفت رحلات قطار “يوروستار” فائق السرعة بين باريس ولندن وبروكسل في اجراء استباقي.
كما تأثرت حركة السفر الدولي إلى فرنسا، حيث لغت شركة الطيران الفرنسية بعضا من رحلاتها خلال الإضراب الذي من المتوقع أن يكبد أيضا قطاع الاقتصاد خسارات كبيرة، وأعربت وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية أنييس بانييه-روناشيه عن قلقها إزاء تبعات الإضراب على السياحة، وحذّرت من أنه "إذا طال الأمر، فإن عدم قدرة الفرنسيين على الوصول الى المتاجر يمكن أن يخفّض المبيعات".
ويضع هذا الأمر الحكومة أمام تحد كبير، ويطرح سؤالا هاما هل ستحافظ فرنسا على مكانتها السياحية عالميا فى ظل تصاعد الاضرابات، والتى من المتوقع أن تتأثر سلبا فى موسم الكريسماس، خاصة أنها رغم خسائر العام الماضى استطاعت أن تتصدر قائمة العشر وجهات الأولى عالميا فى استقبال السياح، حيث أعلنت الحكومة الفرنسية أن البلاد حققت في 2018 رقماً قياسياً جديداً في السياحة، وزارها نحو 90 مليون سائح أجنبي، رغم تأثير احتجاجات "السترات الصفراء" خلال نهاية العام.
وأكدت الحكومة الفرنسية أن "فرنسا بقيت في عام 2018 الوجهة الأولى عالمياً".
وقالت الحكومة إنها تأمل في استقبال 100 مليون سائح أجنبي بحلول عام 2020، وأكد المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسى، أن عدد السياح كان يمكن أن يكون أكبر من ذلك، لولا إضرابات الربيع في قطاع النقل واحتجاجات حركة "السترات الصفراء" التي أثرت خصوصاً على قطاع الفنادق.
وتعتبر السياحة من القطاعات الأساسية في الاقتصاد الفرنسي، فهي تمثل نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتدر إيرادات بقيمة 56,2 مليار يورو وتوفر مليونَي وظيفة مباشرة وغير مباشرة، وبالنسبة الى مطلع عام 2019، فالسياق مختلف قليلاً، لان هناك تأثير سلبى للسترات الصفراء على الربع الأول من العام".
ويتوافق ذلك مع الأرقام التى كشفت عنها منظمة السياحة العالمية مؤخرا بشأن حركة السياحة العالمية للتسعة أشهر الأولى من عام 2019، حيث أكدت تباطؤ وتيرة النمو في أوروبا بشكل عام إلى 3 ٪ في الفترة من يناير إلى سبتمبر من هذا العام ، مما يعكس تباطؤ الطلب خلال موسم الصيف الذروة في المنطقة الأكثر زيارة في العالم.