كان الشعب المصرى، وحتى سنوات قريبة، مغرمًا بأقراص الأسبرين يتعاطاها كلما شعر بأى ألم، يحتفظ بها فى بيته طوال الوقت، لكن من الواضح أن الارتباط قديم جدا يعود إلى زمن الفراعنة، هذا ما يوضحه كتاب "الأسبرين.. قصة استثنائية لـ علاج أعجوبى" تأليف ديارمويد جيفريز، والصادر عن دار الساقى.
أبناء عبد الرسول يبيعون البرديات
يقول الكتاب إن الأخوين أحمد ومحمد عبد الرسول ذهبا إلى أدوين سميث فى القرن التاسع عشر فى مسكنة فى بيت مصطفى أغا، فى الأقصر، كي يبيعا له برديتين حصلا عليهما من المقابر الفرعونية التى كانت تنهب فى ذلك الوقت، وقد حاول أدوين سميث ألا يظهر لهما أهمية البرديتين حتى لا يطمعا وهو يساومهما على السعر.
يلقى الكتاب المهم الضوء على شخصية أدوين سميث المولود فى عام 1822، مغامر تعلم فى نيويورك وباريس، لكنه تعرض لفضيحة ما فى الولايات المتحدة لذا اضطر إلى مغادرتها فتوجه إلى مصر.
كيف استقر أدوين سميث فى مصر
وفى مصر استقر أدوين سميث فى مدينة الأقصر وقام بدراسة الخط الهيروغليفى حتى بات خبيرا فى قراءة المكتوب على الآثار المصرية القديمة، وقد كان رجلا واسع الحيلة، حيث امتهن الربا وراح يقرض الناس ما معه من أموال بفائدة تصل إلى 5% شهريا، وعمل بتجارة القطع الأثرية القديمة.
فى الأقصر استأجر أدوين سميث منزلا من مصطفى الأغا بمحاذاة معبد رعمسيس الثانى، وفى يوم 20 من يناير من عام 1862 استطاع أن يشترى اثنتين من البرديات البالية لقاء اثنى عشر جنيها استرلينيا من أبناء عبد الرسول، فأماط اللثام عن واحد من أكثر الاكتشافات أهمية فى التاريخ الطبى.
تفاصيل البرديتين الأثريتين
وعندما سنحت الفرصة لـ سميث كى يعيد تفحص مشترياته عن كثب، اكتشف أن البرديتين اللتين ابتاعهما تشكلان كتيبين طبيين بدائيين، يصف أولهما ثمانى وأربعين حالة جراحية، وضمنا تشخيصها وعلاجها، فيما يضم الثانى مجوعة أكثر شمولية إنما عشوائية من الحالات الطبية والوصفات العلاجية، وقد عرفت البردية الأولى فيما بعد باسم بردية أدوين سميث الجراحية باعتبار أنه هو من ابتاعها، فى حين اشتهرت البردية الثانية باسم بردية إيبرز تيمنا بأستاذ ألماني ابتاعها لاحقا من سميث.
والواقع أن كلا البرديتين كان قديما، بل قديما جدا ويعود تقريبا إلى العام 1534 قبل الميلاد. وقد كتب البرديتين على الأرجح الناسخ نفسه، أما محتوى البرديتين، فكان يعود إلى زمن أبعد، إذ تبين أن البرديتين نسختان من وثيقتين أقدم عهدا يعود تاريخهما على الأقل إلى ألف سنة أخرى وربما أكثر.
وعلى الرغم من أن كلا الوثيقتين يعتبر استثنائيا لما يكشفه من معلومات قيمة حول الممارسات الطبية للمصريين القدامى، إلا أن بردية إيبرز هى تحتل موقعا مركزيا فى هذه القصة.
وصف بردية إيبرز
الواقع أن بردية إيبرز التى تمتد على 110 صفحات، تشكل إلى يومنا هذا البردية الطبية الأطول والأكثر شمولية التى عثر عليها علماء الآثار المصرية وعمدوا إلى دراستها، أضف إلى ذلك أنها تعج بالرسوم والرموز، وعلى غرار الوثائق المماثلة تتجلى الكتابات على وجهى البردية.
تتناول نصوص البردية الطب الداخلى (مقارنة بالإصابات الخارجية) وتغطي طائفة كبيرة من الحالات الصحية المختلفة، بدءا من ديدان الأمعاء واضطرابات العين والقرحة، وصولا إلى الأورام والاضطرابات النسائية وداء القلب".
وبردية إيبرز توضح أن المصريين القدامى استندوا إلى دستور شامل للعقاقير والأدوية يضم قرابة 160 وصفة علاجية ترتكز على الأعشاب والنباتات.
الصفصاف والأسبرين
الجدير أن أحد الأصناف النباتية الوارد ذكرها فى بردية إيبرز يحتل مكانة بارزة، لا سيما وأنه شكل موضوع تحقيق منهجي خاص، وفى حين أطلق المصريون القدامى على هذا الصنف اسم تجريت) عرف فى اللاتينية باسم (ساليكس) أما نحن فنعرفه باسم "الصفصاف" ويشكل الصفصاف عنصرا حيويا من عناصر هذه القصة لأنه فى الواقع يحتوى على المكون الرئيسى للعقار الأكثر روعة الذى عرفه العالم، وأقصد به الأسبرين.
أدوين سميث يبيع بردية
وبالعودة إلى "سميث" نكتشف أن أحواله تعثرت بحلول العام 1869 فكان عرضة لعدد من النكسات منها إصابته بالعمى وتدهور أوضاعه المالية، وفى واخر صيف العام 1869 وقع باعة القطع الأثرية المصرية على كتيب مبيعات يتضمن إعلانا حول "وجود بردية طبية ضخمة بحوزة إدوين سميث يقطن فى الأقصر يالقرب من طيبة" وكان أن بيعت البردية لقاء سعر لم يتم الإعلان عنه للألمانى جورج إيبرز، وهو أستاذ متخصص فى علم الآثار المصرية ووضع سلسلة من المؤلفات التاريخية الشعبية عن الفراعنة.
والواقع أن إيبرز قد أبلى بلاء حسنا فى محاولته ترجمة البردية إلى اللغة الألمانية، بيد أنه أساء لاحقا إلى السمعة التى اكتسبها بادعائه على نحو "خسيس" بأنه صاحب الفضل أيضا فى العثور على البردية، ربما رغبة منه بأن يرتبط اسمه بها، لا سيما وأن البرديات كانت فى غالب الأحيان تحمل أسماء مكتشفيها، نشرت بردية إيبرز الأصلية للمرة الأولى لتنتقل بعدئذ إلى جامعة لايدن حيث لا تزال محفوظة إلى يومنا هذا.