كثيرا ما نأخذ بالمظاهر ونطلق على الناس أحكاما مسبقة، طبقا للصورة التقليدية السائدة، ومن أكثر الشخصيات التى يطلق عليها الناس أحكاما قاسية ويرون فيها الشر دائما شخصية الراقصة، التى يراها الكثيرون شخصية شريرة بعيدة كل البعد عن الخير وعن طريق الله، ولا تعرف سوى العرى وملذات الدنيا وخراب البيوت، دون أن يدركوا أن هناك جوانب خفية فى حياة البشر لا يدركها الكثيرون، وأن الراقصة قد تقف على باب الله وتتعشم فيه وتحاول أن تتقرب إليه بقربات تخفيها عن أعين الناس ولا يعلمها إلا الله الذى تختلف حساباته عن حسابات البشر وتتسع رحمته للجميع، ويكتب حسن الخاتمة لمن يشاء.
فى هذا الملف نعرض الوجه الخفى الذى لا يعرفه الكثيرون لعدد من الراقصات اللاتى رقصن فى العلن وتقربن إلى الله ووقفن على بابه وتعشمن فيه فى الخفاء دون أن يتاجرن بهذه العلاقة الخاصة، ودون أن تعلن أى منهن عما تقوم به من أعمال الخير.
تحية كاريوكا
عرفت الفنانة تحية كاريوكا منذ بداياتها بمواقفها وجرأتها وأعمالها الطيبة، وكانت فى أوقات كثيرة على استعداد للتضحية بحياتها بسبب مواقفها، حيث ساعدت الفدائيين على مقاومة الاحتلال الإنجليزى وهرّبت لهم السلاح فى سيارتها إلى الإسماعيلية قبل قيام ثورة يوليو 1952.
وبعد ثورة 1952 شاركت كاريوكا فى قطار الرحمة وتبرعت بمجوهراتها، وجمعت التبرعات للجيش بعد نكسة يونيو 1967، وكان لها دور بارز فى حرب أكتوبر سواء فى جمع التبرعات أو مع الهلال الأحمر وفى مستشفى قصر العينى، حيث أقامت لشهور بعنبر 21 لخدمة الجرحى والمصابين.
وخلال حياتها الفنية كان لها العديد من المواقف التى ساندت فيها الضعفاء دون أن تعلن عن هذه المواقف أو تتاجر بها، ولكن حكى عنها المقربون منها، ففى أثناء تصوير أحد المسلسلات فى دبى عرفت كاريوكا أن المنتج لم يدفع أجور الكومبارس، فقررت الامتناع عن التصوير حتى يتم دفع أجورهم، وأكد المخرج جميل المغازى أن كاريوكا عندما عرفت أن فرنسا رفضت استقبال الشاعر بيرم التونسى بعد نفيه، وأنه عمل شيالا فى ميناء مرسيليا جمعت تبرعات وسافرت بنفسها لتسلميها له وناضلت مع الفنانين حتى أعادته إلى مصر.
وحكى الماكيير محمد عشوب فى الكثير من لقاءاته عن مواقف تحية كاريوكا، مشيرا إلى أنها كانت شديدة العطف على العمال بالاستوديو وعلى الأطفال الذين يبيعون الجرائد أو أطفال الشوارع، وكانت دائما تصطحبهم لشراء الملابس الثقيلة فى الشتاء وتوزع عليهم الطعام، مشيرا إلى أنها كانت خلال التصوير تجمع تبرعات من أبطال العمل والمنتج والمخرج، وتضعها فى أظرف وتوزعها على العمال.
كما تحدث عشوب عن علاقة تحية كاريوكا بالشيخ الشعراوى، مشيرا إلى أنها كانت تعتبره أباها الروحى، وأنه تدخل لحل مشكلتها مع طليقها فايز حلاوة الذى طردها بملابسها من شقتها واستولى على كل ما تملك، مشيرا إلى أن شقيقه المحامى مصطفى عشوب تولى القضية التى رفعتها تحية لاسترداد شقتها، ولكنه فوجئ باتصال منها تطلب منه عدم حضور الجلسات، فاتصل هو وشقيقه بالشيخ الشعراوى لإخباره، وعندما تحدث معها إمام الدعاة وسألها عن السبب قالت له تحية: «الراجل متجوز ومعاه مراته وبنته هيروح بيهم فين، وأنا كبرت والشقة كبيرة عليا ومبسوطة فى الشقة اللى أنا فيها»، فلمعت عين الشيخ الشعراوى وبكى قائلا: «بدأت أغير منك يا تحية، لإن ربنا بنى لك قصورا فى الجنة».
وكانت الفنانة تحية كاريوكا تلجأ للشيخ الشعراوى فى أواخر حياتها تستشيره وتسأله فى أمور الدين، بعدما قابلته صدفة أثناء أداء العمرة.
وتحدثت ابنة شقيقتها الفنانة رجاء الجداوى عن دور خالتها كاريوكا فى حياتها فى أكثر من لقاء قائلة: «علمتنى أشياء كثيرة أهمها الصدق وقالتلى الكذب أول الموبقات، الكذبة بتجر كذبة، وعلمتنى عزة النفس والكرامة، فقالت: لما تقعدى فى القصر خلى راسك براسهم ولما تقعدى على طبلية خليكى أقل منهم وما تحكميش على حد إلا لما تحطى نفسك مكانه».
وقضت تحية كاريوكا آخر 26 عاما من حياتها متفرغة للعبادة وقراءة القرآن، والذهاب للحج والعمرة استعدادا لمشوارها الأخير، واستأجرت شقة صغيرة لتعيش فيها، ورغم مواردها الضعيفة كانت حريصة على إطعام الفقراء، حتى أنها كانت تقف أمام البيت لتوزع الطعام على العمال، وإذا جاءتها أى أموال كانت تذهب إلى السيد البدوى أو السيدة نفيسة لتطعم المساكين، وكانت تقول دائما: «كل معلقة تدخل جوف إنسان ربنا بيرزقنى عليها».
كان يمكن ألا يكون معها سوى 5 جنيهات، وإذا وجدت طالبا لا يستطيع دفع مصروفات المدرسة تعطيه كل ما معها وتقترض من البواب حتى يأتيها أى مبلغ،
وقبل وفاتها بعامين وجدت تحية كاريوكا على باب شقتها طفلة رضيعة، فأخذتها واعتنت بها واتصلت بالشيخ الشعراوى وأخبرته بأنها تريد أن تربيها فقال لها: «اكفليها وسميها عطية الله، وستكون مفتاحك للجنة».
وكانت كاريوكا تعشق هذه الطفلة وكانت مصدر سعادة لها، وبعد دخولها الرعاية المركزة، طلبت ورقة وكتبت اسم فيفى عبده، وأوصت بأن تتولى رعاية الطفلة بعد وفاتها.
سامية جمال
لا يعرف الكثيرون عنها سوى أنها إحدى أشهر راقصات مصر، الفراشة نجمة السينما والاستعراض سامية جمال، التى تداول الكثيرون أخبار قصة حبها لفريد الأطرش وزواجها من رشدى أباظة وأخبار أفلامها واستعراضاتها وطريقة رقصها، لكن يبقى الكثير من رحلة شقائها لا يعرفه ولم يشعر به سواها، ويبقى هذا الجزء الغامض فى علاقتها بربها ووقوفها على بابه سرا لم تطلع عليه أحدا ولكن جزءا منه تحدث عنه غيرها بعد وفاتها.
عانت الفراشة من قسوة الحياة والظروف وتعذبت بالجوع والضرب فى طفولتها التى حرمت فيها من كل ما هو مسموح لغيرها أو حتى لإخوتها، حيث عانت من أقسى أنواع العذاب على يد زوجة أبيها التى حرمتها من كل شىء، التعليم، والطعام، واللعب، فكانت الصغيرة مجرد خادمة تنفذ كل أوامر وطلبات زوجة أبيها التى تفوق قدرته كطفلة، حتى هربت «زينب خليل إبراهيم محفوظ» إلى القاهرة، وبدأت رحلتها مع الفن والرقص وحققت حلمها بمقابلة فنانها المفضل فريد الأطرش بل وتعاونت معه وأصبحت بطلة أفلامه واستعراضاته، وجمعتهما علاقة حب ولكن لم تتوج بالزواج بعدما رأى فريد الأطرش أنها لا تناسبه فكسر قلب الفراشة.
وردا على هذا الجرح وافقت سامية جمال على أول من طلب الزواج منها وهو متعهد حفلاتها الخارجية الأمريكى ريتشارد كينج، ولكنها اشترطت عليه أن يشهر إسلامه، وأن يكون مهرها مسجدا يبنيه فى بلدها بنى سويف، ولكن سرعان ما وقع الطلاق بينهما بعدما استولى الزوج على كل ما تملك.
عرفت سامية جمال دائما برقتها ورقيها فى التعامل، علمت نفسها بنفسها، كانت عطوفة ودودة، أكسبتها ظروفها وحياتها الصعبة حناناً وعطفاً بلا حدود على الضعفاء والبسطاء.
وجمعتها علاقة حب بجان السينما الفنان الكبير رشدى أباظة، وتزوجا لمدة 17 عاما كانت فيها سامية جمال نعم الزوجة التى ترعى بيتها وتتجاوز عن أخطاء زوجها وتغفر له زلاته، كما كانت نعم الأم لابنته قسمت، التى عاشت معها حتى بعد طلاقها من رشدى أباظة.
وبعد انفصالهما بـثلاث سنوات رحل دنجوان السينما، وحضرت سامية جمال الجنازة متخفية بإيشارب ونظارة سوداء حتى لا تلفت النظر إليها، وبعدها زارت الفراشة قبره وقرأت له القرآن، وكانت تتمنى أن يموت فى حضنها وإلى جوارها ولكن القدر قرر أمرا آخر.
وفى السبعينيات اعتزلت سامية جمال الفن، وكان آخر أفلامها «الشيطان والخريف» عام ١٩٧٥، ومن قبله اعتزلت الرقص، إلا أنها وبعد أن وصلت لسن الستين مرت بظروف اقتصادية صعبة، ورغم ذلك كانت عزيزة النفس ورفضت عرضاً من أحد أمراء الخليج بأن يهديها جناحاً خاصاً فى أحد فنادق القاهرة الكبيرة لتعيش فيها، ووافقت على عرض الفنان سمير صبرى بالعودة للرقص فى فرقته الاستعراضية.
وفى حوار معنا تحدث سمير صبرى عن هذه الفترة قائلا: «غرقت شقة سامية جمال بسبب انفجار ماسورة مياه، وكانت حالتها المادية متعثرة، خاصة أنها كانت متكفلة بشقيقتها وأبناء شقيقتها الخمسة، فخطر لى خاطر بإعادتها للرقص من خلال فرقتى الاستعراضية»
وأضاف متحدثاً عن أخلاق ورقة سامية جمال: «كانت سيدة رائعة، تحضر كل يوم أطواق الفل لبنات الفرقة ليرتدينها فى أياديهن، وتجلس ساكنة تنتظر دورها، ويوم الافتتاح جاء التليفزيون الفرنسى ليصور معنا، فتحدثت الفرنسية فى البرنامج بطلاقة، ومن عائد هذه الحفلات سددت ديونها، وأصلحت شقتها ودفعت ما عليها من ضرائب، وبعد سنة من هذا النجاح قالت لى: كفاية يا سمير أنا رقصت علشان أسدد ما على من التزامات، والحمد لله سددتها».
وبعد ذلك ابتعدت سامية جمال عن الأضواء وأدت فريضة الحج وكان آخر ظهور وآخر صورة التقطت لها وهى بملابس الإحرام، ثم اعتكفت فى بيتها تقرأ القرآن وتصلى، وتتصدق على الفقراء متخفية وراء نقاب، كما أوضح بواب عمارتها، كما كانت تعشق السيدة نفيسة وتذهب دائما للصلاة، وقبل وفاتها بشهرين اشترت مدفناً وعندما ذهبت لرؤيته وجدت المقاول وضع عليه لافتة «مدفن الفنانة سامية جمال»، فاعترضت قائلة أن الموت ليس فيه فرق بين فنان وغيره، وأوصت بأن يخرج جثمانها من سلم الخدم وأن يصلى عليها فى مسجد السيدة نفيسة، التى كانت تصلى فيه دائما، ورحلت فى ١ ديسمبر عام ١٩٩٤، بعد رحلة فن وحب وعذاب ووقوف على باب الله.
نعيمة عاكف
كانت جميلة المظهر والجوهر، حياتها سلسلة من العذاب والشقاء تخللتها فترات سعادة لم تدم كثيرا وتألق ونجاح وصل للعالمية رغم سنوات عمرها القليلة التى لم تتجاوز 37 عاما، عرفت الشقاء منذ طفولتها وعلمت نفسها بنفسها، إنها الفنانة الاستعراضية نعيمة عاكف، التى ولدت وبدأت حياتها فى سيرك والدها بطنطا عام 1929، وكانت الابنة الرابعة التى لم يفرح والدها كثيرا بمولدها بعد شقيقاتها الثلاث، وكان يتمنى أن تكون ذكرا.
تدربت نعيمة عاكف فى سيرك والدها منذ كان عمرها 4 سنوات وتفوقت على شقيقاتها حتى أصبحت بطلة السيرك، ولكن تعرض والدها للإفلاس ورهن السيرك، وانتقلت نعيمة مع والدتها وشقيقاتها إلى القاهرة، رفضت الأم أن تعمل مع بناتها فى الصالات التى شعرت بأنها أرادت استغلالهن استغلالا مشينا، وبدأت الفتيات الأربع يقدمن عروضا فى الشارع حتى يجدن ما يسد جوعهن ويعينهن على الحياة، حتى شاهدهن على الكسار فضم نعيمة إلى فرقته، فتميزت فى الفرقة واستعانت بها بديعة مصابنى، حتى شاهدها عدد من المخرجين واستعانوا بها عام 1948، من خلال فيلمَى «حب لا يموت» و«آه يا حرامى»، وفى عام 1949 ظهرت كراقصة فى فيلم «ست البيت»، لكنها قدمت أول أدوارها التمثيلية من خلال فيلم (العيش والملح) بعد أن أعجب بها المخرج حسين فوزى وتعاقد معها على عدد من الأفلام، وتزوجها.
قدمت نعيمة عاكف مع زوجها حسين فوزى ما يقرب من 15 فيلما، منها: «بلدى وخفة، بابا عريس، فتاة السيرك، جنة ونار، تمر حنة، ياحلاوة الحب، أحبك ياحسن». وبعد عشرة أعوام من الزواج انفصلت نعيمة عن زوجها فى هدوء، ثم تزوجت من المحاسب صلاح الدين عبدالعليم وأنجبت منه ابنها الوحيد محمد صلاح الدين عبدالعليم، وحصلت نعيمة عاكف على لقب أحسن راقصة فى العالم من مهرجان الشباب العالمى بموسكو عام 1958 ضمن خمسين دولة شاركت فى هذا المهرجان، ولأنها فاتتها فرصة التعليم فى صغرها عوضت ذلك بالاستعانة بمدرسين لتعليمها اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية حتى أتقنت اللغات الثلاث.
لم تتحدث نعيمة عاكف كثيرا عن علاقتها بربها، ورفضت فى إحدى المرات أن يلتقط لها أحد المصورين صورة وهى تصلى، وقالت له إن الصلاة علاقة بينها وبين ربها لا يجب أن تتاجر بها أو تكون محلا للنشر فى الصحافة.
كما كانت الفنانة الاستعراضية تبتعد عن الأجواء الصاخبة وعدسات كاميرات المصورين، خلال شهر رمضان، وتفضل أن تقضى أغلب أوقاتها فى الاعتكاف والالتزام بالصلاة وقراءة القرآن.
وبعد زواجها الثانى قاطعت بدلة الرقص، وكانت تقضى أغلب أوقاتها مع ابنها الوحيد، وأثناء مشاركتها فى فيلمى أمير الدهاء وبياعة الجرايد عام 1963 شعرت بالإعياء، واكتشفت إصابتها بسرطان المعدة، ورغم ذلك خرجت من المستشفى، لتستكمل الفيلمين، وبعدها عانت الفنانة الشابة أشد المعاناة مع المرض، لمدة عامين لا يدرى أحد كيف كانت تناجى ربها وكيف تقربت إليه وماذا تحملت وهى تستعد للرحيل بينما ترى ابنها الذى لم يتجاوز 4 سنوات يتشبث بها، ولا يدرك أنها ستفارقه مبكرا، وبالفعل رحلت الجميلة عام 1966 وكان آخر ما نطقت به اسم « محمد» ابنها الذى لم يشبع من حنانها، وفارقت نعيمة عاكف الحياة بعد رحلة قصيرة اختلط فيها التألق بالعذاب، والشقاء بالنجاح، والدين بالفن.
فيفى عبده
منذ ظهورها ومع شهرتها الكبيرة كانت دائما مثارا للجدل، ليس فيما يخص فنها فقط، ولكن بسبب عدد من تصريحاتها، بسيطة وتلقائية تتعامل بفطرتها دون تكلف، لا تنكر أنها من منطقة بسيطة وتنتمى للبسطاء، وأنها لا تعرف القراءة والكتابة حيث تركت الدراسة فى الصف الرابع الابتدائى، وهو ما يظهر فى طريقتها فى الحديث وتلقائيتها التى تجعلها قريبة من أغلب المواطنين، تتردد عباراتها المشهورة على كل الألسنة حتى وهى تخطئ فى نطق الكلمات الإنجليزية «5 أموااه، أسكوزمى، أى سوير أى لاف يو، أيوه بقى وياللا بقى، أى كانت بيليف إت».
الشهرة والبهجة والشباب الدائم والضحك والفرفشة والتلقائية التى كثيرا ما تجلب الصخب والجدل والانتقاد، كلها مترادفات تذكر كلما ذكر اسم فيفى عبده.
لم تحاول فيفى عبده طوال مشوارها ومع كل ظهور لها أن تكون غيرها أو أن تصطنع الثقافة وتفتعل شخصية أخرى غير شخصيتها الحقيقية، بكل ما بها من صفات ومزايا وعيوب، بكل ما تحمله من صراحة وتلقائية وبساطة وجرأة وقوة ووضوح وعلانية، وكما ترقص فى العلن قالت إنها لم تتزوج إلا فى العلن.
«بنت بلد» هكذا يصفها كل من تعامل معها، «جدعة»، هكذا يعرفها كل من اقترب منها.
« أنا شايلة كفنى فى الدولاب».. كان هذا التصريح من أوائل التصريحات التى أدلت بها فيفى لأحد البرامج بعد شهرتها، ربما من هذا المنطلق تكثر من أفعال الخير التى تحرص على أن تكون فى الخفاء ولا يعرفها أحد.
فبعيدا عن مائدة الرحمن التى تقيمها فى رمضان والتى كانت مثارا للجدل على مدار سنوات طويلة، وبعيدا عن رحلات الحج والعمرة، وطبقا لعدد ممن تعاملوا معها عن قرب، تحرص فيفى عبده على إخفاء الكثير من أعمال الخير التى تقوم بها وتغضب إذا أعلن أحد المقربين منها عن مساعدة قدمتها لمحتاج، حتى أنها تخفى عمن تساعده أنها هى التى تقدم هذه الأموال والمساعدات.
تكثر من زياراتها للسيدة نفيسة والسيدة زينب، تصلى وتقدم مساعدات وطعاما للفقراء والمحتاجين فى الخفاء، وكثيرا ما تصلى الفجر فى هذه الأماكن دون أن يتعرف عليها أحد، ربما ورثت هذه العادة من أمها الروحية الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا التى دأبت فى أواخر حياتها على زيارة هذه المساجد وإطعام الفقراء هناك.
كانت فيفى عبده قريبة جدا من كاريوكا وفية لها، حتى أن كاريوكا لم تستأمن أحداً من بعدها على رعاية الطفلة اليتيمة التى وجدتها أمام باب شقتها وسماها الشيخ الشعراوى عطية الله، سوى فيفى عبده، وأوصت الفنانة الكبيرة وهى على فراش الموت بأن تتولى فيفى رعاية الطفلة، وبالفعل قامت فيفى عبده برعاية الطفلة وعلمتها حتى تزوجت، وطوال هذه الفترة كانت تحرص على إخفائها عن أعين الإعلام والصحافة وعدم الحديث عن رعايتها لها وما تقوم به معها.
يلحظ كل من تعامل مع فيفى عبده جدعنتها ووقوفها إلى جانب من يحتاج مساعدة، سواء من زملائها أو ممن يعملون معها، كما ساعدت الكثيرين فى تجهيزات الزواج.
تحفظ فوفة الجميل دائما ولا تنس الود والوفاء لكبار الفنانين، فهى الوحيدة التى تداوم على زيارة الفنانة الكبيرة شريفة فاضل والاطمئنان عليها.
نجوى فؤاد
من أشهر راقصات مصر اللاتى رقصن على صوت وألحان عمالقة الفن والطرب ومنهم عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد رشدى وحظيت بشهرة عالمية، حيث حظيت بإعجاب هنرى كسينجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق وجيمى كارتر الرئيس الأمريكى الأسبق، وربطتها علاقة صداقة بنجوم وعمالقة الفن.
نجوى فؤاد الفنانة التى رقصت فى أفراح أبناء الرؤساء وأمام كبار حكام العالم وحازت شهرة واسعة، ذاقت اليتم فى سن مبكرة بعد وفاة والدتها الفلسطينية الأصل ولكن عوضتها زوجة أبيها عن حنان الأم، وعشقت الرقص منذ طفولتها واحترفته فى سن صغيرة رغما عن إرادة أسرتها المتدينة، التى قاطعتها، كما صرحت فى عدد من لقاءاتها، موضحة أنها اضطرت حينها لتكوين أسرة فقبلت الزواج من الملحن أحمد فؤاد حسن وكان يكبرها بـ27 عاما، وتعددت زيجاتها، وكان منها زواجها من الفنان أحمد رمزى الذى لم يدم سوى أيام قليلة، كما تزوجت من الفنان الشاب الراحل عماد عبدالحليم، وعدد من رجال الأعمال.
هذا هو الوجه الذى يعرفه الغالبية العظمى عن نجوى فؤاد، ولكن يبقى وجه آخر لا يعرفه الكثيرون عن الراقصة الشهيرة، وجه يبقى خافيا وتحرص أن يظل كذلك.
فالفنانة الشهيرة صاحبة التاريخ الطويل تقضى الكثير من أوقاتها، خاصة بعد اعتزال الرقص فى قراءة القرآن والتفقه فى الدين، وهو ما يزيد خلال شهر رمضان، حتى أنها لا تتابع التليفزيون خلال الشهر الكريم للتفرغ للعبادة والصلاة.
ولا يعرف الكثيرون أن نجوى فؤاد رفضت فى 1985 عرضا من شخص فرنسى من أصول يهودية طلب منها أن تذهب معه إلى فلسطين لترقص هناك بدلا من «داليدا» نظرا للشبه بينهما مقابل أن يدفع لها مبلغ 100 ألف دولار، إلا أنها رفضت بشدة، مؤكدة أنها لا تستطيع أن ترقص فى مكان سكانه يعانون من جشع وبطش المستعمِر ويستيقظون وينامون على صوت الدبابات والرصاص، ولا تفكر فى زيارة بلد أمها، لأنها لا تحتمل مشاهدة المجازر اليومية التى يرتكبها الاحتلال الصهيونى.
ومن الجوانب التى تخفيها نجوى فؤاد عن الناس أنها وفى شبابها كفلت طفلة يتيمة، وحرصت على أن تحفظ الطفلة القرآن، وعلمتها حتى التحقت بكلية الحقوق، وارتدت الحجاب، وساعدتها على عمل دراسات عليا وزوّجتها، وكونت هذه الفتاة أسرة وأنجبت ثلاثة أبناء، ويبقى الكثير من تفاصيل العلاقة بين نجوى فؤاد وبين ربها فى الخفاء لا يعلمه أحد من البشر.