أدى الانتشار الكبير للعملات الرقمية، خاصة «البتكوين»، إلى تسليط الضوء بشكل واسع على الاهتمام بتقنية الـ«بلوك تشين»، (Blockchain)من جانب حكومات العالم، وكذلك النقاشات الدائرة بين الأفراد على شبكات التواصل الاجتماعى، وهو ما اهتم به منتدى شباب العالم فى نسخته الثالثة هذا العام، وخصصت له جلسات نقاشية هامة وضعت على رأس أجندة المنتدى العالمى، فكان لـ«اليوم السابع» حوارا مع مايكل جلاروس، مدير البرنامج الرئيسى بشركة مايكروسوفت العالمية، لتقنية البلوك تشين.. فإلى نص الحوار..
فى البداية.. هل يمكنك شرح تقنية البلوك تشين بشكل مبسط؟
تعتمد تقنية الـ «بلوك تشين»، فى المقام الأول على اللامركزية، إذ يعمل نظامها من خلال مجموعة من العُقد، فنجد أن جهاز كومبيوتر أو خادم بهذا النظام يُمثّل عُقدة تقوم بعدد من المهام، منها تخزين معلومات المعاملات وتوقيت حدوثها وعنوانين الكتل المتصلة بها، ومن خلال الاحتفاظ بعدة نسخ من ملف المعاملات المالية فى أجهزة الكومبيوتر حول العالم، والتى يمكن لأى شخص الوصول إليها، فإنه لم تعد هناك حاجة إلى وجود البنوك، للعمل كوسيط لإدارة المعاملات المالية المختلفة بين الأشخاص والمؤسسات وغيرها من الجهات.
كيف يمكن التعامل مع تقنية البلوك تشين بالنسبة للأفراد العاديين وكذلك للمؤسسات والحكومات؟
لا يوجد فارق بين تعامل الأشخاص أو المؤسسات أو الحكومات مع تقنية البلوك تشين، فالأمر فى غاية البساطة، لأن جميع معاملاتهم المالية تتم فى الوقت الحالى من خلال البنوك، لأنهم يعتبرونها طرفا موثوق به، إلا أنهه فى نفس الوقت فإن تلك البنوك تمتلك قاعدة بيانات مركزية، تضم كافة المعلومات الخاصة بالمعاملات المالية، قد لا تمكن أى شخص من الوصول إليها أو إجراء أى معاملة إلا عن طريق تلك المؤسسات البنكية، ما جعلها تمتلك خاصية مركبة تتحكم بنا، ومن هنا جاءت فكرة تقنية البلوك تشين لأنها لا تعتمد على المركزية إطلاقا، كحلا لهذه المشكلة، وأتاحت الفرصة لأن تتم جميع المعاملات المالية بصورة مباشرة وأمنة، من خلال نظام سمى بـ «الند للند» أو «peer to peer»، جعلت تقنية البلوك تشين، دفتر حسابات عمومى يسجل جميع المعاملات المالية فى كتل، تضم كل واحده فيه بيانات المعاملة من حيث التوقيت والمبلغ وغيرها من المعلومات، كما أن تلك الكتل صممت بشكل أمن يمنع تعديل السجلات أو المعلومات المسجلة.
هل ترى أن هناك مخاطر متوقعة من تعميم تقنية البلوك تشين؟
حتى الأن فإن تقنية البلوك تشين، لا زالت تكنولوجيا جديدة، قد تجد بعض الصعوبات فى تنفيذها، إلا أنها فى المقام الأول، تكنولوجيا جديدة ومبهرة، ومن الجديد اعتمادها على تأمين الحسابات بشكل كبير، لأنها مسؤولية كبيرة، لذا فإن هذه التقنية ستحدث ثورة فى مستقبل التكنولوجيا وتغييرات جزرية على مستوى كافة مجالات الحياة وليس المعاملات المالية فقط.
ما هى أهم التطبيقات التى تعتمد عليها تقنية البلوك تشين؟
تقنية البلوك تشين لا تعتمد على المعاملات المالية فحسب، بل تركز أيضا على عدد من التطبيقات التى تستخدم فيها تلك التقنية التكنولوجية الحديثة، ومنها مبادرة المدن الذكية وتحويل الخدمات الحكومية، والنقل البحرى، واللوجستيات ونقل وتصنيع المجوهرات، إلى جانب الخدمات المالية والبنوك ونقل المساعدات الإنسانية.
فى رأيك.. لماذا تتجه الحكومات إلى الاعتماد على تقنية البلوك تشين.. وماذا سيستفيد العالم؟
لا شك أن المعاملات المالية تعتبر من أهم تطبيقات تقنية البلوك تشين، حيث تتميز بسرعة وسهولة نقل الأموال عبر الحدود من مكان إلى آخر فى لحظات معدودة، مع ميزة رسوم وتكاليف تحويل أقل بكثير من الوضع الحالى، إلا أن الجانب الأكثر تميزا يتمحور حول أن تقنية البلوك تشين لا تحتاج إلى مراكز بيانات، مما يمكن المناطق النائية والدول النامية التى لا تتوفر فيها الخدمات المصرفية الرسمية، من القفز مباشرة إلى الحلول القائمة على تقنية البلوك تشين، مما يجعل تلك الدول توفر التكاليف الباهظة لإنشاء بنية تحتية جديدة.
على الجانب الأخر، فإنه من أهم مميزات تقنية البلوك تشين، أنها توفر حلول أخرى تتعلق بـ«العقود الذكية»، أو Smart Contract والتى تتحكم فى حركة الأصول الرقمية بين الأطراف، إذ تهدف هذه العقود إلى إضفاء الثقة لجميع الاتفاقيات المالية، حيث تجعل كافة المعاملات المالية أكثر شفافية ومرئية للجميع، مما سيساعد الأشخاص والحكومات على رصد التخصيص الفعلى للأموال، إلى جانب مراقبة صرف هذه الأموال من جانب الحكومات، كى تستطيع الحد من الفساد أو عمليات التهرب الضريبى فى المستقبل.
من وجهة نظرك.. متى سيتحول العالم إلى الاعتماد على البلوك تشين؟
بالفعل هناك اعتماد واسع من جانب شركات كبرى على تقنية البلوك تشين، ومنها مؤسسات عالمية تعمل فى مجال النقل والنقل البحرى، خاصة أنها تحتاج إلى تأمين كبير فى عمليات النقل، فتحتاج إلى إبرام عقود ذكية للبضائع التى تنقلها لحمايتها وتأمينها، أثناء عملية تحرك السفن حول العالم.
هل يوجد حكومات تقف ضد تطبيق تقنية البلوك تشين؟
تعتبر تقنية البلوك تشين، مختلفة تماما ومنافسة لطريقة عمل الإنترنت، لذا فإنها تواجه فى طريق تطبيقها عدة عقبات أو محاولات عرقلة جانب بعض الحكومات والمؤسسات التى تفضل الإبقاء على المركزية، ولرغبتها فى تحكيم سيطرتها على مقدرات البلد ومدخرات المواطنين، أو لرغبتها فى أن يكون لديها التكنولوجيا الخاصة بها، ومنها على سبيل المثال روسيا، التى تضع لنفسها تجارب خاصة بها.
ما هى أولى الدول التى اتجهت إلى استخدام تقنية البلوك تشين؟
هناك عدد كبير من الدول والحكومات التى بدأت بالفعل الاعتماد على تطبيق تقنية البلوك تشين، ومنها سنغافورة، خاصة فى مجال النقل البحرى، وكذلك الإمارات وتحديدا دبى، وسويسرا وإستونيا، لكن فى الحقيقة هناك اتجاه واسع على مستوى العالم فى الاتجاه على تطبيق هذه التقنية فى كافة مجالاتها، ومنها أفريقيا وتحديدا دولة جنوب أفريقيا، ونيجيريا، وكينيا، وأغندا.
أما فى شمال أفريقيا، فإن مصر، تعتبر من أولى الدول التى تدرس الاعتماد على تقنية البلوك تشين، خاصة وأنها تؤسس للمدن الذكية، كما أن البنك المركزى المصرى، يدرس بجدية مع شركة مايكروسوفت إمكانية الاتجاه فى التعامل مع هذه التقنية فى مجال التسويق، ويجرى العديد من الاختبارات فى هذا المجال، خاصة أن البنية التحتية فى مصر، تؤهلها لتنفيذ هذه التقنية التكنلوجية الحديثة، وأرى أنه بعام 2020 سنبدأ تنفيذ البلوك تشين فى مصر.
وفى رأيى، فإنه لدينا علاقات قوية مع الحكومة المصرية، لذا أتينا أولا إلى مصر، من الولايات المتحدة الأمريكية، نظرا لحفاوة الاستقبال والقدرة على التفاهم ورغبتهم فى التطوير السريع.