*كيف نوجه العقل الجمعى المصرى نحو الإبداع والابتكار ومهن المستقبل بدلا من أحلام الثراء المجانى والتنقيب عن الآثار
*ميزانية شركة واحدة مثل هواوى أو مايكروسوفت يعمل بها أقل من 200 ألف موظف تفوق ميزانيات عدة دول عربية
*لا يكفى إنشاء 8 جامعات تكنولوجية جديدة .. وعلينا توجيه 60 مليون شاب مصري للصناعات الذكية والبرمجة والهاى تك
*العالم يتحدث عن الثورة الصناعية الرابعة ودخول الروبوت لتسهيل حياة الإنسان ونحن مازلنا مشغولين بالفتاوى الشاذة
*نحتاج 100 مدينة ذكية جديدة للتعامل مع مناطق مثل المرج وعين شمس ودار السلام والمعصرة وعشوائيات المحافظات
*علينا أن نتعلم اقتحام المستقبل وأن نسهم في الحضارة بدل أن نعيش على قمامة العالم الأول ونكتفى بتصدير الإرهاب
=========================
بقدر أهميتها إلا أنها لابد وأن تترك في نفوس المتابعين لها مشاعر متضاربة من الحزن والفرح ، من الأسى والفخر ، من اليقين والشك ، من التفاؤل والخوف ، أتحدث هنا عن الجلسة المهمة الصباحية لليوم الثانى من أيام منتدى شباب العالم بشرم الشيخ والتي تناولت بالنقاش والتحليل قضية " الذكاء الاصطناعى" وموقفنا منها وما توصلت إليه دول العالم المتقدم في هذا المجار ، وحضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي ومجموعة من المتخصصين في هذا المجال من أنحاء العالم وكذا الروبوت الشهيرة " صوفيا".
مجموعة الخبراء والمتخصصين أثناء الجلسة تناولوا آخر ما توصل إليه العالم في هذا المجال ، وكيف أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعى تدخل في كافة مجالات حياتنا بدءا مما نعرفه من الهواتف الذكية والمعدات الط\بية وانتهاء بدخول الروبوت في المجال الصناعى على نطاق واسع وفى تخطيط وتنفيذ المدن الذكية وتوقع شكل المستقبل وبناء الاحتمالات بناء على المتوفر من المعلومات ، حتى يكون المستقبل مصنوعا على أعينهم وليس غيبا يسقط عليهم فجأة، وبالتالي يختارون شكل الحياة التي يريدونها وطبيعة التعليم الذى يتوجهون إليه والحقول الإبداعية التي يوجهون إليها أجيالهم الجديدة ، وكذا نوعية المهن الجديدة التي تطرأ على حياتهم وكذا المهن المنقرضة ، وإعادة النظر في مجموعات القيم والقوانين التي تتفق مع المستقبل وإرسائها بعد دراسات مستفيضة لتحولات المجتمعات عندهم.
ما يحزننى في هذا السياق أننا مضطرون للتحدث بضمير الغائب " هم " وليس بضمير المتكلم " نحن " لأننا لا نشارك العالم حقا في ثورته الرابعة التي ستعيد تشكيل مناطق العالم من جديد ، وستدفع إلى المقدمة بدول جديدة وتسحب إلى الخلف تلك الدول الفاشلة معرفيا وإداريا والتي لم تستطع إدارة أهم ثرواتها ألا وهى الموارد البشرية.
خلال الجلسة تكلم الخبراء والمتخصصون عن إدارة المعلومات والبيانات وعن الأمن السيبرانى وعن آفاق الإبداع والابتكار التي يجب أن تتوجه إليها الأجيال الجديدة وكيف أن دعم تلك الأجيال في توجهاتها نحو المعرفة الجديدة والإضافة إلى الثورة المعلوماتية والتكنولوجية هو المستقبل المنظور حتى الآن لتحقيق المكاسب وتجنب الخسارة في سباق التاريخ والجغرافيا وفى امتلاك القوة والمناعة في عالم لا يعترف إلا بالمبدعين.
يمر هذا الحوار الثرى عن مدن المستقبل الذكية وعن الحياة المخطط لها جيدا وعن دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعى ممثلة في أشكال وأنواع الروبوتات لتسهيل حياة البشر ، فأتذكر أننا أضعنا عقودا طويلة ونحن نسكن العشوائيات ونستثمر في "قيادة التكاتك" ونرضى بالحياة المتخلفة التي تحركها فتاوى شاذة وتدفع أجيالا بأكملها إلى اليأس والتطرف وعندما تريد أن تغير حياتها لا تتوجه إلى الدراسة والتعليم بل تلجأ إلى الإرهاب والانتحار لتكون وقودا لصناعة الموت الكبرى التي غرقت فيها منطقتنا.
مسببات الحزن والخوف والشك والأسى كبيرة بعد هذه الجلسة ، لأننا لابد أن نعترف بأن النخبة السياسية والثقافية التي عليها قيادة المجتمع مصابة بالعمى ، نخبة جاهلة مزايدة بائسة لا تدرى عن العالم وعن المستقبل شيئا ، وعلينا أن نتذكر ذلك الجدل الفارغ والرفض العارم لمسألة إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة و20 مدينة جديدة أخرى لمنع الانفجار المحتمل للقاهرة الكبرى بمحافظاتها الثلاث ، ولفتح مجال جديد أمام الأجيال في المستقبل للحياة وفق نظامك يساعدهم على الابداع والابتكار وإتاحة فرص عمل كبيرة في تلك المرحلة الانتقالية التي نمر بها.
ما يدفعنى للحزن والأسى والخوف على مستقبل هذا البلد ، أننا كنخبة – ولا أستثنى أحدا – نصمت صمتا متوةاطئا مثل الشياطين الخرس تجاه أكبر مشروع لإزالة المناطق العشوائية وإتناحة حياة جديدة لمئات الآلاف من المواطنين الذين كانوا يعيشون هناك تحت خطر محدق بهم ، بل إن البعض أخذ يشكك كالعاتدة في طبيعة هذه المشروعات واعتبرها لصالح فلان أو علان ، بل انتقدوها لأنها عائدة بالنفع على الحكومة المصرية وتوفر موارد يمكن أن يتم توجيهها لإنشاء مناطق سكنية لمحدودى الدخل.
العالم يتحرك في اتجاه التكنولوجيا المتقدمة والإبداع وتحسين الحياة الإنسانية ، ونحن مازلنا مشغولين بالفتاوى الشاذة وصناعة التطرف وتسليم ذقوننا إلى الجهلة الذين لا يعرفون من الحياة إلا مجموعة الشهوات الأولية والاستهلاك العشوائى على قمامة العالم الأول المتقدم حضاريا.
نحن بالفعل يجب أن نتقدم بالاعتذار والتحية للقيادة السياتسية لأنها كانت ترى المستقبل بصورة أفضل وتسعى إلى تغييره بحسم ودون هوادة وما العشرين مدينة الجديدة التي تستوعب نحو 30 مليون مواطن إلا مجرد بداية ، فنحن بالفعل نحتاج نحو مائة مدينة جديدة وعصرية يسهم بها القطاع العام والخاص ، حتى نضمن انتقالا آمنا للمواطنين القاطنين في المناط\ق المتكدسة وغير المخططة من المرج إلى المعصرة ودار السلام والعامرية وعزبة النخل وعشوائيات المحافظات إلى مناطق مخططة وتخفيف تلك العشوائيات أو إزالتها في المستقبل.
لا يكفى إنشاء 8 جامعات تكنولوجية جديدة ، بل نحتاج أضعاف هذا العدد من الجامعات الفنية والتكنولوجية في القاهرة والمحافظات حتى يتحول العقل الجمعى إلى الابتكار والإبداع في التوجهات الجديدة للعالم ، ويكفى أن نعلم فقط أن شركة واحدة مثل هواوى أو مايكروسوفت يعمل بها أقل من مائتى ألف موظف ميزانيتها تفوق ميزانية عدة دول عربية ، كما يجب أنم نعلم أن الهند حققت طفرتها الاقتصادية خلال العقدين الأخيرين من خلال دعم الصناعات الذكية والبرمجة والهاى تك.
علينا أن نعمل بكثافة على تغيير الثقافة المنحطة السائدة التي دفعت الغالبية العظمى من شبابنا إلى التواكل والقعود والجهل ، وحصرتهم في الحلم المجانى بسقوط الجوائز المليونية عليهم من برامج المسابقات أو الحلم بالتنقيب عن الآثار للإثراء السريع ، وأن نحل محل هذه الثقافة المنحطة ثقافة العمل الحقيقى لا التوظيف ثقافة الإبداع والابتكار بدلا من أداء الواجب وانتظار الراتب آخر الشهر.
هل يمكن أن نسعى جميعا لامتلاك إرادة شاملة للتغيير في بلدنا لنلحق بركب العالم ونسهم في ثورته الصناعية الرابعة؟ هل يمكن أن نتبنى قيم الإبداع والابتكار والإنتاج بدلا من التطرف والتواكل والرضا بالجهل والمستوى المنحط من الحياة ، اللهم إنا نسألك أن تعيننا على أنفسنا حتى نغيرها ، لأنك سبحانك لا تغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة